إذا كانت قمة أبو ظبي التي عُقدت في شهر مايو/ أيار عام 1981، قد أطلقت ما بات يُعرف بمجلس التعاون لدول الخليج العربيّة، سعياً من الدول الخليجية حينها، لمواجهة التحديات والتهديدات التي كانت تواجه مصالحها، وخصوصاً تأثير الحرب العراقيّة الإيرانيّة الأولى، ونتائج التغيير السياسي في إيران، المتمثل بـ"الثورة الإسلاميّة"، التي أطاحت بحكم شاه إيران السابق علي رضا بهلوي، فإنّ القمّة الخليجيّة الخامسة والثلاثين، قد أسّست لانطلاقة جديدة لمجلس التعاون الخليجي. وتأتي هذه الانطلاقة بعدما كاد المجلس أن يتفكّك، بشهادة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، في كلمته في الجلسة الافتتاحيّة للقمة الخليجيّة، أول من أمس، بعد أن أدخلته الأزمة السياسيّة التي شهدتها دول المجلس طيلة الأشهر الماضية، "في حسابات كادت تعصف به"، وفق أمير الكويت.
وتؤسّس الدوحة، التي استضافت القمة الخليجية، الأقصر في تاريخ مجلس التعاون الخليجي، لتكريس صيغة جديدة للسياسية الخارجيّة لدول مجلس التعاون الخليجي، تتمثل في ما ذكره أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في كلمته الافتتاحيّة في القمّة، بدعوته إلى ضرورة "أن تُعلّمنا التجاربُ الأخيرة ألا نسرع في تحويل الخلاف في الاجتهادات السياسية وفي تقدير الموقف السياسي، والتي قد تنشأ حتى بين القادة، إلى خلافات تمسّ قطاعات اجتماعيّة واقتصاديّة وإعلاميّة وغيرها".
وفي موازاة تشديده على أنّ "ثمّة بديهيات في علاقات دول مجلس التعاون وشعوبه يجب ألا تكون موضع تساؤل في أي وقت"، أكّد أمير قطر أنّ "وحدها الممارسة التي تضع المشترك فوق المختلف عليه، وترفع التعاون فوق الخلاف، هي التي تحوّل مجلس التعاون الخليجي إلى كيان حقيقي، وتبني مضموناً لمقولة إن المجلس هو المنظمة العربيّة الفاعلة على الساحة الإقليميّة والدوليّة".
وعبّر أمير الكويت عن الموقف ذاته، بتأكيده أنّ "الاختلاف في وجهات النظر وتباينها أمر طبيعي ومطلوب ولا يدعو إلى الجزع، شريطة ألا يصل إلى مرحلة الخلاف والتشاحن والقطيعة، التي ستقود بلا شك إلى إضعافنا وتراجع قدراتنا في الحفاظ على ما تحقّق لنا من إنجازات".
واللافت أنّ إعلان الدوحة، الذي صدر عقب اختتام أعمال القمة الخليجيّة، أعاد التذكير، في سابقة لم تحصل من قبل في إعلانات القمم الخليجية، بأهداف مجلس التعاون الأساسية الرامية إلى "دعم وترسيخ الروابط والأواصر الأخويّة والتاريخيّة المتينة، والقيم والمصالح المشتركة التي تجمع بين شعوب دول المجلس، والسعي إلى تعزيز تضامن دول مجلس التعاون والتمسّك بالروابط والأواصر المشتركة، وتعميق وحدة الهدف والمصير بين دول المجلس".
وأكد أهميّة "العمل الجماعي المشترك وتطوير منظومة العمل الخليجي المشترك بكاملها، على نحو يكفل لها مواجهة التحديات المشتركة التي تتطلبها تطورات الأوضاع الإقليميّة والدوليّة، وتأسيس مرحلة جديدة في العمل الجماعي بين دول المجلس لمجابهة التحديات التي تواجه أمنها واستقرارها، والتي تتطلب منها سياسة موحّدة تقوم على الأسس والأهداف التي تضمّنها النظام الأساسي لمجلس التعاون".
وتقول مصادر خليجية لـ "العربي الجديد"، إنّ "قطر معنية، خلال رئاستها لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، بأن تدفع باتجاه دور فاعل لمجلس التعاون في الخارطة السياسية للإقليم والمنطقة، بما يؤكّد مكانة مجلس التعاون ودوله الاستراتيجيّة، في أية ترتيبات، قد تشهدها المنطقة حال التوصّل إلى صفقة بين إيران والدول الغربية في ما يتعلّق بملفّها النووي".
وكان وزير الخارجية القطري خالد العطية، قال لـ"العربي الجديد"، بعد اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي للتحضير للقمة الخليجية يوم 25 نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، رداً على سؤال عن مشاركة دول المجلس في المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، إنّه "في كل الأحوال، لا يمكن أن تكون هناك ترتيبات في المنطقة من دون أن يكون لمجلس التعاون الخليجي دور فيها، وهذه مسألة واضحة". وأكّد أنّ دول المجلس على "اطلاع دائم على ما يجري في المفاوضات بشأن الملف الإيراني".
ولم تخلُ قمة الدوحة الخليجية من مفاجأتين، تمثّلت الأولى بعدم إقرارها للتوصية، التي رفعها الاجتماع التحضيري الوزاري وتتمثل "بتشكيل قوة عسكريّة مشتركة لدول مجلس التعاون"، بعدما جرى تأجيلها لمزيد من الدراسة، والثانية نقل القمّة الدوريّة المقبلة من مسقط إلى الرياض، بناء على طلب من سلطنة عمان التي مثّلها في القمة نائب رئيس الوزراء فهد بن محمود آل سعيد، نظراً لظروف السلطان قابوس الصحيّة، وتواجده خارج السلطنة للعلاج.