عبّر الشاعر السوري نوري الجراح (1956) منذ بداياته في ثمانينيات القرن الماضي عن صوت مختلف في خريطة الشعر السوري، والعربي أيضاً، في التفاته نحو اليومي بتفاصيله العادية والعابرة، لكنه انزاح بها إلى مساحات غير مطروقة سواء على صعيد اللغة المكثفة التي تحمل بلاغتها الخاصة، أو تلك الاستدعاءات لإرث غني من الميثولوحيا، أو عبوره الاسثنائي بين الأماكن التي تركت أثرها في قصيدته.
"البقع الشعرية الأرجوانية.. مقارنة جمالية في ديوان "لا حرب في طروادة، كلمات هوميروس الأخيرة"" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً عن "دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع" للناقد العراقي محمد صابر عبيد، وفيه يدرس المجموعة الأخيرة للجرّاح الصادرة عن "منشورات المتوسّط" العام الماضي.
في مقدّمته، يوضّح المؤلّف: "تصبح قصيـدة النـثر قصيـدة فـوق شـعرية لا تكتفي بالمعطى الشعري التقليدي في استخدام نوعي للغة وإنتاج خاص للصورة، وصولاً إلى كنز المعنى الشعري المتعدد الأطراف والاحتمالات والرؤيات والرؤى، بل تنفتح في طبقة أعلى استثمار طاقة النور المتشطي للكشف الشعري المناسب، وطبقة أدنى على تفكيك الغامض لأجل وضوح أشد وأعمق، حتى بلوغ مرحلة تالية تتكون فيها "الواحة الخضراء" في قلب صحراء شاسعة مشغولة بأكثر معاني الحياة خصباً وبهجة ومعنى ودلالاً".
الكتاب يدرس المجموعة الأخيرة للشاعر السوري (1956) الصادرة العام الماضي
توزّع الكتاب على أربعة عشر محوراً، هي: البقعة الأرجوانية العنوانية، بقعة التقديم الأرجوانية، والاندفاعة الأولى أسطرة التجربة الشعرية، والصوت الشعري: لعنة الزمن وعزاء المكان، والإيقاع الصوتي: بقعة تنوير شعرية مضاعفة، ومركز التنوير والإشعاع الشعري، والتنوير الصوري من البقعة إلى اللقطة الشعرية، والمحكي الشعري وسردنة التنوير، والمكان الشعري التنويري وتشكيل البقع الأرجوانية، ودينامية الصورة الشعرية ومشهدية التنوير، والبقع الأرجوانية: المكان والأسطورة، المحكي الشعري وتخصيب البقعة الأرجوانية، والوجه والمرأة: البقعة الأرجوانية الشعرية المضاعفة، والغربة الشعرية: مغامرة اللغة والصوت، إلى جانب البقعة الأرجوانية الختامية.
ويشير عبيد: "يميل كثير من الشعراء إلى تقديم يرصّع أعمالهم بعتبة فيها سلطة ضوء عالية تمثل يقعة أرجوانية باثّة لمزيد من النور الموحي، سواء أكانت مستعارة من كاتب آخر يجد المؤلّف أنها تمثّله على نحو غزير، أو هي إبداعات المؤلّف نفسه مثلما فعل نوري الجراح في تقديم مجموعته الشعرية الجديدة هذه، وعتبة التقديم تمثّل خطاباً ذاتياً أشبه ببقعة أرجوانية سيرذاتية تحكي على نحو موجز عذاب الحياة وعذاب الوطن وعذاب الغربة وعذاب الشعر، فيحشد الشاعر ما شاء له من الذكريات في اختصار الزمان والمكان والحدث والرؤية للبدء بمسيرة الألم من حافة الموت المرتبص بالأشياء وعلى شفا غقلة منها".
ويستشهد هنا بمقطع للجرّاح يقول فيه:
دمي المضطرب يملأ يدي
ليتني لم أكن هنا
لا اليوم
ولا أمس،
وهذا النور المراهق
ليته وراء الكيلومترات
في
الطلق
اللاهب
لم يكن إلا الضائع من سنوات الضوء
يتناول عبيد مسائل عديدة تتصل بجماليات الإيقاع الصوتي، والمقاربة الجمالية للمكان الشعري التنويري من حيث دوره في تشكيل البقع الأرجوانية بوصفه عنصراً أصيلاً يؤلّف المرجعية الصورية التي تقبل الفهم والتصور عند التلقي، وتجذير علاقة المكان بالأسطورة، وعتبة الخاتمة بوصفها "إعلانا واشهاريا عن بلوغ النص نهايته على أي مستوى من مستويات الحال النصية".