استضاف "فضاء سيني مدار" في "المركّب الثقافي" في قرطاج، اليوم، العرض الأوّل لفيلم "ليلة القمرة العمية" (ليلة القمر الأعمى) للمخرجة التونسية خديجة المكشر.
يُضيء الشريط الذي حاز الجائزة الكبرى لدورة العام الماضي من "مهرجان الفيلم المغاربي" في مدينة وجدة المغربية، على بعضٍ من قضايا وهواجس المرأة التونسية، من خلال موضوع التأخّر عن الزواج في بيئة منغلقة تعتبره عاراً.
يصوّر الفيلم الروائي القصير (20د) حيوات ثلاث فتيات: عائشة (رشا معاوية) التي تعيش مع أب ينقم عليها لاعتقاده بأنها سبب وفاة أمّها، ومع عمّتيها اللتين تُمعنان في إساءة معاملتها، وتبر (آية فرجاني) التي حُرمت من إكمال دراستها لكونها أُنثى، وبوكا (أريج السباعي) التي تعيش في ظلّ تسلّط وقمع والدتها.
ما يجمع الفتيات الثلاث هو أكثر من الصداقة؛ فإضافةً إلى ما تفرضه عليهن سُلطتا العائلة والمجتمع من قهر وقمع، تعيشُ ثلاثتهنّ على هاجس مشترك هو تأخّرهن عن الزواج، أو "البوار"، كما تسمّيه بيئتهن التي تنظر إليه كوصمة عار.
توظّف المخرجة عناصر البيئة الشعبية التي يدفعها الجهل إلى التمسّك بخرافات وأساطير محلية ترى فيها خلاصاً لجميع مشاكلها، حيث تلجأ الفتيات إلى عرّافة تُدعى ليلى (فاطمة بن سعيدان) تقوم بتحضيرهن لطقس مرتبط باكتمال القمر الذي يقضين ليلةً على ضوئه.
هنا، يفتح الفيلم على مشاهد مهرّبة من الواقع المزري لعائشة وصديقتيها؛ حيث تنسحب هواجسهن لتحلّ آمالهن وأحلامهن مكانها. لكن ذلك لا يدوم طويلاً، إذ ينتهي الأمر بعقوبة تسلّطها العائلة على عائشة بسبب قضائها ليلةً خارج البيت: تضع العمّتان فلفلاً حارقاً في عينيها، يُذهب بصرها.
يقترب العمل من بيئة ريفية لها خصوصيتها الاجتماعية وثقافتُها المحكومة بالعادات والتقاليد والنظرة الدونية إلى المرأة التي تبدو بلا أيّة حماية، بينما تتحوّل الذكورة إلى غطاء لتلك السطوة.
لكن مقاربة الفيلم تتجاوز إدانة الذكورة إلى إدانة المنظومة المجتمعية برمّتها، فالعمّتان اللتان تسيئان إلى عائشة أكثر من الأب نفسه، هما في النهاية نتيجة لهذه المنظومة التي تتغذّى من الجهل والظلم.
إضافةً إلى الصورة السينمائية اللافتة والأداء المقنع لشخصيات الفيلم المركّبة، نجحت المكشّر في سرد ثلاث قصص متوازية والجمع بينها بخيط درامي، كما نقلت البيئة التي تدور فيها الحكاية بشكل واقعي. يُحسب لها أيضاً أنها عمدت إلى تكثيف عناصرها السردية، مفضّلةً بذلك الاقتصاد بدل الإطناب الذي كان بإمكانها أن تعتمده في سبيل الخروج بفيلم سينمائي طويل.
في نهاية الفيلم تخرج عائشة من البيت وتمسك بيدها ضوء القمر وتسير في طريق مقمر. هذه ليست نهاية رومانسية، إنما دعوة لكسر الطوق؛ حيث البيت هنا ليس سوى معادل موضوعي للسجن المادي والمعنوي ورمزاً للانغلاق بمختلف أشكاله.
اقرأ أيضاً: أنيسة داود.. على خُطى الطاهر الحدّاد