من مصادفات الدورة الحادية والثلاثين من المؤتمر الذي ينطلق عند مساء اليوم في "مكتبة مصر" في المنيا ويستمرّ أربعة أيام، أن هذه المدينة قد شهدت أعمال المؤتمر الأول في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1984، ومنذ ذلك التاريخ لم تجر أيّة مراجعة حقيقية للإخفاقات المتراكمة لهذه التظاهرة السنوية.
"ثقافة الهامش.. المسكوت عنه في الثقافة المصرية" هو عنوان المؤتمر الذي يحمل اسم "دورة يحيى الطاهر عبد الله"، ولا تقف الانتقادات المتتالية عند اختيار قضايا عامة للنقاش، بل تتجاوزه في زاوية النظر الذي فصّلها المنظّمون على مقاسٍ لا يُزعج السلطات من خلال التركيز على تهميش المناطق والأقليات واللهجات من دون الحديث عن تهميش الثقافة المصرية بإخضاعها التام للخطاب الرسمي والتضييق على الحرّيات واعتقال المثقفين.
الاحتفاء الشكلي بالطاهر عبد الله (1938- 1981) لا يُعبّر عن مثقّف قدِم من أقصى أطراف مصر النائية (من قرى محافظة الأقصر)، وكان ممثّلاً حقيقياً للهامش في كتاباته المستوحاة من صميم بيئته، والعلاقة بالمركز بكل ما يحمل من زيف وأوهام ومظاهر خدّاعة أو في مواقفه التي لم تنقصه فيها شجاعة أو جرأة.
عن أي هامش سيتحدّث الأدباء المؤتمرون وغاية معظهم الحصول على منافع صغيرة في النشر على حساب وزارة الثقافة المصرية، الجهة المنظّمة، أو في اختيارهم ضمن لجان المؤتمر المتفرّعة عنه؟ وأي هامش سيناقشه المشاركون ومخرجات مؤتمرهم في تراجع دائم، فلم تعد تحوي أيّ نقد لممارسات السلطة وقمعها أو تدخّل أذرعها باسم الوطن أو الدين، إذ كانت هذه الانتقادات حاضرة إلى حدّ ما في توصيات دورات سابقة لم تغفل حتى دعمَها لقضايا عربية مثل المقاومة الفلسطينية.
لا تزال وزارة الثقافة المصرية تنظر إلى المشهد الثقافي باعتباره مجموعة من الشعراء والقاصين والروائيين والنقّاد – لا اهتمام بالعمارة والفن والعلوم الإنسانية وغيرها- يقتضي رعايته توزيع مكافأت على كتّاب محدودي الموهبة والإبداع من باب الترضية، وهي سياسة لم تُنتج سوى شبكات علاقات عامة تتنافس على الملايين التي تُنفق على المؤتمر وغيرها من أنشطة الوزارة.
مساء اليوم، يُفتتح "المؤتمر العام لأدباء مصر" بكلمات لعدد من المسؤولين، الذي سيحظون أيضاً بالتكريمات مع عدد من أدباء محافظة المنيا والإعلاميين إلى جانب تكريم يحيى الطاهر عبد الله على قدم المساواة!
وتتوزّع الجلسات البحثية على محاور عدّة؛ من بينها: "ثقافة الهامش الجغرافي"، و"مداخل نظرية لمفهوم الهامش فى الفكر الحديث"، و"ثقافة التنوّع"، و"تجليات الهامش الديني"، و"الهامش اللغوي" ومائدتين مستديرتين؛ الأولى حول "المسكوت عنه وغير المرئي فى الثقافة المصرية" والثانية عن شخصية المؤتمر، إضافة إلى أمسيات شعرية وقصصية وعرض أفلام ومعرض تشكيلي.