في السنوات الخمسين الماضية، انتشر النقد الفني كما لم يحدث من قبل، وبدل أن كان مقتصراً على متخصّصين أصبح على نطاق أوسع، تمارسه الصحف والمجلات ومواقع الإنترنت، ويدرّس في الكليات والجامعات بل وعلى مستوى أضيق مثل الورش التدريبية والصفوف القصيرة التي تعلّم تقنيات تزعم أنها أساسيات الكتابة عن الفن.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي نشر الناقد والأكاديمي جاريت إيرنست كتاباً بعنوان "ما معنى أن نكتب عن الفن"، تضمّن حوارات مع فنانين ونقّاد ومؤرّخي فن وصحافيين وروائيين وشعراء ومنظّرين للفن، كلّ واحد يقترب من الموضوع من موقعه ويوضح طرقاً مختلفة للكتابة والتفكير والنظر إلى الفن.
عن هذا الكتاب وقضايا أخرى يحاضر إرنست عند السابعة من مساء اليوم، في غاليري "وايت شابل" في لندن يشاركه الناقد الفني الذي يكتب لصحيفة "غارديان" منذ عام 1996 أدريان سيرل، والناقدة فرح نايري التي تكتب لصحيفة "نيويورك تايمز" في مجال الفن والثقافة.
تقع محادثات إرنست المتعمّقة حول الكتابة والفن ضمن تجارب الحياة الفردية للنقاد، حيث يقابل في كتابه جون أشبيري، وروزاليند كراوس، وبول شات سميث، ولوسي ليبارد، وآخرين غيرهم، فيتناول كلّ منهم أول تجاربه النقدية وكيف اتجه إلى الفن.
كما يتطرّق في عمله إلى أشكال مختلفة من النقد الفني تلك المتعلّقة بالتصميم والمسرح والأزياء والتشكيل.
في السياق العربي، يبدو الأمر أكثر فوضوية، وتغصّ الصحف والمواقع بكتّاب يتحدّثون عن معارض زاروها وعن مضامينها، دون أن يكون هناك أي تخصّص في هذا السياق، أو يطرح هذا الإنتاج الضخم للمقالات التي تتناول الفنون التشكيلية أسماء ذات شأن يمكن العودة إليها لفهم وتحليل الأعمال والتجارب الفنية.
والأمر يصبح أكثر تعقيداً حين يتعلّق الأمر بالفن المعاصر، الذي ما زال أرضاً شبه مجهولة يتخبّط فيها النقاد والصحافيون ممكن يكتبون بالعربية، بينما يكتب كثير من المتخصّصين العرب ويحاضرون حوله بالإنكليزية حتى ليبدو الأمر وكأن الفن المعاصر في البلاد العربية، موجّه لطبقة اجتماعية معينة ويقتصر عليها، دون أن يحاول الفنانون أنفسهم الخروج من هذه الدائرة الضيقة.
لعل سؤال "ما معنى أن نكتب عن الفن؟" يلزمنا عربياً، ولا بد من أن نطرحه على أنفسنا، فماذا نكتب؟ ومن الذي يكتب؟ وكيف؟ ولمن نكتب عن الفن؟