في عام 2013، وصلت ريتا باريش من سورية إلى ألمانيا بهدف العمل، وبعد انتهاء عقدها وجدت نفسها لاجئة كالآخرين. في عام 2014 أسّست، عبر فضاء فيسبوك الافتراضيّ، مجموعة تحمل اسم "مطبخ غربة"، تخصّصت منذ تأسيسها في "الأطعمة المنزليّة السّوريّة التقليديّة التي تعد في بلاد المنفى، وهدفت إلى مشاركة الخبرات في الطبخ، إضافة إلى إحياء تراث المطبخ السوريّ، بما في ذلك تحدي صعوبات إيجاد المكونات والمقادير في الغربة من خلال استخدام مواد بديلة".
تضمّ مجموعة "مطبخ غربة" اليوم حوالي 12000 عضو من مختلف أماكن تواجدهم في بلاد المنفى، كما في سورية. ومؤخرًا، انضم إلى المجموعة عدد من العرب، غير السوريّين الذين يقيمون خارج بلادهم، سواءً قسرًا أو اختيارًا.
في حديث مع ريتا باريش، وهي باحثة ومدوّنَة في ثقافة المطبخ السوريّ، قالت إن الطبخ لم يأخذ حيزًا من حياتها قبل لجوئها إلى ألمانيا، "لأنه حيز تشغله الأمهات ويستولينَ عليه، ففي حضورهن لا مجال للانفراد بالمطبخ، وما لم نراقبهن كصبيّ يسرق "صنعة معلمه"، لن نستطيع إلى أسرار أطباقهن سبيلا. ففي البيت، تطبخ أمّي، ككل الأمهات، الأطباق التقليديّة والتي لا سبيل لتجديدها، فالوصفة متوارثة للأجيال، وأنا، ككل الأبناء والبنات، كنت أحاول إدخال ما هو جديد إلى المطبخ، فلا ألقى الاستحسان المنشود، وفي أحسن الأحوال، يجد ما أطبخه مكانه كطبق جانبيّ. ويُحسم الموقف دائمًا لصالح "سيدة البيت" وطعامها"، تقول ريتا.
في الغربة، كانت ريتا بحاجة إلى مطبخ تفوح منه روائح البيت، وإلى الشعور بالإنجاز في مكان وصلته للتوّ ولا تاريخ لها فيه. كانت بحاجة إلى تحدي المواد التي لا تشبه ثقافة طعام بلادها، وتطويعها لتصبح مألوفة، حتى لو ضحكت الأمهات من حيلهم/ن الصغيرة، وتتابع: "وكنت بحاجة إلى مائدة أجمع حولها معارفي القلائل، كي لا أتناول عشائي وحيدة في شقة باردة، ولكي نجد قصّة نزجي بها الوقت، في زمن أصبح الحديث عن الصّراع الدائر في سورية أمرًا يكاد يستحيل تجنبه".
منذ تأسيسه، يحظى "مطبخ غربة" بتفاعل واهتمام كبيريْن، ويزداد عدد أعضائه باستمرار، حيث افتتحت فروع لمجموعة "مطبخ غربة" في كل مكان بالعالم؛ كفرع مطبخ غربة باريس، وفرع مطبخ غربة عمّان وغيرها. فيما يتعلّق بالتفاعل الكبير، لم تتوقع ريتا باريش أن تصل المجموعة إلى هذا الحجم، ولم يكن هدفها يومًا أن تجمع أكبر عدد من "اللايكات" والمتابعين. كان جلّ هدفها هو خلق مساحة للأصدقاء لكي يعبروا فيها عن أنفسهم وحنينهم وإنجازاتهم بواسطة الطبخ.
وتتابع: "وذلك بعدما غدت صفحتي الشخصيّة تغص بطبخات الأصدقاء المتفرقين في أنحاء العالم، فبعد مطبخ غربة فرع فرانكفورت يقدّم لكم شيخ المحشي"، توالت التدوينات من "مطبخ غربة فرع بوسطن مع اليلنجي"، و"فرع ميانمار مع الجبن البلدي"، و"فرع بانكوك مع الخبز العربيّ" الذي وُجد صدفة في إحدى البقالات وتم الاحتفال به كما يليق! توالت التدوينات وكثرت الفروع مع تعاظم موجة السّفر واللجوء، فقررت إنشاء مجموعة مغلقة، نزولاً عند رغبة الأعضاء. ضمّت في البداية بضع مئات، واليوم تضم حوالي 12000 عضو، وينتظر حوالي 2000 مشارك البت في طلبات انضمامهم، فنحن نحقق في هويّات المشاركين لتجنب دخول أصحاب البروفايلات الوهميّة والإعلانات التجارية".
تتميّز المجموعة بأن مشاركة الأطعمة والطبخ لا تقتصر على النساء فقط، إنما هنالك مساهمات كبيرة ومتكررة من الرجال، لأطباق يجهزونها ومقادير يشاركونها مع الآخرين. في حديث مع ريتا حول هذا الشأن، وأنه لا "أدوار جندريّة" متعلّقة بالمطبخ حاضرة في المجموعة، قالت إنها قامت بإجراء مسح صغير كان بذرة لمقال نُشر في "صحيفة أبواب في ألمانيا" حول هذا الموضوع، وذلك بالاستناد إلى تجارب الأعضاء من النساء والرجال، وتابعت: "تلخصت الدراسة في أن الأدوار الجندريّة تغيّرت ولكن لم تتبدل كليًا، فقد ساهم الاغتراب في خروج الرجل عن دوره التقليديّ ودلال والدته، وجعله يطبخ بشكل جديّ. تتزايد هذه الظاهرة طردًا في المدن التي يكون فيها الطعام الجاهز غاليًا أو تخلو من المطاعم العربيّة، وذلك بسبب الحنين. القدرة على إطعام النفس هي أولى درجات الاستقلاليّة والمسؤوليّة".
مع ذلك، ترى ريتا أن مسؤوليّة إطعام الأسرة يوميًا لا تزال ملقاة على عاتق المرأة، وأن الرجل يطبخ كهواية وليس كدور يوميّ يمارسه مناصفة مع باقي أعباء المنزل. وتضيف: "غير أن صعوبة الحياة في الغربة أدّت إلى تجاوز الأفراد فكرة من عليه أن يعمل في المطبخ وإعداد الطعام بسهولة أكبر مما لو كانوا في الوطن، لأن وجود الإنسان في مجتمع مغلق يكرّس الأنماط التقليديّة. اليوم يتقاسم الأزواج المسؤوليات بحرية أكبر مما لو كانوا يرزحون تحت أنظار مجتمعهم المتربصة، وبالأخص جيل الشباب. يمكن أن يؤدي الفهم السطحيّ للنسويّة إلى الابتعاد عن المطبخ، لكونه يمثل دورًا نمطيًا من أدوار المرأة، ورفضه كنوع من التحدي للمجتمع، ولكن بابتعاد المرأة عن المجتمع الذي يحكم ويقيّم، تستطيع أن تجد التوازن بين دورها الجندريّ المفروض عليها وبين حبّها للطبخ وهوايتها له وتطوير مهاراتها الخاصة في هذا المجال والتعبير عن نفسها من خلاله".
ترى ريتا أن "مطبخ غربة" يلعب اليوم دورًا مهمًا في بناء ثقافة الحوار وقبول الاختلاف وإيجاد قاعدة مشتركة قد ينطلق منها المشاركون لنقاش قضايا أعمق قد تكون إشكاليّة اليوم، وتتابع: "في سبيل ذلك يقوم مطبخ غربة بتعزيز أوجه التعبير الديمقراطيّ عن طريق الانتخابات والتصويت والاستفتاء ونشر ثقافة احترام الرأي المختلف، حتى لو بدأ من طبخة، في المقابل ما يثير الانتباه في المجموعة حرص الأعضاء على الحفاظ على جوّ إيجابيّ في الحوار وإشاعة روح الدعابة والمرح بينهم. وعلى صعيد آخر، يسعى مطبخ غربة إلى التعريف بالمبادرات التي تنشأ في بلدان اللجوء لاحتراف الطبخ ودعمه وتمكين اللاجئين والمهاجرين من إيجاد مصادر للدخل عن طريق إعداد وتقديم وتصنيع الأطعمة".
ومن هنا، تطمح المجموعة إلى تطوير المزيد من الأفكار ونقلها إلى أرض الواقع بموازاة مع ما تقدّمه في الفضاء الافتراضيّ، خاصّة في ألمانيا، البلد الذي انطلقت منه المجموعة، وتتابع ريتا: "هذه الأفكار بانتظار شراكات مناسبة أهمها دعم النساء المهاجرات للتمكن من اختراف الطبخ بالمواصفات الألمانيّة، مع كل ما ينطوي عليه الأمر من إعداد وتدريب ومساعدة في الجوانب التقنيّة والبيروقراطيّة التي لا يستهان بها في ألمانيا".
لطالما كان الطعام وروائحه محملًا بذكريات وقصص وأماكن وناس، يحاول الناس في الغربة خلق روائح من الطعام تشبه تلك التي يعرفونها، لتقربهم أكثر من بلادهم البعيدة. كلّ زيارة إلى صفحة "مطبخ غربة" هي بمثابة رحلة وسفر إلى قصص عديدة، إلى سورية وأحيائها وشوارعها الفرعيّة، ليس فقط من خلال أسماء الطعام وصوره، بل من خلال الحكايات والذكريات التي يشاركها العديد من المشاركين مع مقادير الأكل.
ترى ريتا أن العديد من القصص التي يروي أصحابها ذكريات عن طفولتهم ولحظاتهم السعيدة مع أطعمة معينة في مناسبات عديدة في البيت والحارة والمدرسة والشارع من كل مدينة سوريّة، تجعلها تشعر كم أن السّوريّين مختلفون ومتشابهون بنفس المقدار، وتضيف: "وكم من الأشياء التي لم نكن نعلمها، نحن الذين كنا نعيش في مدن مختلفة في بلد واحد، وهذا هو محور الكتاب الذي أقوم بالعمل عليه الآن، وهو عبارة عن قصص من مدن سورية المختلفة حول أطعمة معينة وذكريات أصحابها".
عن هذا تقول ريتا: "يبحث الجميع عما كنت أبحث عنه ومن أجله أوجدت هذه المجموعة؛ مشاركة الذاكرة الجمعيّة المرتبطة بالأطعمة وما يرافقها من مواسم ومناسبات وذكريات. الشعور بالإنجاز الذي يمكن تحقيقه كلّ يوم في ظل الانكسار والإحباط المستمرين نظرًا للظروف الراهنة، التغلب على الوحدة من خلال مشاركة الوصفة والوجبة مع الأعضاء المهتمين وانتظار نصائحهم والرد عليها، الرغبة في حفظ وتوثيق التراث لحمايته من الضياع والنسيان، إذ نمر اليوم بمرحلة تشهد تبديل الكثير من المكوّنات الأصلية لأكلات تقليديّة بمكونات بديلة ستستعملها الأجيال القادمة ربما، وقد تفقد الصِّلة الوثيقة بالطبق الأصلي، كما رغبة المشاركين في التواصل ومعرفة المزيد عن ثقافات البلدان التي يقيمون الآن فيها، كالعادات الغذائيّة والوصفات وقصصها. ناهيك عن الفضول الذي يدفع سوريّا مقيمًا في سويسرا مثلًا إلى معرفة ماذا يأكل السّوريّ الآخر في غانا على سبيل المثال، ثم أخيرًا الرغبة في التواصل واستعادة الحياة الطبيعيّة، بالرغم من صعوبات اللجوء والمآسي والحرب الدائرة والحصار، فالمجموعة تضم سوريين في الداخل والخارج على السواء ومن جميع المشارب والآراء".
اقــرأ أيضاً
في حديث مع ريتا باريش، وهي باحثة ومدوّنَة في ثقافة المطبخ السوريّ، قالت إن الطبخ لم يأخذ حيزًا من حياتها قبل لجوئها إلى ألمانيا، "لأنه حيز تشغله الأمهات ويستولينَ عليه، ففي حضورهن لا مجال للانفراد بالمطبخ، وما لم نراقبهن كصبيّ يسرق "صنعة معلمه"، لن نستطيع إلى أسرار أطباقهن سبيلا. ففي البيت، تطبخ أمّي، ككل الأمهات، الأطباق التقليديّة والتي لا سبيل لتجديدها، فالوصفة متوارثة للأجيال، وأنا، ككل الأبناء والبنات، كنت أحاول إدخال ما هو جديد إلى المطبخ، فلا ألقى الاستحسان المنشود، وفي أحسن الأحوال، يجد ما أطبخه مكانه كطبق جانبيّ. ويُحسم الموقف دائمًا لصالح "سيدة البيت" وطعامها"، تقول ريتا.
في الغربة، كانت ريتا بحاجة إلى مطبخ تفوح منه روائح البيت، وإلى الشعور بالإنجاز في مكان وصلته للتوّ ولا تاريخ لها فيه. كانت بحاجة إلى تحدي المواد التي لا تشبه ثقافة طعام بلادها، وتطويعها لتصبح مألوفة، حتى لو ضحكت الأمهات من حيلهم/ن الصغيرة، وتتابع: "وكنت بحاجة إلى مائدة أجمع حولها معارفي القلائل، كي لا أتناول عشائي وحيدة في شقة باردة، ولكي نجد قصّة نزجي بها الوقت، في زمن أصبح الحديث عن الصّراع الدائر في سورية أمرًا يكاد يستحيل تجنبه".
منذ تأسيسه، يحظى "مطبخ غربة" بتفاعل واهتمام كبيريْن، ويزداد عدد أعضائه باستمرار، حيث افتتحت فروع لمجموعة "مطبخ غربة" في كل مكان بالعالم؛ كفرع مطبخ غربة باريس، وفرع مطبخ غربة عمّان وغيرها. فيما يتعلّق بالتفاعل الكبير، لم تتوقع ريتا باريش أن تصل المجموعة إلى هذا الحجم، ولم يكن هدفها يومًا أن تجمع أكبر عدد من "اللايكات" والمتابعين. كان جلّ هدفها هو خلق مساحة للأصدقاء لكي يعبروا فيها عن أنفسهم وحنينهم وإنجازاتهم بواسطة الطبخ.
وتتابع: "وذلك بعدما غدت صفحتي الشخصيّة تغص بطبخات الأصدقاء المتفرقين في أنحاء العالم، فبعد مطبخ غربة فرع فرانكفورت يقدّم لكم شيخ المحشي"، توالت التدوينات من "مطبخ غربة فرع بوسطن مع اليلنجي"، و"فرع ميانمار مع الجبن البلدي"، و"فرع بانكوك مع الخبز العربيّ" الذي وُجد صدفة في إحدى البقالات وتم الاحتفال به كما يليق! توالت التدوينات وكثرت الفروع مع تعاظم موجة السّفر واللجوء، فقررت إنشاء مجموعة مغلقة، نزولاً عند رغبة الأعضاء. ضمّت في البداية بضع مئات، واليوم تضم حوالي 12000 عضو، وينتظر حوالي 2000 مشارك البت في طلبات انضمامهم، فنحن نحقق في هويّات المشاركين لتجنب دخول أصحاب البروفايلات الوهميّة والإعلانات التجارية".
تتميّز المجموعة بأن مشاركة الأطعمة والطبخ لا تقتصر على النساء فقط، إنما هنالك مساهمات كبيرة ومتكررة من الرجال، لأطباق يجهزونها ومقادير يشاركونها مع الآخرين. في حديث مع ريتا حول هذا الشأن، وأنه لا "أدوار جندريّة" متعلّقة بالمطبخ حاضرة في المجموعة، قالت إنها قامت بإجراء مسح صغير كان بذرة لمقال نُشر في "صحيفة أبواب في ألمانيا" حول هذا الموضوع، وذلك بالاستناد إلى تجارب الأعضاء من النساء والرجال، وتابعت: "تلخصت الدراسة في أن الأدوار الجندريّة تغيّرت ولكن لم تتبدل كليًا، فقد ساهم الاغتراب في خروج الرجل عن دوره التقليديّ ودلال والدته، وجعله يطبخ بشكل جديّ. تتزايد هذه الظاهرة طردًا في المدن التي يكون فيها الطعام الجاهز غاليًا أو تخلو من المطاعم العربيّة، وذلك بسبب الحنين. القدرة على إطعام النفس هي أولى درجات الاستقلاليّة والمسؤوليّة".
مع ذلك، ترى ريتا أن مسؤوليّة إطعام الأسرة يوميًا لا تزال ملقاة على عاتق المرأة، وأن الرجل يطبخ كهواية وليس كدور يوميّ يمارسه مناصفة مع باقي أعباء المنزل. وتضيف: "غير أن صعوبة الحياة في الغربة أدّت إلى تجاوز الأفراد فكرة من عليه أن يعمل في المطبخ وإعداد الطعام بسهولة أكبر مما لو كانوا في الوطن، لأن وجود الإنسان في مجتمع مغلق يكرّس الأنماط التقليديّة. اليوم يتقاسم الأزواج المسؤوليات بحرية أكبر مما لو كانوا يرزحون تحت أنظار مجتمعهم المتربصة، وبالأخص جيل الشباب. يمكن أن يؤدي الفهم السطحيّ للنسويّة إلى الابتعاد عن المطبخ، لكونه يمثل دورًا نمطيًا من أدوار المرأة، ورفضه كنوع من التحدي للمجتمع، ولكن بابتعاد المرأة عن المجتمع الذي يحكم ويقيّم، تستطيع أن تجد التوازن بين دورها الجندريّ المفروض عليها وبين حبّها للطبخ وهوايتها له وتطوير مهاراتها الخاصة في هذا المجال والتعبير عن نفسها من خلاله".
ترى ريتا أن "مطبخ غربة" يلعب اليوم دورًا مهمًا في بناء ثقافة الحوار وقبول الاختلاف وإيجاد قاعدة مشتركة قد ينطلق منها المشاركون لنقاش قضايا أعمق قد تكون إشكاليّة اليوم، وتتابع: "في سبيل ذلك يقوم مطبخ غربة بتعزيز أوجه التعبير الديمقراطيّ عن طريق الانتخابات والتصويت والاستفتاء ونشر ثقافة احترام الرأي المختلف، حتى لو بدأ من طبخة، في المقابل ما يثير الانتباه في المجموعة حرص الأعضاء على الحفاظ على جوّ إيجابيّ في الحوار وإشاعة روح الدعابة والمرح بينهم. وعلى صعيد آخر، يسعى مطبخ غربة إلى التعريف بالمبادرات التي تنشأ في بلدان اللجوء لاحتراف الطبخ ودعمه وتمكين اللاجئين والمهاجرين من إيجاد مصادر للدخل عن طريق إعداد وتقديم وتصنيع الأطعمة".
ومن هنا، تطمح المجموعة إلى تطوير المزيد من الأفكار ونقلها إلى أرض الواقع بموازاة مع ما تقدّمه في الفضاء الافتراضيّ، خاصّة في ألمانيا، البلد الذي انطلقت منه المجموعة، وتتابع ريتا: "هذه الأفكار بانتظار شراكات مناسبة أهمها دعم النساء المهاجرات للتمكن من اختراف الطبخ بالمواصفات الألمانيّة، مع كل ما ينطوي عليه الأمر من إعداد وتدريب ومساعدة في الجوانب التقنيّة والبيروقراطيّة التي لا يستهان بها في ألمانيا".
لطالما كان الطعام وروائحه محملًا بذكريات وقصص وأماكن وناس، يحاول الناس في الغربة خلق روائح من الطعام تشبه تلك التي يعرفونها، لتقربهم أكثر من بلادهم البعيدة. كلّ زيارة إلى صفحة "مطبخ غربة" هي بمثابة رحلة وسفر إلى قصص عديدة، إلى سورية وأحيائها وشوارعها الفرعيّة، ليس فقط من خلال أسماء الطعام وصوره، بل من خلال الحكايات والذكريات التي يشاركها العديد من المشاركين مع مقادير الأكل.
ترى ريتا أن العديد من القصص التي يروي أصحابها ذكريات عن طفولتهم ولحظاتهم السعيدة مع أطعمة معينة في مناسبات عديدة في البيت والحارة والمدرسة والشارع من كل مدينة سوريّة، تجعلها تشعر كم أن السّوريّين مختلفون ومتشابهون بنفس المقدار، وتضيف: "وكم من الأشياء التي لم نكن نعلمها، نحن الذين كنا نعيش في مدن مختلفة في بلد واحد، وهذا هو محور الكتاب الذي أقوم بالعمل عليه الآن، وهو عبارة عن قصص من مدن سورية المختلفة حول أطعمة معينة وذكريات أصحابها".
عن هذا تقول ريتا: "يبحث الجميع عما كنت أبحث عنه ومن أجله أوجدت هذه المجموعة؛ مشاركة الذاكرة الجمعيّة المرتبطة بالأطعمة وما يرافقها من مواسم ومناسبات وذكريات. الشعور بالإنجاز الذي يمكن تحقيقه كلّ يوم في ظل الانكسار والإحباط المستمرين نظرًا للظروف الراهنة، التغلب على الوحدة من خلال مشاركة الوصفة والوجبة مع الأعضاء المهتمين وانتظار نصائحهم والرد عليها، الرغبة في حفظ وتوثيق التراث لحمايته من الضياع والنسيان، إذ نمر اليوم بمرحلة تشهد تبديل الكثير من المكوّنات الأصلية لأكلات تقليديّة بمكونات بديلة ستستعملها الأجيال القادمة ربما، وقد تفقد الصِّلة الوثيقة بالطبق الأصلي، كما رغبة المشاركين في التواصل ومعرفة المزيد عن ثقافات البلدان التي يقيمون الآن فيها، كالعادات الغذائيّة والوصفات وقصصها. ناهيك عن الفضول الذي يدفع سوريّا مقيمًا في سويسرا مثلًا إلى معرفة ماذا يأكل السّوريّ الآخر في غانا على سبيل المثال، ثم أخيرًا الرغبة في التواصل واستعادة الحياة الطبيعيّة، بالرغم من صعوبات اللجوء والمآسي والحرب الدائرة والحصار، فالمجموعة تضم سوريين في الداخل والخارج على السواء ومن جميع المشارب والآراء".