بحضورٍ نوعيّ وإعلامي مميز، تمَّ، قبل أيام، في مدريد في صالة بالباو الشهيرة، تقديم العرض الافتتاحي الأول للفيلم الوثائقي المرشح لجائزة "غويا” الإسبانية، ولجائزة مهرجان "كان" السينمائي، "مولود في سورية" Nacido en Siria. الفيلم وثائقي طويل من إنتاج إسباني خاص، ومن إخراج المخرج الأرجنتيني المعروف، والذي يقيم في إسبانيا، إرنان زين، والذي كان قد أخرج منذ سنتين الفيلم الوثائقي الحاصل على عدة جوائز "مولود في غزة".
في فيلم "مولود في سورية"، الأمر كما هو في الحقيقة، يرحل السوريون بما تبقّى من عائلاتهم ومن أحلامهم، يرحلون عن حياتهم مسرعين هاربين من الموت النازل من سماء حنّطتها الطائرات الروسية، وطائرات النظام السوري، هاربين من الموت الذي يجعل شرفاتهم تهوي على ظلّها، وعلى ألعاب تتمسّك بأيدي أطفال ذهبوا للعب في المقبرة، وهاربين من الرايات السوداء التي لم تعرفها أبداً قبل بلاد الفنيقيين بزجاجهم وألوانهم التي أوصلوها لكل العالم، هاربين من الرؤوس المقطوعة، ومن رعب السجون والتعذيب.
والمخرج، إرنان زين، هو الإنسان الذي لم يستطع تحمُّل الشعور بالوقوف على الحياد أمام أكبر كارثة إنسانية يشهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية. أمام هذا الحجم من العنف والقتل والتهجير من نظام لأهل بلده. وفي هذا الزمن الذي تصل فيه اللحظة طازجة لكل أماكن العالم عبر وسائل الإعلام. ومع هذا، فإن هذا العالم يصمت أمام أكبر مذبحة في التاريخ المعاصر كأنه عالم أعمى وأصم وأخرس. لذلك، فقد قرَّر إرنان القيام بهذا العمل التوثيقي الجبار. قال إرنان قبل بداية العرض الذي شاهده المئات، بأنه لم يكن يتوقَّع معايشة كل هذا الألم الذي عاناه مع طاقم الفيلم أثناء التصوير، وكم مرَّة ركضَت دموعه من سجنها ضاربة وقاره بعرض الحائط.
كما أنه اعترف بأنَّه تفاجأ جداً بحجم الحضارة والمدنية التي يحملها هذا الشعب، والتي حملها معه برغم تغريبته هذه، ووزعها أينما وجد. فقد دخل بيوت وحياة السوريين لمدة سنة كاملة كما يقول، وقد رأى شعباً جميلاً ناجحاً يحب العمل ويحترمه ويحب الحياة. حاول أن يوصل الظلم الذي ظلمه كل إنسان في هذا العالم لكل طفل سوري، ظلمه وهو يعرف بأنه ظلمه، حين صمت عن قتله وتشريده وتشتيته لأكثر من خمس سنوات، مثلما ظلم الشعب الفلسطيني.
وكعادته، فإن إيرنان زين، أيضاً، يحاول دائماً أن يقدم الفيلم الوثائقي على لسان مجموعة أطفال، كان قد رافق كل مسيرتهم مع عائلاتهم لمدة سنة كاملة هو وكامل طاقم الفيلم، كي يستطيع أن يقدم، كما يقول، فيلماً حقيقياً من لحم ودم. والطفل عند إرنان هو أكثر وأوجع وأصدق الناس في الكلام عن ما مر به، بعين لم تشوهها بعد الإيديولوجيا، وبقلب لم يحجّره بعد الخوف.
يرحل السوريون وتصبح تغريبتهم هذه جلجة هذا القرن، وتصبح أيضاً الصورة اليومية الموجعة التي اعتادتها كل شاشات العالم، والتي بدأت السينما أيضاً باستغلالها وعرضها ولتصبح تغريبتهم هذه بكل وجعها العميق صيادة الجوائز الأوروبية الماهرة.
فيلم "مولود في سورية" هو وثيقة سياسية وإنسانية وتاريخية عن مأساة شعب لم يجبر على اللجوء لأسباب إنسانيّة فقط، كما يسوق الإعلام الغربي والأوروبي ذلك دوماً، بل خرج هرباً من أزمة سياسيّة فاقمها بالدرجة الأولى نظام بشار الأسد.
اقــرأ أيضاً
في فيلم "مولود في سورية"، الأمر كما هو في الحقيقة، يرحل السوريون بما تبقّى من عائلاتهم ومن أحلامهم، يرحلون عن حياتهم مسرعين هاربين من الموت النازل من سماء حنّطتها الطائرات الروسية، وطائرات النظام السوري، هاربين من الموت الذي يجعل شرفاتهم تهوي على ظلّها، وعلى ألعاب تتمسّك بأيدي أطفال ذهبوا للعب في المقبرة، وهاربين من الرايات السوداء التي لم تعرفها أبداً قبل بلاد الفنيقيين بزجاجهم وألوانهم التي أوصلوها لكل العالم، هاربين من الرؤوس المقطوعة، ومن رعب السجون والتعذيب.
والمخرج، إرنان زين، هو الإنسان الذي لم يستطع تحمُّل الشعور بالوقوف على الحياد أمام أكبر كارثة إنسانية يشهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية. أمام هذا الحجم من العنف والقتل والتهجير من نظام لأهل بلده. وفي هذا الزمن الذي تصل فيه اللحظة طازجة لكل أماكن العالم عبر وسائل الإعلام. ومع هذا، فإن هذا العالم يصمت أمام أكبر مذبحة في التاريخ المعاصر كأنه عالم أعمى وأصم وأخرس. لذلك، فقد قرَّر إرنان القيام بهذا العمل التوثيقي الجبار. قال إرنان قبل بداية العرض الذي شاهده المئات، بأنه لم يكن يتوقَّع معايشة كل هذا الألم الذي عاناه مع طاقم الفيلم أثناء التصوير، وكم مرَّة ركضَت دموعه من سجنها ضاربة وقاره بعرض الحائط.
كما أنه اعترف بأنَّه تفاجأ جداً بحجم الحضارة والمدنية التي يحملها هذا الشعب، والتي حملها معه برغم تغريبته هذه، ووزعها أينما وجد. فقد دخل بيوت وحياة السوريين لمدة سنة كاملة كما يقول، وقد رأى شعباً جميلاً ناجحاً يحب العمل ويحترمه ويحب الحياة. حاول أن يوصل الظلم الذي ظلمه كل إنسان في هذا العالم لكل طفل سوري، ظلمه وهو يعرف بأنه ظلمه، حين صمت عن قتله وتشريده وتشتيته لأكثر من خمس سنوات، مثلما ظلم الشعب الفلسطيني.
وكعادته، فإن إيرنان زين، أيضاً، يحاول دائماً أن يقدم الفيلم الوثائقي على لسان مجموعة أطفال، كان قد رافق كل مسيرتهم مع عائلاتهم لمدة سنة كاملة هو وكامل طاقم الفيلم، كي يستطيع أن يقدم، كما يقول، فيلماً حقيقياً من لحم ودم. والطفل عند إرنان هو أكثر وأوجع وأصدق الناس في الكلام عن ما مر به، بعين لم تشوهها بعد الإيديولوجيا، وبقلب لم يحجّره بعد الخوف.
يرحل السوريون وتصبح تغريبتهم هذه جلجة هذا القرن، وتصبح أيضاً الصورة اليومية الموجعة التي اعتادتها كل شاشات العالم، والتي بدأت السينما أيضاً باستغلالها وعرضها ولتصبح تغريبتهم هذه بكل وجعها العميق صيادة الجوائز الأوروبية الماهرة.
فيلم "مولود في سورية" هو وثيقة سياسية وإنسانية وتاريخية عن مأساة شعب لم يجبر على اللجوء لأسباب إنسانيّة فقط، كما يسوق الإعلام الغربي والأوروبي ذلك دوماً، بل خرج هرباً من أزمة سياسيّة فاقمها بالدرجة الأولى نظام بشار الأسد.