24 أكتوبر 2024
"نداء تونس".. أزمة حزب أم نظام سياسي؟
يلاحظ المتابع لتطورات المشهد السياسي في تونس ما بعد الثورة، من دون عناء، حالة الهشاشة التي تعانيها الأحزاب السياسية، بنية وممارسة، حيث يمكن معاينة حالة غير مستقرة للعمل السياسي، تجعل الأحزاب تبدو في حالة وسيطة بين الجمعية ودون الحزب، وقد يكون من الممكن تفسير هذه الحالة بالوضع الانتقالي العام الذي تمر به البلاد، غير أنه، وبصورة عامة، لا يمكن التغاضي عما يمكن أن تسببه حالة الضعف الحزبي من أضرار على بنية المجتمع السياسي، وعلى أداء الدولة، خصوصاً إذا كان الحزب المعني بالدراسة هو من يتولى السلطة في البلاد اليوم، ويدير الشأن العام.
ومن المعروف في الفكر السياسي أن ثمة علاقة تلازمية بين بناء الأحزاب وحركيتها (ديناميكيتها الداخلية)، ومن ثم نجاعة مخرجاتها في الأداء والقدرة على التسيير. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن حزب نداء تونس لم ينشأ بصورة طبيعية، فهو يتماهى مع صورة الجماعات الضاغطة، أكثر مما هو حزب سياسي بالمعنى الدقيق. فإذا كان الحزب يحمل مدلولات تنظيمية وإيديولوجية ووظيفية، وهو ما يجعله مختلفاً عن النقابات والجمعيات والجماعات الضاغطة، فإن الشروط الأساسية لمفهوم الحزب لا تتوفر في حزب نداء تونس (وربما في غالبية الأحزاب التونسية الناشئة بعد الثورة، وهو ما يفسر سرعة تفككها وعجزها عن إدارة الاختلاف، وتصريف أزماتها الداخلية). فقد ظهر الحزب ضمن معادلات سياسية معينة، بعد صعود الإسلام السياسي وحلفائه إلى الحكم، بعد انتخابات 2011، ما أثار رغبة لدى قوى مختلفة وأصحاب مصالح ورجال أعمال وقوى إعلامية نافذة الى الدفع نحو تأسيس قوة حزبية قادرة على إطاحة خصم سياسي. ولكن، من دون التفكير في طبيعة هذا الحزب (غياب رؤية فكرية) ولا طرق عمله وبنيته (غياب قانون أساسي) أو حتى غاياته وأهدافه (إذا استثنينا الوصول إلى السلطة، لم تكن قيادة الحزب تعي ما الذي ستقدمه للناس).
تشكل حزب نداء تونس من تجمع غير متجانس لشخصيات سياسية ورجال أعمال وأصحاب مصالح متضاربة حول شخص الباجي قائد السبسي، الأمر الذي جعله يفتقد إلى الاستمرارية التنظيمية اللازمة لكل حزب سياسي حقيقي، ما يمكن تلمس آثاره منذ وصول السبسي إلى رئاسة الجمهورية، وتخليه عن رئاسة الحزب، استجابة للمقتضيات الدستورية التي تمنع الجمع بين رئاسة حزب ورئاسة الدولة، فالمواقع الأساسية في الحزب، ونعني بها رئاسة الحزب
والأمانة العامة، ظلت محل تجاذب وعدم توافق. وفي المقابل، تحولت الهيئات القيادية للحزب، ونعني بها الهيئة التأسيسية والمكتب التنفيذي، إلى مواقع للصراع الحاد بين شقين، جناح محسن مرزوق وجناح حافظ السبسي، وامتداد الشرخ العمودي إلى الكتلة النيابية للحزب، وإعلان 32 نائبا عن تجميد عضويتهم في الكتلة البرلمانية ل "نداء تونس" وتهديدهم بالانفصال عنها.
وكشفت التطورات التي شهدها الحزب، أخيراً، عن جملة من التوصيفات الأساسية، أهمها افتقاد هذا الكيان إلى بنية حزبية واضحة، أو أدوات فعلية لحل الخلافات، وما حدث من تبادل للعنف بين منتسبي "نداء تونس"، في اجتماع 01 /11 /2015، يظهر أن إمكانية التعايش بين الجناحين المتصارعين أصبحت صعبة، في غياب عامل الثقة بين الطرفين، وتبادل الاتهامات القاسية بينهما في وسائل الإعلام. وإن حالة الفوضى التي يعرفها النداء هي نتاج لغياب العقلانية السياسية في الممارسة الحزبية في تونس، فالحزب محكوم بأقلية تتصارع على المواقع، من دون تصور واضح لأهداف العملية السياسية التي هم بصددها. ولأن الرؤية المشتركة تشكل أساس التناغم بين أعضاء الحزب الواحد، وغياب هذه الرؤية أفضى إلى تفكك الحزب وحصول تشققات وصراعات بين مجموعات المصالح النافذة فيه، بعيدا عن محاولة بعضهم تحميل قوى من خارج الحزب مسؤولية ما يشهده من فوضى واضطراب. ومن جهة أخرى، لا يفسر العامل الإيديولوجي حالة الانشقاق في "نداء تونس"، فالمسألة تدور حول مصالح وغنائم، قبل أن تكون نتيجة اختلاف في الرؤى والتوجهات، ولعل هذا ما يفسر تمسك كل طرف بالحزب علامة مسجلة، يمكن أن تجلب مكاسب لمن سيستأثر بها.
قد تكون وضعية الصراع الحالي في "نداء تونس" الفرصة المناسبة لبعض القوى السياسية لاستعادة مواقعها، وبناء قاعدة ناخبة في ظل تبدل المزاج الشعبي العام لدى الذين صوّتوا لحزب النداء، وراهنوا على شعاراته الكثيرة، غير أن ما يثير الانتباه أن القوى الحزبية التونسية الأخرى تعاني من حالة شلل فعلي في النشاط وغياب القدرات التنظيمية والتواصلية مع الجماهير الشعبية، وهو ما سيكون له انعكاساته على الانتخابات المقبلة، والتي قد تشهد حالة جزئية من العزوف الانتخابي، وربما يكون الوضع مهيئاً لكي تهيمن القوة الأكثر انتشاراً وتنظيماً (وستكون حركة النهضة القوة الأكثر ترجيحاً ربما في حصد النسبة الأكبر من المشهد الانتخابي)، أو أن تتمكن القوى المتقاربة فكرياً وسياسياً من تجاوز خلافاتها، وبناء تحالفات قوية، تمكنها من فرض حضورها انتخابيا.
أزمة "نداء تونس" بأبعادها المختلفة، في جوهرها، تعبير عن أزمة النظام السياسي التونسي، المتوارثة منذ أيام حكم الحزب الواحد، حيث ما زالت الفعاليات السياسية في حالة انعدام التوازن، الأمر الذي مكّن لحزب مصطنع، مثل "نداء تونس" من الصعود إلى الحكم في بضعة أشهر، وبشكل غير طبيعي، وربما نجد أنفسنا مستقبلاً أمام قوة أخرى، يتم اصطناعها على عجل من أجل الوصول إلى الحكم، في صورة ما إذا عجزت القوى الحزبية ذات الرؤى والتاريخ من تدارك وضعها، وتقديم ما يقنع الناخب التونسي في الأيام المقبلة.
ومن المعروف في الفكر السياسي أن ثمة علاقة تلازمية بين بناء الأحزاب وحركيتها (ديناميكيتها الداخلية)، ومن ثم نجاعة مخرجاتها في الأداء والقدرة على التسيير. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن حزب نداء تونس لم ينشأ بصورة طبيعية، فهو يتماهى مع صورة الجماعات الضاغطة، أكثر مما هو حزب سياسي بالمعنى الدقيق. فإذا كان الحزب يحمل مدلولات تنظيمية وإيديولوجية ووظيفية، وهو ما يجعله مختلفاً عن النقابات والجمعيات والجماعات الضاغطة، فإن الشروط الأساسية لمفهوم الحزب لا تتوفر في حزب نداء تونس (وربما في غالبية الأحزاب التونسية الناشئة بعد الثورة، وهو ما يفسر سرعة تفككها وعجزها عن إدارة الاختلاف، وتصريف أزماتها الداخلية). فقد ظهر الحزب ضمن معادلات سياسية معينة، بعد صعود الإسلام السياسي وحلفائه إلى الحكم، بعد انتخابات 2011، ما أثار رغبة لدى قوى مختلفة وأصحاب مصالح ورجال أعمال وقوى إعلامية نافذة الى الدفع نحو تأسيس قوة حزبية قادرة على إطاحة خصم سياسي. ولكن، من دون التفكير في طبيعة هذا الحزب (غياب رؤية فكرية) ولا طرق عمله وبنيته (غياب قانون أساسي) أو حتى غاياته وأهدافه (إذا استثنينا الوصول إلى السلطة، لم تكن قيادة الحزب تعي ما الذي ستقدمه للناس).
تشكل حزب نداء تونس من تجمع غير متجانس لشخصيات سياسية ورجال أعمال وأصحاب مصالح متضاربة حول شخص الباجي قائد السبسي، الأمر الذي جعله يفتقد إلى الاستمرارية التنظيمية اللازمة لكل حزب سياسي حقيقي، ما يمكن تلمس آثاره منذ وصول السبسي إلى رئاسة الجمهورية، وتخليه عن رئاسة الحزب، استجابة للمقتضيات الدستورية التي تمنع الجمع بين رئاسة حزب ورئاسة الدولة، فالمواقع الأساسية في الحزب، ونعني بها رئاسة الحزب
وكشفت التطورات التي شهدها الحزب، أخيراً، عن جملة من التوصيفات الأساسية، أهمها افتقاد هذا الكيان إلى بنية حزبية واضحة، أو أدوات فعلية لحل الخلافات، وما حدث من تبادل للعنف بين منتسبي "نداء تونس"، في اجتماع 01 /11 /2015، يظهر أن إمكانية التعايش بين الجناحين المتصارعين أصبحت صعبة، في غياب عامل الثقة بين الطرفين، وتبادل الاتهامات القاسية بينهما في وسائل الإعلام. وإن حالة الفوضى التي يعرفها النداء هي نتاج لغياب العقلانية السياسية في الممارسة الحزبية في تونس، فالحزب محكوم بأقلية تتصارع على المواقع، من دون تصور واضح لأهداف العملية السياسية التي هم بصددها. ولأن الرؤية المشتركة تشكل أساس التناغم بين أعضاء الحزب الواحد، وغياب هذه الرؤية أفضى إلى تفكك الحزب وحصول تشققات وصراعات بين مجموعات المصالح النافذة فيه، بعيدا عن محاولة بعضهم تحميل قوى من خارج الحزب مسؤولية ما يشهده من فوضى واضطراب. ومن جهة أخرى، لا يفسر العامل الإيديولوجي حالة الانشقاق في "نداء تونس"، فالمسألة تدور حول مصالح وغنائم، قبل أن تكون نتيجة اختلاف في الرؤى والتوجهات، ولعل هذا ما يفسر تمسك كل طرف بالحزب علامة مسجلة، يمكن أن تجلب مكاسب لمن سيستأثر بها.
قد تكون وضعية الصراع الحالي في "نداء تونس" الفرصة المناسبة لبعض القوى السياسية لاستعادة مواقعها، وبناء قاعدة ناخبة في ظل تبدل المزاج الشعبي العام لدى الذين صوّتوا لحزب النداء، وراهنوا على شعاراته الكثيرة، غير أن ما يثير الانتباه أن القوى الحزبية التونسية الأخرى تعاني من حالة شلل فعلي في النشاط وغياب القدرات التنظيمية والتواصلية مع الجماهير الشعبية، وهو ما سيكون له انعكاساته على الانتخابات المقبلة، والتي قد تشهد حالة جزئية من العزوف الانتخابي، وربما يكون الوضع مهيئاً لكي تهيمن القوة الأكثر انتشاراً وتنظيماً (وستكون حركة النهضة القوة الأكثر ترجيحاً ربما في حصد النسبة الأكبر من المشهد الانتخابي)، أو أن تتمكن القوى المتقاربة فكرياً وسياسياً من تجاوز خلافاتها، وبناء تحالفات قوية، تمكنها من فرض حضورها انتخابيا.
أزمة "نداء تونس" بأبعادها المختلفة، في جوهرها، تعبير عن أزمة النظام السياسي التونسي، المتوارثة منذ أيام حكم الحزب الواحد، حيث ما زالت الفعاليات السياسية في حالة انعدام التوازن، الأمر الذي مكّن لحزب مصطنع، مثل "نداء تونس" من الصعود إلى الحكم في بضعة أشهر، وبشكل غير طبيعي، وربما نجد أنفسنا مستقبلاً أمام قوة أخرى، يتم اصطناعها على عجل من أجل الوصول إلى الحكم، في صورة ما إذا عجزت القوى الحزبية ذات الرؤى والتاريخ من تدارك وضعها، وتقديم ما يقنع الناخب التونسي في الأيام المقبلة.