تبدو الفرصة المتاحة اليوم أمام إيران، للتوصّل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي مع السداسيّة الدوليّة، "الأفضل منذ سنوات"، لتسوية قضيّة "تُعتبر مصدر قلق كبير للمجتمع الدولي"، على حدّ وصف المتحدّثة باسم وزارة الخارجية البريطانيّة، فرح دخل الله. وعلى الرغم من تأكيدها لـ"العربي الجديد"، أنّ "المجتمع الدولي لن يعقد اتفاقاً مع إيران بأيّ ثمن، ولا بدّ من أن يوفّر الاتفاق النهائي ضمانات كافية، بأنّ إيران لن تتمكّن من صناعة سلاح نووي"، لكنّ حراك وزير الخارجيّة الإيرانيّ محمد جواد ظريف، الذي انتقل اليوم الجمعة من فيينا إلى طهران، يوحي بإمكانيّة أن تحقّق مفاوضات اللحظات الأخيرة، خرقاً إيجابياً.
وكانت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، أفادت اليوم بأن عودة ظريف إلى طهران مخصّصة "للتشاور مع المسؤولين هناك"، علماً أنه كان قد التقى نظيره الأميركي جون كيري، لمرتين في فيينا، حيث تُعقد جولة محادثات جديدة بين طهران والسداسية الدولية، بحضور ممثلة الاتّحاد الاوروبي كاثرين آشتون. وكان مقرراً أن يلتقي ظريف قبل مغادرة فيينا اليوم وفق وكالة "إرنا"، كلاً من وزيري الخارجيّة الفرنسيّة، لوران فابيوس، والبريطانيّة فيليب هاموند.
وفي سياق متّصل، توضح دخل الله أنّ المواقف بين السداسية الدولية وإيران "ما زالت متباعدة، على الرغم من التقدّم الطفيف الذي أحرزته الجولات الأخيرة من المفاوضات". وتشدّد على أنّ "الاتفاق لن يكون ممكناً، إلا حين توافق طهران على الالتزام بقيود جديّة على برنامجها النووي، مشيرة إلى أنّ "مفاعل "اراك"، الذي يعمل بالمياه الثقيلة والواقع على بعد 240 كلم جنوب غربي طهران، هو أحد نقاط التعثّر في المفاوضات النوويّة مع مجموعة 5+1".
وترى الدول الغربيّة في استخدام المياه الثقيلة في مفاعل "آراك"، انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن الدولي، كما يثير تصميم هذه المنشاة شكوك الدول الغربيّة في إمكانيّة استخدامه لانتاج مواد لأغراض عسكريّة.
وفي وقت تطالب فيه إيران برفع العقوبات الدوليّة عنها بشكل تام وليس على مراحل، توضح دخل الله، في تصريحاتها لـ"العربي الجديد"، أنّ عقوبات الأمم المتحدة تشكّل صميم الجهود الدوليّة لمكافحة انتشار الأسلحة النووية، ورفع العقوبات المفروضة على إيران لن يكون ممكناً إلا بعد أن تبرهن أنّ برنامجها مخصص للأغراض السلميّة. في المقابل، ستكون مجموعة (5+1) مستعدة للموافقة على تخفيف كبير ومبكر للعقوبات المفروضة على إيران. ومع مرور الوقت، وبعد استعادة الثقة الدوليّة، سوف تُرفع كافة العقوبات النووية عن إيران.
وتؤكّد الناطقة باسم الخارجيّة البريطانيّة أن تنفيذ الجزء الأكبر من العقوبات الأوروبيّة والأميركيّة المفروضة على إيران، بما فيها العقوبات النفطيّة والماليّة الأساسيّة، سوف يستمر بشكل صارم إلى أن يتمّ التوصل إلى تسوية شاملة مع إيران.
ويبدو أنّه ثمّة حاجة أيضاً لتسوية أمور أخرى مع إيران، وفق ما توضحه دخل الله، من بينها "تحويل استخدام مرافق أراك والتسوية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن البعد العسكري المحتمل لبرنامجها". وتشير إلى أنّه "من بين العروض المطروحة أمام إيران تخفيف كبير للعقوبات ضدّها، بما في ذلك الإفراج عن كافة عائداتها المجمّدة في الخارج وتوفير الفرص التجاريّة لها إذا كانت مستعدة لتسوية هذه المسائل، لكن يبقى من غير الممكن التوصل إلى اتفاق، إن لم تكن مستعدة لذلك".
وتبذل الدبلوماسيّة البريطانيّة، وفق المتحدّثة باسم "الخارجيّة"، "جهوداً كبيرة من خلال العمل مع الأطراف الدوليّة لسدّ الفجوات، في هذه العملية الصعبة للغاية والمليئة بالتحدّيات"، موضحة أنّ "اجتماعات وزير الخارجية البريطاني مع كل من نظيريه الأميركي والإيراني، والشركاء الأوروبيين الآخرين لبحث وضع المفاوضات ومعرفة إمكانيات التحرك قُدُماً، تندرج في هذا السياق".
وكان وزير الخارجية البريطاني، قال اليوم عند وصوله إلى فيينا، إنّ "ما ستكسبه إيران سيكون كثيرا جداً، من قبيل الحصول على مبالغ ضخمة من الأرصدة المجمّدة، والتبادل التجاري بحريّة مع العالم مجدداً، وامكانيّة تحسين العلاقات مع المجموعة الدوليّة".
وتأتي تصريحات هاموند الأخيرة، بعد إعلانه من لندن، أنّه "غير متفائل بإمكانيّة الانتهاء، يوم الاثنين"، لكنّه قال إنّه "في حال تمكّنا من انجاز بعض الخطوات الاساسية، قد نجد السبيل لإرجاء هذا التاريخ المحدد للتوصّل إلى اتفاق نهائي، في حال أنجزنا تقدماً في الاتّجاه الصحيح".
من جهته، استبعد كيري أمس الخميس تمديد المفاوضات مع إيران بعد الرابع والعشرين من الشهر الجاري، وهو الموعد الذي حدّدته الدول المشاركة في المفاوضات كموعد نهائي لإنجاز اتفاق نهائي مع إيران.
وفي سياق متّصل، تنوّه دخل الله بأنّ التوصل لاتفاق نهائي مع إيران يصبّ في صالح جميع الأطراف، وخصوصاً أنّ "منطقة الشرق الأوسط التي تمرّ بأوضاع صعبة ومعقّدة بحاجة إلى مثل هذا التوافق الدولي". وتقول إنّ "الاتفاق سيفتح لها آفاقاً جديدة وفرصاً هائلة لتنمية اقتصادها وتدشين عهد جديد من الانفتاح والتواصل مع المجتمع الدولي". وتذكّر بأنّه "معروض على إيران أيضاً إلغاء كافة العقوبات إن كانت راغبة ومستعدة لاتخاذ الخطوات اللازمة"، محذّرة من أنّ "الوقت يمرّ بسرعة، وعلى إيران انتهاز الفرصة لتحقيق اتفاق يسمح لها بامتلاك برنامج نووي سلمي".
يُذكر أن كيري ونظيره الفرنسي لوران فابيوس غادرا بدورهما إلى باريس لإجراء مباحثات ثنائية حول "النووي الإيراني".