يطمح العراق، منذ إعلانه تحرير كامل أراضيه من سيطرة تنظيم "داعش" عام 2017، إلى تنشيط الفعاليات الثقافية والسياحية، واستعادة آثاره التي هُرّبت وسُرقت. وبالرغم من سيطرة المليشيات والفصائل المسلحة على القرار الأمني في البلاد، إلا أن البعثات الأجنبية تواصل عملها من أجل التنقيب في المواقع الأثرية.
واستأنفت البعثة الأثرية الفرنسية في لارسا (عاصمة بلاد ما بين النهرين قبل بابل) عملها بعد 30 عاماً من الانقطاع، بحسب إعلان تركته على حسابها في "تويتر"، وأضافت أنها توصلت إلى "نتائج استثنائية تكشف عن شبكة من القنوات الكبيرة وجسر وميناء، وتنقيبات عن مساكن ومعبد كبير، إضافة إلى لوحات طينية تعود إلى ﺍﻟﻌﺼﺭ ﺍﻟﺒﺎﺒﻠﻲ ﺍﻟﻘﺩﻴﻡ".
وبشأن البعثة الفرنسية التي باشرت عملها في العراق، أكد مدير دائرة العلاقات الثقافية العامة في وزارة الثقافة والسياحة العراقية، فلاح العاني، أن "عمل الفرنسيين في مجال التنقيب في العراق مهم جداً، ولدينا مجالات للتعاون وعلاقة تنقيبية لافتة بين الطرفين، تمتد إلى منتصف القرن الثامن عشر الماضي، حيث كانت فرنسا تمتلك قنصليتين مختصتين بشؤون الآثار في البلاد، واحدة في البصرة، والأخرى في الموصل"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "فرنسا لديها مبادرات خيّرة كثيرة مع العراق، ومع البلدان التي عصفت بها النزاعات المسلحة، من خلال جمع التبرعات الدولية، ولعل "صندوق أليف" كان له دور كبير في مساعدة متحف مدينة الموصل".
وعن الأجواء العراقية وما إن كانت تساعد على استمرار عمل البعثات الأجنبية في البلاد، يشير إلى أن "الصلة التي تجمع الآثاري بالمواقع التاريخية هي علاقة شغف واستكشاف، وبالتالي فإن العاملين الأجانب في هذا القطاع لديهم شيء من الاهتمام إلى درجة مواجهة التحديات، مع أن حكوماتهم وسفاراتهم تخشى على حياتهم، لكن هناك ولعاً كبيراً بمعرفة الكنوز التاريخية في العراق من قبلهم".
وتسببت جائحة "كورونا" بتجميد عمليات التنقيب عن الآثار بشكل كامل في عموم مناطق البلاد بعد مغادرة بعثات التنقيب الأجنبية، بحسب الآثاري العراقي والوزير السابق عبد الأمير الحمداني. يقول الأخير في حديث إلى "العربي الجديد" إن "الكثير من البعثات الأجنبية توقفت أعمالها في محافظات البلاد، بما في ذلك إقليم كردستان بسبب انتشار كورونا"، مشيراً إلى أن "هناك بعثات سيتأثر وصولها إلى العراق، من أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا للعمل في مواقع في محافظات ذي قار والبصرة والنجف وواسط والديوانية والموصل".
من جانبه، قال الناشط الآثاري وعضو جمعية "حماة دجلة"، إن "العراق يحتوي على عشرات المواقع غير المكتشفة والمهملة، التي باتت عرضة للسرقة والنهب والتنقيب غير القانوني، وهذا الإخفاق يقع على عاتق الحكومة العراقية التي لا تعتمد على الفرق الشابة والخريجين المدربين على التنقيب وزجهم في ميادين البحث، بل إنها تهمل هذا الدور وتعلل عدم التنقيب بعدم توفر التخصيصات المالية".
ويوضح أن "مليشيات وعصابات تتاجر بالآثار محمية من قبل أحزاب وكيانات سياسية مشاركة بالحكومة العراقية، تهدد البعثات الأجنبية وتعمل على تخويفها وإبعادها عن العراق، وتسبب هذا الأمر بتحويل العراق إلى بيئة طاردة للبعثات الأجنبية والفرق البحثية والاستكشافية، وبالتالي لا بد من توفير الحماية الكافية للبعثات من أجل ضمان استمرار عملها".
تعرّضت آثار العراق لعمليات نهب وتدمير بعد الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، عدّها خبراء بأنها الأسوأ في التاريخ الحديث، إلا أن العراق نجح خلال السنوات الماضية في استعادة آلاف القطع المهرّبة من خلال جهود وزارة الثقافة العراقية.
وبحسب مسؤولين عراقيين، فإن بلاد الرافدين تضم أكثر من 15 ألف موقع أثري، غالبيتها لم تجر عليها أي عمليات تنقيب، وأبرزها بابل وآشور وأور والنمرود وسامراء والأنبار ومواقع أخرى، وذلك بسبب تردي الوضع الأمني وزيادة سطوة المليشيات على الأرض، وهو ما يمنع البعثات الأجنبية من الوصول إلى العراق والعمل على إجراء التنقيب.