يستمر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، منذ 45 يوماً. وطوال هذه الفترة، تتابع الصحافة الروسية تطورات الأحداث، لتعكس وجهات نظر مختلفة، بل متضاربة، خصوصاً في ما يتعلق بقصف الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة، وسقوط ضحايا كثر من المدنيين.
كتب الصحافي الروسي الإسرائيلي، فلاديمير بيدير، في صحيفة "كوميرسانت" الروسية، عن أن الحرب بدأت بسبب اختطاف الفتيان الإسرائيليين الثلاثة وقتلهم، وهذا ما دفع إسرائيل إلى القيام بعمليات دهم واعتقال واسعة وسط الفلسطينيين، وبالتوازي مع ذلك، قام جماعة من اليهود "غير البشر" (وفقاً لتعبير بيدير)، بقتل فتى عربي، ما أدى إلى تصعيد مضاد من الطرف الفلسطيني.
وعلى العموم، يرى بيدير أن ذلك لم يكن سبباً بمقدار ما شكل ذريعة للحرب، "فالتصعيد من قبل (حماس) كان مخططاً له أن يتم في أغسطس/ آب، وتوافرت الذريعة".
ويفترض هذا الكاتب، الذي يعيش في إسرائيل، أن سبب تفعيل "حماس" لعملياتها يعود إلى تراجع وضعها الناجم عن تردي علاقاتها مع إيران الممتعضة من قتال الحركة ضد النظام السوري، وموقفها في مصر، إذ إن السلطات المصرية لا تدخر جهداً في مواجهة التقارب بين "حماس" وجماعة "الاخوان المسلمين" في مصر.
وفي مثل هذه الظروف، كما يرى بيدير، كان إشعال حرب هو المخرج الوحيد لـ"حماس" كي تحسّن مواقعها. وأضاف، معللاً رأيه، أنه "سيكون هناك ضحايا، وخصوصاً بين السكان المدنيين، ويكون هناك دماراً ومساعدات دولية لإعادة الإعمار".
ويتهم بيدير "حماس" بأن مقاتليها يضعون، عن سابق قصد، سكان غزة المدنيين تحت مرمى نيران الجنود الإسرائيليين، لحدوث قتل جماعي من أجل أن يدين المجتمع الدولي إسرائيل.
وكذلك يبدي بيدير "امتعاضه من قبول الحكومة الإسرائيلية وقف إطلاق النار، ويعد ذلك بادرة ضعف أمام (الإرهابيين)".
في المقابل، عبّر الكاتب الصحافي الروسي، ألكسندر بروخانوف، عن وجهة نظر مغايرة، في صحيفة "إزفيستيا" الروسية، إذ قارن بين حال غزة وحال دونباس في أوكرانيا. فهو يرى أن المنطقتين تتعرضان لعمليتين عقابيتين تفتقران إلى الرحمة ضد السكان المدنيين لا يجوز تبريرهما. وأكد أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، هاجم غزة لتدمير الأنفاق التي تصل المدينة بالعالم. لكن الفلسطينيين بنوا نفقاً لا يمكن تدميره. إنه النفق الذي يصل الشعب الفلسطيني بالمستقبل. وهذا المستقبل مضيء".
وفي صحيفة "فزغلاد" الروسية، دار جدل بين كاتبين صحافيين، لكل منهما وجهة نظر مناقضة للآخر. ففي الرابع عشر من يوليو/ تموز، نُشر عمود كتبته مايا غيلفاند، وصفت فيه المصاعب التي يعانيها الإسرائيليون نتيجة إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، وختمت عمودها بالقول: "إننا نريد أن يتوقف ذلك. نريد أن يكفوا عن كرهنا لمجرد أننا يهود". وفي اليوم التالي، كتب المحلل السياسي ميخائيل أوشيروف، رداً على ما ورد في نصها، مؤكداً "أنهم لا يكرهون الإسرائيليين بلا سبب. فإسرائيل، منذ أكثر من 47 عاماً، تحتل الأرض المخصصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة". وتابع في نصه التأكيد على أن إسرائيل انتهكت ولا تزال تنتهك حقوق السكان العرب، وتلجأ إلى اعتقالهم وتعذيبهم.
وأضاف أن "سياسة دولة إسرائيل الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني تدعو إلى الاستياء وكره إسرائيل في العالم أجمع".
من جهتها، ناقشت الكاتبة الصحافية، كسينيا سفيتلوفا، على موقع "سلون.رو"، تحت عنوان: "من أين جاءت هذه الانتفاضة الجديدة؟"، أسباب بداية موجة العنف الدامي الأخيرة بين إسرائيل وعرب فلسطين. وانتهت إلى استنتاج أن السبب في ذلك يعود إلى الحقد الأعمى. فهي تنتهي، من خلال مراجعة ما نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية والعربية حول مقتل الفتيان الإسرائيليين، ثم قتل الفتى الفلسطيني، إلى أنه لا اليهود ولا العرب أرادوا الاعتراف بذنب مواطنيهم.
وترى سفيتلوفا أن المواقع العربية كتبت، بعد مقتل الفتيان الثلاثة، أن قتلهم عمل استفزازي مدبّر من الأجهزة الإسرائيلية. في المقابل، رأت وسائل الإعلام الإسرائيلية في قتل الفتى الفلسطيني عملاً استفزازياً من "حماس".
واختتمت بالقول إن "لا هذه الجهة ولا تلك، مقتنعة تماماً بأنها على حق، وبنزاهتها الأخلاقية وبراءتها في الجوهر، ما يهيئ أرضاً لعمليات قتل جديدة. فالقتل دائماً يتم تحت شعارات جذابة: "حرب تحرير وطنية" من هنا، و"محاربة الإرهاب" من هناك. ويسقط المدنيون.