منذ صباح عيد الميلاد، يبدأ أطفال عائلة السيدة سامية فضايل (60 عاماً)، من مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، بإضاءة شجرة الميلاد وكافة أضواء الزينة الأخرى في شرفات المنزل، إلى أن تُطفأ في منتصف الليل، وسط فرحتهم وسعادتهم بهذا اليوم، الذي يفرح فيه الجميع، كبارا وصغارا، ويتم توزيع الهدايا على الجميع.
وتشرع العائلات والمؤسسات الفلسطينية، قبل عدة أسابيع من عيد الميلاد، في تزيين منازلها بالأضواء وشجرة الميلاد، والكنائس كذلك. أما البلديات والمجالس المحلية، فتنير الشوارع والميادين العامة وتضيء شجر الميلاد فيها، بأجواء احتفالية وتنافسية، ويكون مركز تلك الاحتفالات والصلوات في كنيسة المهد بمدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية، بحضور شخصيات هامة وحجيج من خارج فلسطين.
وفي السياق، تقول السيدة سامية فضايل لـ"العربي الجديد": "أزيّن منزلي من الداخل وعلى شرفاته بحبال الزينة والغزلان المضيئة، علاوة على تزيين شجرة الميلاد بالإضاءة وأحياناً الشوكولاته وأشكال جميلة أخرى، إذ يتعمّد المسيحيون أن تكون إضاءتهم وزينتهم باللونين الأحمر (رمزا لبابا نويل) والأخضر (رمزا للحياة)".
أما الشاب منير مرتا (21 عاما)، وهو من مدينة رام الله أيضا، فقد جاء إلى دير اللاتين في رام الله للمشاركة في قداس ليلة العيد، يقول لـ"العربي الجديد"، "نحن نزيّن البيت بشجرة الميلاد وبالمجسمات الرمزية للمغارة والطفل يسوع، ونزين خارج البيت كذلك، ثم نأتي لصلاة يوم العيد، وتبدأ الطقوس الاحتفالية، فكل عائلة لها تقاليدها"، لكن أهم شيء بالنسبة لمنير هو "جمعة العيلة"، على طعام الغذاء يوم العيد.
أما الشابة محار قسيس (21 عاما) من رام الله، فقد بدأت قبل نحو 5 أسابيع في مساعدة والدتها لتجهيز زينة العيد، فشجرة الميلاد موجودة لديهم منذ سنوات، لكنهم خلال عدة سنوات يجددون زينتها، فيما تزين المغارة والأضواء منزلهم، ويحضرون كعك وبسكويت العيد وترتيبات أخرى بسيطة تظهر الفرح والأجواء السعيدة في هذا اليوم، أما الإضاءات فتبقى حتى عيد الغطاس في السادس من الشهر المقبل، كما تقول محار لـ"العربي الجديد".
وتزيّن بعض العائلات منازلها بالورود الجورية، وخاصة اللون الأحمر، وبعض الورود البيضاء، لكن هذا العام قلّ الطلب عليها، نتيجة لأجواء الانتفاضة الحالية، والأوضاع الاقتصادية، حسب توضيح توفيق الكردي لـ"العربي الجديد"، وهو بائع ورد يعمل في محل لبيع الورود والزهور في مدينة رام الله، ويشير إلى أن بعض العائلات تزين الغرف وشجر الميلاد بتلك الورود.
لا يقتصر الإقبال على تزيين المنازل على المسيحيين فقط، فبعض العائلات المسلمة تزيّن منازلها احتفالا بعيد الميلاد أيضا، وهو ما يؤكده فايق فضايل (41 عاما) صاحب محل لبيع الأدوات المنزلية والزينة في مدينة رام الله، لـ"العربي الجديد"، يشترون شجر الميلاد، وعروق خضراء، وكرات حمراء، يبيعها بمبالغ رمزية ما بين 4 و60 دولارا، رغم وجود محالات تبيع أشجارا أخرى كبيرة الحجم ومزينة قد تصل كلفتها إلى نحو 300 دولار للشجرة الواحدة.
وتشتري بعض العائلات أكثر من شجرة لمنزلها، وحبال إضاءة، ومنهم من يشتري الزينة فقط ويحتفظ بالشجرة منذ سنوات سابقة، وهو بحسب كل عائلة. ويتذكر فضايل أن زينة منزله كلّفته نحو ألف دولار في أول سنة من زواجه قبل عدة سنوات، وفي كل سنة ينصِب الشجرة لزوجته ثم تتفنن هي في تزيين المنزل.
يستورد التاجر فضايل زينة وأشجار الميلاد من الصين، فكلفتها مقبولة، ويستورد كذلك دمى لبابا نويل والعائلة المقدسة، ودمى دينية، ولباسا لبابا نويل للصغار والكبار، بأسعار منافسة، ويوزع بالجملة على بعض المحلات كذلك، بأسعار مقبولة للجميع. وفي أعياد المسلمين يستورد ما يخص تلك الأعياد، فلا فرق بالنسبة له بين مسلم ومسيحي، ويؤكد أن فلسطين تمتاز بطيب العلاقة ما بين مسلميها ومسيحييها.
وفي السابق، كانت أشجار الميلاد تُجهز من شجر الصنوبر الطبيعي وليس الصناعي، ولكنها تستخدم لمرة واحدة فقط. ويقول الشاب سلطان خليل (26 عاما)، وهو من بلدة الزبابدة جنوب جنين شمال الضفة الغربية، لـ"العربي الجديد": "لم تكن شجرة الميلاد تأخذ هذا الصدى والضجة، وصرنا نهتم أكثر بالاحتفالات التي تهدف إلى جلب السياح إلى بلاد مهد المسيح، لكن العادات القديمة أجمل من هذه الأيام التي أصبح التنافس فيها ما بين دولة ودولة أو مدينة ومدينة أو قرية وقرية لزينة الأشجار، وما فيها من تكاليف".
ويتابع "الأصل أن تذهب هذه التكاليف إلى أمور أخرى أساسية أو أشخاص محتاجين، فشجرة الميلاد التي ترمز للحياة وترسم البسمة على وجوه كثير من الأطفال، ليس الهدف منها كل هذه التكاليف التي يقتطعها البعض من قوت عياله، وأنا متأكد من أن المسيح لم يكن ليعمل هذه الشجرة لو كان الهدف منها كل هذه التكاليف والتباهي".