أحداث بسيطة من أيام رضوى (3)
تقول رضوى إنه بإمكانها صنع صمغ من أشياء منزلية، ولا أحد يصدق ذلك. تقول رضوى إنها تستطيع رسم القمر، ولا أحد يهتم. تقول رضوى إنها أمسكت فرخ نسر، والكل يضحك. رضوى الفتاة الجميلة قررت الصمت، لم يكن ذاك لطيفا لأحد. لقد قررت أن ذاك هو الشيء الوحيد الحقيقي الذي فعلته في حياتها.
سألت والدتها ذات عشاء:
- أمي، ماذا يفترض أن يحصل بعد بلوغي الثامنة عشرة؟
- لا شيء ذا بال، انتظري حتى تتجاوزي العشرين. لكن في كل الأحوال ستكون الأمور طبيعية، وأنت لن تكوني استثناء.
- أهذه طمأنة يا أمي؟
- نوعا ما.
ضحكتا معا كأي عائلة تبتكر نكتها الخاصة. اختارت رضوى الأدب العربي، سألتها والدتها عن السبب فقالت:
- إنها لغة مسالمة، وأنا لا أريد أية حروب في حلقي.
- على أي حال، لطالما كنت مختلفة عني.
كانت والدة رضوى مدرسة فيزياء في مدرسة بعيدة قليلا، كانت المدرسة ثانوية لذلك كان انشغالها يتكثف أحيانا، لكن بمرور الوقت هذا لم يعد يؤثر بكلتيهما. في يوم رضوى الأول قررت أن تكون حذرة وأن تكبح جماح نفسها ما أمكن، لكنها فشلت، وفشلت في الفشل أيضا.
أنهت رضوى فصلها الجامعي الأول بمعدل عادي وأخبرت والدتها بأن مستواها لن يتحسن، وأنها ستفتح متجرا للطعام لم تحدد صنفه بعد يوما ما
ذات عشاء آخر سألت والدتها:
- أيفترض بي أن أكون عاقلة في الكلية؟
- يفترض بك أن تكوني أنت دائما.
- ماما، لم أنت حكيمة؟
ضحكت الأم وحدها.
تبتسم رضوى لنفسها في المرآة دائما، وتبتسم للورد، ولكل شيء تراه جميلا. يحصل هذا فقط حين تكون لوحدها، وحين لا يشوشها وجود أحد، وحين تنفرد بقلبها. لكنها لم تكره الناس، بل أحبت الجميع أيضا، بقدرة غير مفهومة على منح الحب وتفهم الأخطاء والدوافع وشفاء البعض من الألم، لكنها كانت مصدره أحيانا.
سألت رضوى والدتها ذات عشاء:
- هل أنا قاسية يا ماما؟
- لا أظن ذلك. أمم أظن أنك قوية.
- أمي، يبدو أن البشر يختلفون في المصطلحات فقط، لكنهم يتحدثون عن نفس الشيء.
- ربما، لكن في كل الأحوال كوني بخير.
تقول صديقة رضوى، إذ صارت لها واحدة حقيقية:
- أنت محظوظة.
- لماذا؟
- لأنك لا تملكين أبا.
- لم أفكر في إمكانية وجوده من قبل. لكن لم هذا السبب؟
- إنهم مزعجون أحيانا.
- مثلا؟
- حين يفرضون عليك أشياء لا تطيقينها.
- لكنهم جميلون.
- وكيف تعرفين؟
- لدي أمي، وهي كل أهلي، هي صموتة جدا وهذا يخيفني أحيانا. نحن مختلفتان، وفي فترات معينة كنا نتشاجر كثيرا. لكني فكرت يوما: إنها والدتي، وأقرب شخص لي. لا يمكنني أن أفقدها بسبب أشياء تافهة.
- مازلت تنزعجين بسبب تلك الأشياء التافهة؟
- نادرا، إنها أشياء لا يمكن التملص منها، جزء من الحياة.
- لم أنت حكيمة يا رضوى؟
ضحكت رضوى لوحدها.
أنهت رضوى فصلها الجامعي الأول بمعدل عادي وأخبرت والدتها بأن مستواها لن يتحسن، وأنها ستفتح متجرا للطعام لم تحدد صنفه بعد يوما ما.