"أنا زينة أنا زينة... وحدي في البساتين... أنا زينة الجميلة... أغدو في كلّ حين". وإن لم نكن ندرك معنى "أغدو في كلّ حين" في ذاك الزمن، لمّا كنّا في أولى سنيّ عمرنا، غير أنّنا كنّا نردّد أغنية شارة البداية الخاصة بمسلسل "مغامرات زينة ونحّول" ونتماهى مع النحلة الشقيّة التي ترغب في اكتشاف العالم. على مدى دقائق، كانت الحقول الملوّنة تتحوّل إلى عالم خاص بنا، نسرح فيها كيفما نشاء فنتعرّف إلى الحياة البريّة من خلال رسوم متحرّكة محبّبة.
لم نفوّت قطّ موعدنا مع زينة، وإن لم أعد أذكر إذا كان يوميّاً أم غير ذلك. وننتظر ظهورها علينا من خلال شاشة التلفاز التي لم تكن مسطّحة حينها، ونحن نغنّي "يا أحلى نحلة... زينة... تمضي في رحلة... زينة.. لا تسبقينا يا زينة". نحن كنّا ننتظرها وصديقها نحّول فنرافقهما في تنقّلاتهما ما بين الخليّة حيث نلتقي بملكة النحل وآخرين، وبين المساحات الخضراء حيث نتعرّف إلى الجندب فرفور وحشرات كثيرة.
في عامَي 1975 و1976 أُنتِج مسلسل الرسوم المتحرّكة، مع بطلَيه الصغيرَين زينة ونحّول، المستند إلى ما كتبه الأديب الألمانيّ فالديمار بونسلس في عام 1912 تحت عنوان "مغامرات النحلة مايا". يُذكر أنّ حلقات المسلسل ظلّت تُستعاد في ثمانينيّات القرن الماضي وبداية تسعينيّاته. أمّا في السنوات الأخيرة، فقد أُنتجِت نسخ عالميّة محدّثة لمغامرات النحلة الشقيّة على شكل مسلسلات وأفلام كرتونيّة غير أنّها لم تغرِ أطفال ذاك الزمن الذين ما زالوا يحفظون أغنية شارة البداية باللغة العربيّة وكذلك أصوات زينة وصديقها نحّول والجندب فرفور والمعلّمة سلمى.
ربّما كانت زينة هي التي جعلتنا نتصالح مع النحل. مَن عاش في القرى، خصوصاً، لا بدّ من أنّه اختبر لسعات تلك الحشرات وشعر بشيء من الحنق تجاهها بعد تورّم أصابه في بقعة ما من جسده واضطراره إلى استخدام فصوص الثوم لمعالجة ما خلّفته. لا شكّ في أنّ زينة هي التي جعلت تناولنا للعسل اختباراً بديعاً بعدما تابعنا معها كيفيّة إنتاجه من قبل جماعات النحل. كذلك لم تعد الجنادب تثير فزعنا، إذ إنّ فرفور الذي رافقنا في كلّ حلقات المسلسل جعلنا نتآلف مع أبناء جنسه.
قبل أيّام، في العشرين من مايو/ أيار، حلّ اليوم العالميّ للنحل الذي تحتفي به منظمّة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة. وهذا اليوم الذي أُدرج في قائمة الأيّام العالميّة قبل عامَين فقط، يهدف بحسب منظّميه إلى التوعية بالدور الأساسيّ الذي يؤدّيه النحل وسواه من الملقّحات من قبيل الطيور والخفافيش للمحافظة على سلامة البشر والكوكب. أمّا اختيار هذا التاريخ تحديداً فيأتي تكريماً للراهب السلوفينيّ أنطون يانشا الذي أبصر النور في هذا اليوم من عام 1734 والذي يُعَدّ رائداً في مجال تربية النحل الحديثة، علماً أنّ بلاده تُعَدّ متميّزة في هذا المجال الذي يُعَدّ نشاطاً مترسخاً فيها.
ثمّة مقولة بأنّه لن يتبقّى للإنسان سوى أربعة أعوام يعيشها في حال اختفى النحل من الأرض. تُنسَب هذه المقولة إلى ألبرت أينشتاين، فيما يشكّك آخرون في ذلك. ويبقى المهمّ أنّ مخاطر كثيرة تتهدّد النحل اليوم، بالتالي نجد أنفسنا في خطر وهو ما يحتّم علينا التحرّك. ربّما البداية تكون من خلال مرافقة زينة في مغامراتها من جديد، لعلّنا ننجح في تفادي كارثة محتّمة.