أحمد شافعي يقابل كلماته

27 أكتوبر 2014
+ الخط -

يملك أحمد شافعي قدرة على الهروب إلى معسكر السّرد والترجمة، فبعد أن أصدر ثلاثة دواوين شعرية، قدّم أخيراً روايته الأولى "الخالق". كما ترجم العديد من قصائد النثر الأميركية والنصوص والمقالات الأدبية.

ورغم انحسار ظاهرة المدونات، إلاّ أن مدونته "قراءات أحمد شافعي"، التي عُرف أكثر من خلالها، ما زالت تنشر في مواعيد، لا يتخلّف صاحبها عنها. عن ذلك يقول لـ "العربي الجديد": "قد تمنح هذه المدوّنة الانطباع بتفانٍ من قبلي، لنشري هذه المواد مجاناً. لكن الأمر ببساطة هو أن المدوّنة أرشيف شخصي، أجمع فيه ما أنشره في الصحافة".

ويضيف: "على مدار امتهاني للصحافة، كنت دائماً أختار ما أترجمه، وبالتالي لم أُطالَب إلا نادراً بنقل نصٍّ ما، إلا من القراء أنفسهم. أنا أترجم لنفسي، وأنقل ما أحب أن أقرأه.. على مهل".

قبل شهور صدرت ترجمته لمختارات من نصوص أليس مونرو بعنوان "قصص"، وعمّا إذا كان دافع ترجمته لها نيلها جائزة نوبل، يوضح: "لا يستطيع أحد أن يحتمل ذبابة على وجهه طويلاً. يمكنك أن تقرر الانتصار على نفسك وترك الذبابة إلى أن ترحل عنك بملء إرادتها. لكن لا أحسب أحداً، من عشّاق الأدب، يقدر على ذلك، ليس لوقت طويل على الأقل. فالذبابة مزعجة جداً، وكذلك جائزة نوبل للآداب".

ويضيف شافعي: "كنت أعرف أليس مونرو. قرأت لها بضع قصص من التي دأبت على نشرها في "نيويوركر". لكنّي لم أكن أعتبرها قط من كاتبات العالم الأساسيات، بل طالما اعتبرتُ أنني لا أعرف في الأدب الكندي أهم من مارغريت آتوود، وربما هذا رأيي إلى الآن. وحدث أن فازت مونرو، فقررتُ أن أترجم لها إحدى القصص في سياق التعريف بها، خاصة وأنني كنت أعمل وقتها في الصحافة".

وعن تجربة ترجمة سرد مونرو، يقول شافعي: "الترجمة قراءة متمهلة. وكم بهرتني قراءتي المتمهلة لمونرو. القاصّة تكتب قصصاً طويلة، بعضها في حجم كثير من الروايات العربية. تكتب عن بشر معزولين في غاباتٍ وأريافٍ وضواحٍ، وكأنّها تكلّمك من دواخلهم، أو كأنّها تسحبك إلى دواخلهم. حققت ترجمة مونرو لي حالة من الانعزال الكلّي والثمين عن العالم، ولو تسنى لي أن أكرر ذلك لما تردّدتُ".

وحول أثر هذه الترجمة على وجهة نظره فيها: "كل ما ترجمته لها أربع قصص، لكنها بدت مناسبة تماماً لكتاب بحجم معقول. أربع قصص فقط جعلتني أغيّر رأيي تماماً. قد لا تكون مونرو مبهرة على المستوى التقني، على مستوى ألاعيب القرود الشكليّة، رغم أنها متمكّنة تماماً من أدواتها، إلا أنها تنتمي إلى فئة أخرى من الكتّاب الكبار، فئة المعنيين بالإنسان. هناك دائماً كتّاب يكتبون عن البشر، لا عن الكتابة، لتشريح الظرف الإنساني ومحاكمته وكشف ضعفه، لا لاستعراض مهاراتهم وإبهار قرّائهم. مونرو من هؤلاء، وربّما في صدارتهم".

كتب شافعي في مقدمة "وقصائد أخرى" إنّ الديوان رد فعل على تفاعله مع قصيدة النثر الأميركية، فكان التساؤل عما إذا كانت قصيدته عموماً رد فعل على تجربة ما؟ وهل فكرة تقديم ديوان في ذاتها هي لإجبار القارئ على قراءتها بتأويل الشاعر؟ يقول شافعي: "كتبتُ قصائد كثيرة، وما زلتُ أكتب، لكنني لا أستطيع أن أُطلق حكماً عاماً ينطبق عليها جميعاً، ولا أعتقد أن في المسألة نفعاً لأحد. ثم لا أعرف إن كانت قصائدي ردود أفعال أم أفعال، تعليقات على أحداث أم فائض شعوري من تجارب".

ديوان "وقصائد أخرى" بالنسبة لشافعي شأن آخر: "كتبتُ قبله قصيدة نثر، لكن فيه كتبت قصيدة نثر مختلفة تماماً. التغيير الذي حدث يعود إلى كوني قرأت الكثير من شعر النثر الأميركي، ومضيت أترجم منه وأحلم بأنطولوجيا تقدّمه".

ويتابع الشاعر مجيباً عن مسألة إجبار القارئ على تأويل ما يريده له: "أنا لا أفكّر في القارئ، ولا أتصرف باعتبار أنه موجود. نادراً ما أقرأ مقدّمات المترجمين لأعمالهم، لأنهم نادراً ما يقولون شيئاً مفيداً. دائماً يشتكون من صعوبة المهنة، وصعوبة ترجمة هذا الكتاب. لماذا إذن ترجموه؟ لأنه مهم. طيّب، ما معنى أنني اشتريت الكتاب؟ معناه أنّني أعرف أنّه مهم، أو أتوقع ذلك. فلماذا يقولون لي شيئا أعرفه؟ أقصد أن القارئ، إن كان هناك شيء يدعى القارئ، يستطيع أن يقرأ المقدمة أو يتجاهلها، أن يمزق الكتاب أو يحتفظ به. القارئ في الحقيقة هو صاحب النّص الحقيقي، ولا أحد يستطيع إجباره على شيء".

بدت روايته "الخالق" وكأنها وسيلة لتمرير سخريته من الكتابة والأدب والعالم. يعترض شافعي قائلاً: "الأدب ليس وسيلة. الفيسبوك وسيلة، وأنا أستخدمها للسخرية من الكتابة والأدب والعالم. لكن حين أفعل ذلك في رواية، فليس لأنها وسيلة، بل لأن ذلك هو طريقة هذه الرواية في الوجود، وبغير هذه الطريقة لا وجود لها".

يمضي شافعي حالياً إقامة أدبية في الولايات المتحدة، وهي زيارته الأولى للبلد التي قدّم وترجم لشعرائها وكتّابها. عن تجربته هذه يقول: "كنت أتنزه في غابة قريبة من بحيرة. كان ذلك أول لقاء لي بغابة. كنت أسير مع صديق أميركي، حين توقّفت فجأةً. كانت أمامنا مساحة من الغابة خالية من الشجر. توقفت كما لو كنت أقابل عدواً قديماً للمرة الأولى. سألني صديقي إن كنت تعبت وأريد الاستراحة، وكنا نسير منذ أكثر من ساعتين".

ثمّ يكمل: "جلسنا هناك وحكيت له قصّتي مع هذا المكان. كنت قد قابلت مراراً كلمة clearing ولم أجد لها مرادفاً بالعربية، وكثيراً ما كنت أترجمها في جملة من قبيل "مساحة من الغابة خالية من الشجر". كنت أكره هذه الكلمة، وأكره خلو العربية من كلمة مرادفة. وأخيراً التقيت بها. كان مهماً بالنسبة لي، بعد خمسة عشر عاماً من ترجمة الأدب الأميركي أن أقابل المكان نفسه. المترجم حتى هذه اللحظة التي نتكلم فيها هو الذي قابل أميركا. ربما يتبين لي أن الشاعر أيضاً قابلها، ربما يكون الروائي قد دوَّن أشياء في دفتره. لكن المترجم هو المهيمن حالياً، وقارئ الشعر أيضاً الذي اكتشف الكثير واقتنى الكثير".

دلالات
المساهمون