أخبار عامنا الجديد
لا داعي لبرامج التنجيم في آخر أيام عام 2014 حول ما سيحدث في عام 2015، على الرغم من أن الشهر الأخير من هذه السنة يحمل مادة دسمة "لتوقعات" العام المقبل، وقد لا تبدو سوى نتيجة حتمية، بالنسبة لمن بدأ يفهم ما يدور في أروقة السياسة، وتحت طاولات مؤتمراتها واجتماعاتها، على الأقل في السنوات الثلاث الأخيرة.
لا شيء مفاجئاً في السياسة، بل المفاجىء أن لا تفاجئنا السياسة.
وحين ارتضينا أن تكون معظم مرافق حياتنا مرتبطة بسياسات، محلية وعالمية، فليس مقبولاً أن تصيبنا الصدمة مع كل خبر نتلقاه، ثم نستمر، أياماً، في استيعابه، وأياماً في تسخيفه، ليصبح، بعد أشهر، خبراً يعلوه غبار سميك من التجاهل والنسيان.
حمل العام المنصرم عمليات تفجير في لبنان، بدت مشابهة لعمليات سابقة من حيث التأقلم معها منذ عام 2005، لكنها تفردت بدخول عامل الإرهاب عليها، باقترانها باسم "داعش" التي كانت بطلة الخبر الرئيسي، بعد ملف خطف العسكريين، وذلك بانضمام السياسة اللبنانية إلى السياسة العالمية القائمة حول الإرهاب، والدليل الطريق المسدود للمفاوضات، وقتل الوقت، تماماً كما يتم التعامل مع حرب "ستستمر ثلاث سنوات" ضد "داعش".
أتحفتنا وسائل إعلامنا بأخبار صفراء، أنهكت عقولنا ونحن نتجنب استغباءها، لتطغى على أهم خبر، يجب أن يتابعه اللبنانيون، وهو انتخاب رئيس للجمهورية، وأصبحت "المخدرات الرقمية"، على الرغم من بطلانها وقدمها من حيث جدية الأخبار، هي الخبر الرئيسي الذي نقلته وسائل الإعلام، وتغنت بالأسبقية فيه، وناقشته البرامج الاجتماعية التي لم توفر فرصة لأسخف المواضيع أن تحتل جدول أعمالها، متجاهلة الأمور المعيشية، من كهرباء وشح مياه وفساد..
فساد قصره السياسيون على الأطعمة، فمباشرة، بعد التمديد لمجلس النواب، برزت قضية لوائح المطاعم غير المطابقة لمواصفات وزارة الصحة، وهو واجبها، وما زالت تطل عليها بين مدة وأخرى.
واليوم، بدل حوار الفرقاء اللبنانيين حول اختيار رئيس للجمهورية، حوار من نوع آخر يبدو لمن يقرأ الوقائع، بلا جدوى، فأي نتائج ستصدر عن حوار حزب الله وتيار المستقبل، وهم مختلفون على أهم النقاط: القتال في سورية خارجيا، ورئيس جمهورية داخليا؟
وإن أردنا أن نحلق قليلاً بعيداً عن لبنان، فـ"المفاجآت" السياسية ليست أقل وقعاً علينا: روسيا مستعدة للحوار حول بقاء الأسد، الرئيس الأميركي، باراك أوباما، يكاد يكون تشي غيفارا، اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، عودة العلاقات بين حركة حماس وإيران، انخفاض سعر النفط، مواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هاجس وباء أيبولا، فوز السبسي برئاسيات تونس، العلاقات الخليجية - الخليجية والعلاقات الخليجية مع مصر.
أخبار بين مد وجزر، متعارضة ومتقاطعة، وكل خبر منها أراده الجمهور، من دون تعميم، أن يكون صدمة! صدمة إن أردنا يوماً أن نبحث عنها حين تصبح تاريخاً في أقل من بضعة أشهر، لا نجدها. فأين الغضب من أجل المحاكمات بعد التفجيرات، وأين الفاجعة بالضحايا الذين ذرفنا عليهم الدموع؟ أين الكارثة التي شعرنا بها، بعد الأمراض والمشكلات الاجتماعية التي تم تلفيقها، والتي لم يتم تلفيقها؟
أين التغني بمواقف أحزاب ورؤساء ورفعهم إلى السماء؟ وأين شتمهم؟
لأن معظمنا يميل إلى التطرف، وينجذب للتقديس. أخبار كهذه حظيت بردود الفعل التي تختفي بلا أثر كنتيجة بحد ذاتها، للجهل.
كل خبر يحمل كارثة نصدقه، وكل خبر يتعلق بحزبنا ورئيسنا المفضل، نبني عليه الآمال، ثم كل خبر يتجه إلى الحل نشكك فيه، وكل خبر لا يصب في مصلحة ذاك الحزب أو الرئيس نعتبره نهاية الأحلام! نحن نجهل كيف نستمع للأخبار، وكيف نحللها، بل نجهل متطلبات السياسة وعلاقتها بكل شيء حولنا. استطعنا مدة ليست قصيرة أن نكون أجهزة استقبال للإعلام والسياسية، نتيجة حالة من الإحباط والخيبة، أو الأمان المزيف، فأصبح كل شيء غير مستبعد بالنسبة لنا. لكنني أجزم أن هذه السنوات الثلاث الأخيرة كانت مميزة، لأن الفترة بين الخبر وتكذيبه لم تستمر عقوداً كما في السابق، ولأن نتائج كل موقف وسياسة نراها متجسدة أمام أعيننا، من دون أن نشيخ سنوات. فالأحداث متسارعة جداً، لا تحتاج لأجيال قادمة، لكي تحللها وتستنبط منها العبر، على فرض أننا لا نريد قراءة التاريخ. فإن كنا "أجهزة" أمام عامنا الجديد وأخباره. نستحق كل حدث نمر به، خصوصاً تلك الأحداث المؤلمة!