يسأل أحمد (تسع سنوات) والدته عن قيمة "العيدية" التي سيحصل عليها صباح يوم العيد. لكن الأم، التي تقيم وبقية أفراد الأسرة في مخيم "أطمة" للنازحين السوريين قرب الحدود التركية في ريف إدلب، تجيبه أن "العيدية" عادة ما يدفعها الأب لأبنائه، إلا أن والده استشهد قبل عام. أما هي، فلا تملك نقوداً.
لم يخسر أطفال النازحين السوريين في حلب وإدلب "العيدية" فقط. كثيرون خسروا رفاقهم وأصدقاءهم الذين كانوا يلعبون معهم. افتقدوا أيضاً زيارة بيوت أقاربهم، والحلويات والهدايا التي كانت تقدم لهم. كانت مجرد تفاصيل صغيرة، إلا أنها كافية لرسم البسمة على وجوههم. فالملابس الجديدة والألعاب تسعد الأطفال.
اليوم، يعيش النازحون في الداخل السوري ظروفاً مأساوية. وعادة ما يتأثر الأطفال في فترات الأعياد بصورة أكبر، بحسب المرشدة النفسية، حنين البانياسي. تقول لـ "العربي الجديد" إن "العائلات النازحة تعاني أصلاً من ظروف صعبة في أماكن سكنها في مناطق سيطرة النظام، في ظل نقص الغذاء والرعاية الصحية وضعف مستوى التعليم والسكن غير اللائق، بالإضافة إلى افتقادها الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه. كل هذه العوامل يمكن أن تؤدي إلى إصابتها بالاكتئاب". تضيف أن "المعاناة تزيد في المناسبات، وخصوصاً حين يستحيل على النازحين زيارة قبور أحبائهم، الذين قتلوا أثناء الحرب، بسبب وجود قبورهم في أماكن بعيدة تسيطر عليها أطراف مسلحة أخرى".
تضيف البانياسي أن الآثار النفسية السيئة لا تقتصر على الأطفال، بل تشمل أيضاً الرجال الذين اعتادوا لقاء أصدقائهم وأقاربهم، لينهوا خلافاتهم. وتجدر الإشارة إلى أن ظروف النزوح واللجوء إلى دول الجوار منعت لقاء الأقارب، وبالتالي زادت من معاناتهم أيام العيد.
وعادة ما تكون هذه المناسبات بمثابة فرصة لتجدد العائلات لقاءاتها ببعضها بعضاً، بالإضافة إلى لقاء الأمهات أبناءهن الذين هاجروا للعمل في الخارج أو الدراسة أو لأسباب أخرى.
في السياق نفسه، تقول الناشطة الاجتماعية، هزار القيسي، لـ "العربي الجديد"، إن "معاناة الأمهات اللواتي اعتدن لقاء أبنائهن كبيرة، علماً بأنهن يعشن كل يوم حرقة انتظار رؤيتهم مجدداً".
كثيرة هي معاناة النازحين السوريين في الداخل، والذين يقدر عددهم، بحسب إحصائيات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، بـ 6.5 ملايين نازح داخلياً في سورية. وتجدر الإشارة إلى أن منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سورية، يعقوب الحلو، يتوقع نزوح مليون سوري آخر عن ديارهم داخل البلاد حتى نهاية العام الحالي.
وتتفاوت معاناة هؤلاء النازحين في الداخل. وتقول الأمم المتحدة إن نحو 4.2 ملايين شخص يقيمون في مناطق يصعب الوصول إليها داخل سورية، فيما يقيم 420 ألفاً منهم في مناطق محاصرة من قبل النظام. ويعاني هؤلاء المحاصرون من نقص في كل مستلزمات الحياة الأساسية، على غرار الغذاء والرعاية الطبية وغيرها، بالإضافة إلى مستلزمات العيد.
سابقاً، كان العيد بالنسبة للسوريين بمثابة فرصة للفرح والابتعاد عن الضغوط الحياتية والمشاكل الاجتماعية. كانوا يستمتعون بفرحة أطفالهم، ولقاء أحبتهم وأقاربهم وأصدقائهم. إلا أن ظروف الحرب حرمت السوريين من طقوس العيد وأجوائه واحتفالاته.
لم يعد العيد يحمل الفرح لملايين السوريين، الذين نزحوا عن بيوتهم. أيضاً، لم يعد لديهم إمكانيات مالية تعينهم على القيام بواجبات العيد. بقيت لهم الأشواق والأحزان، بالإضافة إلى الألم والتعب والحر صيفاً والبرد شتاء، هم الذين يقطنون في خيم متهالكة أو في مدارس ومراكز إيواء تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة.
إلى ذلك، يسعى متطوعون سوريون إلى إدخال الفرحة إلى قلوب الأطفال النازحين، من خلال توزيع بعض الألعاب عليهم. أيضاً، يصنعون ألعاباً بسيطة في المخيمات، على غرار الأراجيح وغيرها، ليلعب الأطفال في أيام العيد. في السياق نفسه، يوضح الناشط، أحمد المعراوي، لـ "العربي الجديد"، أن هذه النشاطات "تهدف إلى إسعاد الأطفال الذين حرموا، بسبب الحرب والنزوح، من حقوقهم الأساسية في التعليم واللعب". ويشير إلى أن هذا العمل عادة ما يترافق مع نشاطات للمجالس المحلية، التي تساهم بدورها في وضع ألعاب وأراجيح في ساحات المدن والبلدات التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال السوري، لتحقيق الهدف نفسه.
وعلى الرغم من رمزية هذه المبادرات، إلا أنها تساهم بعض الشيء في جعل الأطفال يشعرون بالعيد، حتى في ظل الحرب.
اقرأ أيضاً: