تمتلك الأرقام قوة سحرية. والمؤكد أنّ "الواقع الساحر" الذي تعيشه المنطقة العربية له من القوة والكارثية ما يكفيه لفرض نفسه على مختلف الأرقام، الاقتصادية منها بشكل خاص.
المؤشرات المهمة التي تضمنها تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، (الإسكوا)، المنشور مؤخراً تحت عنوان "مسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية للفترة 2015-2016"، تعكس جوانب مهمة من واقع المنطقة العربية، نمواً وتنمية. وتؤكد ما ذهب إليه الواقع العربي السياسي والأمني الذي يفرض نفسه على الأرقام، وهي نقطة انطلاق نحو واقع لاحق لم تتضح معالمه كلياً.
وفقاً للتقرير، لم يتحسن متوسط معدل النمو في المنطقة العربية بين عامي 2014 و2015، إذ بقي عند حدود 0.9%، والدول التي تسهم عادة في تجاوز هذا المعدل، وفي مقدمتها دول الخليج العربي، شهدت هي نفسها تباطؤاً في معدلات نموها. يعود ذلك كما بات معلوماً لأزمة النفط المستمرة منذ منتصف 2014، والتي يصعب التنبؤ بآجال استمرارها. وبعد انتعاش الآمال خلال النصف الأول من العام الحالي على أثر ارتفاع أسعار النفط الذي قارب حد الـ 50 دولاراً للبرميل، عادت الأسعار في الأسابيع الماضية للتدهور.
العامل الآخر الذي كبح النمو العربي هو جملة التوترات السياسية التي تعيشها المنطقة، مضافاً إليه مجموعة القيود التي خفّضت نمو الطلب المحلي، عزز ذلك تدهور مستويات المعيشة في كل من تونس وسورية والسودان ومصر واليمن وليبيا، بالتوازي مع تأثير موجة الهجرة غير المسبوقة من المنطقة عبر البحر المتوسط خلال العام الماضي.
لا يبدو أنّ العامل السابق مؤقت هو الآخر، فعمليات التصعيد جارية على قدم وساق في البلدان المذكورة جميعها، فحتى مصر التي لا يبدو التصعيد فيها أمني الطابع حتى اللحظة، فقد دخلت أزمة اقتصادية خطرة تتمظهر حتى الآن بتراجع قيمة الجنيه المصري. كما أنّ طبيعة الإجراءات التي تتخذها سلطة عبد الفتاح السيسي حتى اللحظة لا توحي بإمكانية خروج قريب من الأزمة، بل وعلى العكس من ذلك توحي بمزيد من التراجع. فقرض صندوق النقد الدولي المتمثل بـ 12 مليار دولار على ثلاث سنوات، وإن كان سيحل مؤقتاً مسألة سعر الصرف، لكن جملة الشروط الواجب تطبيقها للحصول عليه، والتي لم تكشف حتى اللحظة بشكل رسمي، ربما تؤدي إلى مزيد من الانخفاض في مستوى المعيشة المصري، بما يحمله ذلك من مخاطر اقتصادية وحتى سياسية، ولعل رفع أسعار الكهرباء الأخير بنسبة تصل إلى 40% ليس إلّا أول الغيث. بما يشير إلى أنّ الثورة التي شهدتها مصر، لم تنجز تغييرات جدّية اللهم إلا على مستوى رأس السلطة السياسية. بذلك فإنّ «مصر الثورة» لا تبدو أحسن حالاً من شقيقاتها، سواء منهن من يعانين ثورات مستعصية دون آفاق واضحة، أو من لم تقربهن الثورات بعد.
رغم ذلك، تتوقع "الإسكوا" تحسناً في وسطي نمو الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة العربية في عام 2016، ليصل إلى 1,5%، وربما يستند هذا التوقع، من بين ما يستند إليه، إلى ارتفاع أسعار النفط خلال الربعين الأولين من 2016، والذي بدا في حينه ذا ميل ثابت. وهو ما تغير مؤخراً.
ضمن اللوحة المعتمة التي قدمتها الإسكوا، وكما هو متوقع، فإنّ الزاوية السورية كانت الأكثر ظلمة، إذ تشهد بلدان المشرق (حسب تصنيف الإسكوا هي كل من العراق، سورية، لبنان، الأردن، فلسطين، ومصر)، أدنى متوسط لمعدل النمو، وأعلى معدل للتضخم، والسبب الأساسي في ذلك هو استمرار تراجع النمو في الاقتصاد السوري في عام 2015، واستمرار الارتفاعات القياسية في معدلات التضخم.
حيث شهدت معدلات النمو الوسطية لبلدان المشرق تراجعاً حاداً بوسطي -0.3%، بسبب تراجع النمو في سورية بشكل كارثي وصل حدود -8.1%، كما شهد العراق معدل نمو سلبي -2.8%، أما توقعات معدل النمو الوسطي لدول المشرق العربي في عام 2016، وفقاً للإسكوا فـ 1,1% وحتى هذا الرقم يبدو مبالغاً به إذا استمرت أحوال مصر بالتدهور.
معدلات التضخم عام 2015 بلغت 9.3% لدول المشرق، وأيضاً بسبب أرقام سورية التضخمية التي بلغت 37.3%، إضافة إلى مصر التي بلغ التضخم فيها 10,4%.
مع توقعات بارتفاع معدل التضخم الوسطي في دول المنطقة مع نهاية العام الحالي إلى 10,1%.
رغم قساوة التقرير وأرقامه، إلّا أنه يترك بصيص أمل للعام المقبل لا يتمثل بتحول إيجابي في معدلات النمو، بل بتراجع في مستويات الانكماش. في أحسن الأحوال!
وفقاً للتقرير، لم يتحسن متوسط معدل النمو في المنطقة العربية بين عامي 2014 و2015، إذ بقي عند حدود 0.9%، والدول التي تسهم عادة في تجاوز هذا المعدل، وفي مقدمتها دول الخليج العربي، شهدت هي نفسها تباطؤاً في معدلات نموها. يعود ذلك كما بات معلوماً لأزمة النفط المستمرة منذ منتصف 2014، والتي يصعب التنبؤ بآجال استمرارها. وبعد انتعاش الآمال خلال النصف الأول من العام الحالي على أثر ارتفاع أسعار النفط الذي قارب حد الـ 50 دولاراً للبرميل، عادت الأسعار في الأسابيع الماضية للتدهور.
العامل الآخر الذي كبح النمو العربي هو جملة التوترات السياسية التي تعيشها المنطقة، مضافاً إليه مجموعة القيود التي خفّضت نمو الطلب المحلي، عزز ذلك تدهور مستويات المعيشة في كل من تونس وسورية والسودان ومصر واليمن وليبيا، بالتوازي مع تأثير موجة الهجرة غير المسبوقة من المنطقة عبر البحر المتوسط خلال العام الماضي.
لا يبدو أنّ العامل السابق مؤقت هو الآخر، فعمليات التصعيد جارية على قدم وساق في البلدان المذكورة جميعها، فحتى مصر التي لا يبدو التصعيد فيها أمني الطابع حتى اللحظة، فقد دخلت أزمة اقتصادية خطرة تتمظهر حتى الآن بتراجع قيمة الجنيه المصري. كما أنّ طبيعة الإجراءات التي تتخذها سلطة عبد الفتاح السيسي حتى اللحظة لا توحي بإمكانية خروج قريب من الأزمة، بل وعلى العكس من ذلك توحي بمزيد من التراجع. فقرض صندوق النقد الدولي المتمثل بـ 12 مليار دولار على ثلاث سنوات، وإن كان سيحل مؤقتاً مسألة سعر الصرف، لكن جملة الشروط الواجب تطبيقها للحصول عليه، والتي لم تكشف حتى اللحظة بشكل رسمي، ربما تؤدي إلى مزيد من الانخفاض في مستوى المعيشة المصري، بما يحمله ذلك من مخاطر اقتصادية وحتى سياسية، ولعل رفع أسعار الكهرباء الأخير بنسبة تصل إلى 40% ليس إلّا أول الغيث. بما يشير إلى أنّ الثورة التي شهدتها مصر، لم تنجز تغييرات جدّية اللهم إلا على مستوى رأس السلطة السياسية. بذلك فإنّ «مصر الثورة» لا تبدو أحسن حالاً من شقيقاتها، سواء منهن من يعانين ثورات مستعصية دون آفاق واضحة، أو من لم تقربهن الثورات بعد.
رغم ذلك، تتوقع "الإسكوا" تحسناً في وسطي نمو الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة العربية في عام 2016، ليصل إلى 1,5%، وربما يستند هذا التوقع، من بين ما يستند إليه، إلى ارتفاع أسعار النفط خلال الربعين الأولين من 2016، والذي بدا في حينه ذا ميل ثابت. وهو ما تغير مؤخراً.
ضمن اللوحة المعتمة التي قدمتها الإسكوا، وكما هو متوقع، فإنّ الزاوية السورية كانت الأكثر ظلمة، إذ تشهد بلدان المشرق (حسب تصنيف الإسكوا هي كل من العراق، سورية، لبنان، الأردن، فلسطين، ومصر)، أدنى متوسط لمعدل النمو، وأعلى معدل للتضخم، والسبب الأساسي في ذلك هو استمرار تراجع النمو في الاقتصاد السوري في عام 2015، واستمرار الارتفاعات القياسية في معدلات التضخم.
حيث شهدت معدلات النمو الوسطية لبلدان المشرق تراجعاً حاداً بوسطي -0.3%، بسبب تراجع النمو في سورية بشكل كارثي وصل حدود -8.1%، كما شهد العراق معدل نمو سلبي -2.8%، أما توقعات معدل النمو الوسطي لدول المشرق العربي في عام 2016، وفقاً للإسكوا فـ 1,1% وحتى هذا الرقم يبدو مبالغاً به إذا استمرت أحوال مصر بالتدهور.
معدلات التضخم عام 2015 بلغت 9.3% لدول المشرق، وأيضاً بسبب أرقام سورية التضخمية التي بلغت 37.3%، إضافة إلى مصر التي بلغ التضخم فيها 10,4%.
مع توقعات بارتفاع معدل التضخم الوسطي في دول المنطقة مع نهاية العام الحالي إلى 10,1%.
رغم قساوة التقرير وأرقامه، إلّا أنه يترك بصيص أمل للعام المقبل لا يتمثل بتحول إيجابي في معدلات النمو، بل بتراجع في مستويات الانكماش. في أحسن الأحوال!