يعيش العراقيون أزمة حادة في الطاقة الكهربائية منذ الغزو الأميركي للبلاد في عام 2003، على الرغم من إنفاق ما يزيد على 40 مليار دولار على هذا القطاع من دون جدوى بسبب الفساد المالي الذي ينخر مؤسسات الدولة العراقية، ما دفع خبراء الطاقة إلى طرح حلولٍ غير تقليدية تساهم في الحد من الأزمة.
ويحتاج العراق إلى 21 ألف ميغاوات من الطاقة، يومياً، لتغطية حاجته الفعلية من الكهرباء في عموم مدن البلاد، إلا أنه لا يُنتج، حالياً، سوى 11 ألف ميغاوات، وهي نسبة تعادل نحو نصف حاجته، ما يؤدي إلى قطع يومي في التيار الكهربائي، يصل إلى 16 ساعة في بعض المدن. وغالباً ما تنال بغداد والمدن الرئيسية حصة الأسد من الطاقة على حساب باقي مدن العراق.
ويُتهم رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، والذي يصفه مراقبون برأس الفساد في العراق، باستيراد محطات كهرباء تعمل على الغاز الثقيل بتكلفة ملياريْ دولار، خلال فترة حكمة بين عامي 2006 و2014، إلا أن تلك المحطات لم تعمل كون العراق لا يملك أصلاً هذا النوع من الغاز، ما دفع حكومةَ رئيس الوزراء، حيدر العبادي، حالياً، إلى إطلاق مباحثات مع إيران بشأن إنشاء أنبوب غاز للعراق لتغذية تلك المحطات.
ويقول الخبراء، إن هذا المشروع في حد ذاته يحتاج إلى نحو عامين من العمل، فضلاً عن تكلفته الباهظة، سواء بشراء الغاز أو إنشاء الأنبوب الذي سيمتد إلى نحو 700 كم، ما دعا مراقبي اقتصاد عراقيين إلى نصيحة العبادي بالتخلي عن المشروع وشراء محطات جديدة تعمل على النفط العراقي بالمبلغ الذي سيخصصه لهذا الأنبوب، مع بيع محطات الكهرباء التي اشتراها المالكي لدول أخرى ولو بنصف السعر.
إزاء كل هذا، يحاول العراقيون إيجاد بدائل لتوفير الطاقة، في فصل الصيف، حيث ترتفع درجات الحرارة إلى معدلات قياسية خطيرة في عدد من المحافظات، أسفرت عن خروج مظاهرات حاشدة، أخيراً، لأهالي البصرة التي تعد من أكثر محافظات العراق ارتفاعاً في درجات الحرارة، إذ جرت مصادمات بين المتظاهرين والأجهزة الأمنية، أدت إلى مقتل وجرح عدد من المتظاهرين.
ودعا مهندسون وناشطون الحكومة العراقية إلى استغلال الطاقة البديلة لسد النقص الحاد في الطاقة، وحل معضلة الكهرباء التي مازالت مستمرة، منذ عقود، عبر الحكومات المتعاقبة.
وتصاعدت هذه الدعوات بعد خروج مظاهرات حاشدة، الأسبوع الماضي، في مدينة البصرة 550 كيلومتراً جنوب العاصمة بغداد، احتج خلالها المتظاهرون على انقطاع التيار الكهربائي عن المدينة بشكل مستمر وارتفاع أجور المولدات الأهلية وسط ارتفاع حاد في درجات الحرارة بلغ 51 درجة مائوية.
وقال المهندس المتخصص في الكهرباء، جبار عبد الودود: "هناك العديد من المشاريع التي يمكن أن تحل مشكلة الكهرباء في العراق، لكن الحكومة لا تدعمها، فمن المعروف أنَّ بيئة العراق صحراوية حارة مشمسة أغلب أيام السنة، ما يوفر فرصة ذهبية لاستغلال الطاقة الشمسية لسد النقص الحاد في الطاقة، وهو مسار تتجه إليه أغلب دول العالم حالياً".
اقرأ أيضاً: العراقيون بين موجة الحر وانقطاع الكهرباء
ويضيف عبد الودود لـ "العربي الجديد"، أن المشكلة الأساسية تكمن في انقطاع التواصل بين الجهات المعنية بهذا الصدد، "ونحن كمهندسين مستعدون للتعاون في وضع الخطط اللازمة لهذا المشروع، فقد سئمنا من وعود الحكومة ووزارة الكهرباء التي لم نجد لها تطبيقاً على أرض الواقع".
ويتابع" هناك بدائل أخرى غير الطاقة الشمسية كالوقود الهيدروجيني وغاز الميثان والألواح الشمسية المنزلية، لكنها جميعاً بدائل تحتاج إلى دعم حكومي لتنفيذها سواء ضمن مشروعات حكومية أو أهلية خاصة".
ويرى الخبير الاقتصادي ياسين العامري، أن "الفساد الإداري والمالي في مؤسسات الدولة بشكل عام وفشل الحكومات المتعاقبة في العراق في معالجة ملف الكهرباء منذ عام 2003، وحتى اليوم، يطرح فكرة الطاقة البديلة بقوة لتوفير الكهرباء".
وبيّن العامري لـ "العربي الجديد"، أن مشروع الطاقة البديلة سيوفر الطاقة اللازمة لتشغيل عشرات المصانع المتوقفة عن العمل ما يضمن عودة آلاف العمال والموظفين إلى عملهم، وبالتالي القضاء على نسبة كبيرة من البطالة.
وتوقفت عشرات المصانع في مختلف المحافظات العراقية عن العمل نتيجة النقص الحاد في الطاقة الكهربائية وانقطاعها المستمر ما خلف آلاف العاطلين.
ويتفق الخبير الاقتصادي، ماضي عبد الصاحب، مع ما ذهب إليه العامري، من أن انعدام الطاقة الكهربائية لم يثقل كاهل المواطن فحسب بل انعكس على الواقع الاقتصادي للبلاد بشكل عام، وسبب خسائر كبيرة لحقت بالقطاع الصناعي.
وبين عبدالصاحب لـ "العربي الجديد"، أن طرح فكرة الطاقة البديلة "مناسب جداً في الوقت الحالي، لا سيما الطاقة الشمسية والهيدروجينية والطاقة المستخرجة من النفايات، والتي يعمل عليها العديد من الشباب المبتكرين والمطورين، لكنهم بحاجة إلى دعم حقيقي لتنفيذ مشاريعهم".
وقال وزير الكهرباء، قاسم الفهداوي، إن ما يقرب من 2490 ميغاواتاً من إجمالي ما تنتجه البلاد (11 ألف ميغاوات) خرجت عن الخدمة، حالياً، لنقص الوقود، وعدم قدرة الوزارة على نقل الطاقة من أماكن إنتاجها إلى مناطق استهلاكها.
وأضاف خلال جلسة مساءلة في البرلمان، الاثنين الماضي، حول أزمة الكهرباء التي ضربت العديد من المحافظات وفجّرت احتجاجات شعبية لا تزال متواصلة، أن وزارته طالبت الحكومة بتخصيص نحو 9 مليارات دولار لمشاريعها ضمن الموازنة الحالية، إلاّ أنه تم تخصيص 3 مليارات دولار فقط بسبب العجز المالي الناجم عن تراجع الإيرادات النفطية بعد موجة انخفاض الأسعار.
وأوضح الفهداوي، أن وزارته حصلت على 6% فقط من المبلغ المطلوب لمعالجة مشكلات نقل وتوليد وتحسين شبكة الكهرباء في العراق، وأن توفير الوقود يمثل عقبة أمام وزارتي الكهرباء والنفط.
وتعمل أغلب محطات توليد الكهرباء في العراق بالغاز، في الوقت الذي تعاني البلاد من شحّ الغاز.
اقرأ أيضاً:
الغاز والكهرباء العراقية تحت رحمة إيران
استثمار الأزمات..رواج مولدات الكهرباء "الأهلية" في العراق