رغم أنّ تأخر رواتب موظفي الحكومة المقالة في قطاع غزة، ذات بعد إنساني يتعلق بـ"لقمة عيش" 40 ألف أسرة، إلا أنّها لم تخل من البعد السياسي، كأوّل اختبار للمصالحة الفلسطينية، وخاصة مع تواصل إغلاق الشرطة التابعة لحركة "حماس"، بنوك غزة لليوم السادس.
وتصاعدت أزمة تأخر الرواتب اليوم الثلاثاء، بعد أنّ واصلت شرطة حفظ النظام التابعة لحركة حماس في غزة، إغلاق فروع البنوك العاملة في القطاع، ومنعت الموظفين من الوصول إليها، وحظرت على أيّ مواطن الاقتراب من الصرافات الآلية.
وأفاد شهود عيان في القطاع، اليوم، أنّ شرطة حماس، صادرت أجهزة "الفيزا كارد" المنتشرة في عدد من محلات البيع، حتى لا يتمكن المواطنون من الشراء عبر بطاقاتهم الائتمانية.
ووقعت حركتا فتح وحماس في 23 أبريل/ نيسان الماضي، على اتفاقٍ، يقضي بإنهاء الانقسام الفلسطيني وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني بشكل متزامن.
وتمخض عن المصالحة إعلان حكومة التوافق الوطني، منتصف الأسبوع الماضي برئاسة رامي الحمد الله، الذي بدأ مشواره بتشكيل لجنة لحل المشاكل العالقة ووعود بحل أزمة تأخر رواتب موظفي غزة.
لقمة العيش
"سئمنا التصريحات المتكررة من قيادات السلطة الفلسطينية، وصبرنا بما يكفي"،.. بهذه الكلمات عبر ناصر الشرافي، الموظف في الحكومة المقالة، عن موقفه من أزمة الرواتب.
وقال الشرافي لـ"العربي الجديد": إنّ الراتب هو حق طبيعي لكل موظف يمارس عمله بانتظام.
وأضاف "لابد من وضع حلول جذرية، ومراعاة ظروف الموظف الذي لم يتلق راتباً كاملاً منذ سبعة أشهر، ولديه متطلبات وأسر".
وقال خالد الناطور (27 عاماً) موظف: "إنّنا نشعر بالظلم والقهر من حكومة الوفاق، التي قامت بصرف رواتب للموظفين، واستبعاد آخرين، وبذلك فهي تميز بين أبناء الوطن الواحد، وترسخ الانقسام كما كان الحال منذ عام 2007 وحتى قبل تشكيل حكومة الوفاق".
وتابع: " نعاني منذ ثمانية أشهر من حرماننا من الحصول على الراتب بشكل كامل ونعيش على "السلف" التي يذهب أكثر من نصفها لسداد الديون المتراكمة".
وتواصل الشرطة الفلسطينية التابعة لحركة حماس في غزة، منع البنوك والصرفات الآلية من فتح أبوابها منذ يوم الخميس الماضي، ونظم المئات من موظفي "حماس" اعتصاماً، أمس الإثنين، أمام مقر بنك فلسطين بغزة، احتجاجاً على عدم صرف رواتبهم.
وقال محمد صيام رئيس نقابة العاملين في الوظيفة العمومية في غزة، خلال مؤتمر صحافي نظمته النقابة أمس، أمام بنك "فلسطين" وسط القطاع "هذه الوقفة تحذيرية فقط وسنبدأ حراكاً نقابياً وخطوات تصعيدية في الأيام المقبلة لحين حل القضية".
حماس وعباس
قالت شرطة حماس إنّ "إغلاق البنوك جاء تقديراً للموقف الأمني ومنعاً لوقوع أيّ أعمال مخلة بالأمن العام وتجنب وقوع اشتباكات بين أفراد المجتمع".
وهاجمت حركة حماس، حكومة التوافق الفلسطينية، واتهمتها بالتنكر لتفاهمات المصالحة، بسبب عدم صرفها رواتب موظفي حكومتها السابقة في قطاع غزة.
وفي مؤتمر صحفي عقد أمس الإثنين في غزة، طالب خليل الحية، القيادي البارز في حركة حماس، عباس بعدم التردد في إعطاء أوامره لحكومة الوفاق، بأنّ تسرع في الوفاء برواتب الموظفين.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد استنكر ما وصفه بإطلاق حماس "تظاهرات لإغلاق البنوك لمنع الموظفين من استلام رواتبهم".
وقال خلال لقاءٍ على قناة "صدى البلد" (قناة مصرية خاصة): "إن هذا يعطي إشارة سلبية عن أهدافها من المصالحة".
وتابع عباس: "لن نستطيع دفع رواتب موظفي حماس قبل أنّ نتفق، ولتدفع لهم (حماس) كما كانت تدفع سابقًا".
من ناحية أخرى ينتظر موظفو السلطة إعادة فتح البنوك والصرفات الآلية، لاستلام رواتبهم التي تم إيداعها في حساباتهم منذ مساء الأربعاء الماضي لإنهاء معاناتهم، نتيجة عدم استلام الرواتب وعدم مقدرتهم تلبية احتياجات عائلاتهم والتزاماتهم.
ويرى مراقبون أنّ استمرار إغلاق البنوك العاملة في القطاع سيؤثر سلباً على الأوضاع الاقتصادية بشكل كامل وقد تُشل الحركة بسبب عدم التزام الشركات تسديد تعاملاتها المالية من خلال البنوك.
وقامت الشرطة التابعة لحماس بمحاصرة "الصرافات الآلية" لعدد من البنوك في قطاع غزة، ومنعوا موظفي السلطة من استلام رواتبهم.
وبعد الانقسام الفلسطيني عام 2007، قامت حركة حماس بتوظيف قرابة 40 ألف موظف في الوزارات والمؤسسات الحكومية، بعد أنّ طلبت السلطة (في رام الله) من الموظفين التابعين لها الجلوس في منازلهم والامتناع عن الذهاب لوظائفهم.
وتقول حركة حماس، إنّها اتفقت نهاية شهر إبريل/ نيسان الماضي، مع حركة فتح على أنّ تتولى الحكومة القادمة دفع رواتب جميع موظفي الحكومتين السابقتين في غزة والضفة.
لكن الراتب الذي أرسلته الحكومة الفلسطينية، اقتصر على موظفي حكومة رام الله، ولم يشمل موظفي حماس.
فاتور الرواتب
وتبلغ فاتورة رواتب الموظفين العموميين في الحكومة الفلسطينية، نحو 135 - 145 مليون دولار أميركي، يبلغ عدد الموظفين والمستفيدين منها، قرابة 200 ألف موظف في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، يعملون تحت مظلة ديوان الموظفين العام.
وبالاطلاع على الوضع المالي للسلطة الفلسطينية، فإن أزمة مالية تعاني منها المؤسسات الحكومية، بينما يظهر جلياً التراجع في حجم المساعدات والمنح المالية خلال الثلث الأوّل من العام الجاري، مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، بنسبة 83٪.
ويبلغ إجمالي الديْن العام المستحق على السلطة الفلسطينية، نحو 4.4 مليار دولار أميركي، بينما تشكل نسبة العجز الجاري من إجمالي الموازنة الفلسطينية للعام 2014، بنحو 29٪، بقيمة وصلت إلى 1.25 مليار دولار، من أصل 4.21 مليار دولار، وهو مبلغ الموازنة المقدرة.
وإلى أن تحل حكومة التوافق المشكلة المالية التعلقة برواتب موظفي حماس، فإنّ في الأفق خلافات اقتصادية أخرى، تتمثل في إعادة إعمار القطاع، وتنفيذ رزمة من المشاريع لإعادة عجلة الاقتصاد الغزي إلى الدوران، وكل ذلك يحتاج إلى رصد مبالغ طائلة.