أزمة سد النهضة وأزمة إدارتها

05 ابريل 2018
+ الخط -


خلافًا لتصريحات الجنرال عبد الفتاح السيسي الناعمة تجاه إثيوبيا والمتناغمة مع مصالحها، في إدارة أزمة سد النهضة، صرّح وزير الموارد المائية والري المصري، محمد عبد العاطي، غير مرة، بقلق مصر من فشل مفاوضات سد النهضة، بعد رفض وزيري الري في إثيوبيا والسودان اعتماد التقرير الاستهلالي الخاص بدراسة التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والهيدروليكية على مصر والسودان، إثر إنشاء وملء وتشغيل سد النهضة في شهر نوفمبر 2017. 

وخلال اجتماعه مع السفراء الأجانب والعرب والأفارقة المعتمدين في القاهرة بمقر وزارة الخارجية، في ديسمبر الماضي، أعرب عبد العاطي، مرة أخرى، عن قلق مصر من وجود توجه لدى الجانب الإثيوبي، تم الكشف عنه خلال المفاوضات، للبدء في ملء سد النهضة قبل اكتمال الدراسات الفنية التي سبق ورفضتها، وبغض النظر عن نتائجها. وفي تصريحٍ ثالثٍ له أمام الجلسة العامة للبرلمان، قال "أنا مش مطمّن لسد النهضة"، وفق ما نقلت عنه جريدة اليوم السابع بتاريخ 10 يناير.

ومؤخرًا، أعلن الوزير المصري عن أن بلاده ستلجأ إلى الاستيراد لتعويض نقص موارد المياه، وأنه يتم استيراد القمح وسلع أخرى لتوفير المياه المستخدمة في الزراعة، وذلك خلال ندوة في غرفة التجارة الأميركية بالقاهرة، فهل هذا هو الحل الذي تراه الحكومة مناسبًا لمواجهة أزمة سد النهضة وانتقاص حصة مصر المائية؟ 

كلفة الاستيراد
 

الموازنة العامة للدولة لا تتحمل استيراد مزيد من السلع الزراعية، مع زيادة العجز في الميزان التجاري إلى 40 مليار دولار، العام الماضي، ذلك أن فاتورة الواردات الغذائية وحدها تراوحت بين 10 و12 مليار دولار، في السنة الماضية، أي 176 إلى 211 مليار جنيه، بحسب تصريح محافظ البنك المركزي، طارق عامر، في أكتوبر الماضي. وهو رقم كبير، كما وصفه المحافظ، ويمثل 20% من حجم الواردات المصرية، العام الماضي، والبالغة 62 مليار دولار، بحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الصادر في يناير الماضي. 


ورغم تسجيل فاتورة الواردات المصرية تراجعًا بنسبة 11% في 2017، مقارنةً بـ2016، مدفوعة بزيادة التعريفات الجمركية، وتشدد الحكومة في إجراءات صرف الدولار بعد تحرير سعره، فإن الواردات الغذائية تتزايد بنسبة أكبر، ما يشكل ضغطًا حقيقيا على احتياطي النقد الأجنبي.

وزادت واردات القمح الذي أشار إليه وزير الري، بنسبة 15%، لتبلغ 2.6 مليار دولار، وفول الصويا، الذي يدخل في أعلاف الدواجن البيضاء بنسبة 36%، لتقارب المليار دولار، وكذا الذرة الصفراء التي تُستخدم في الغرض ذاته، زادت إلى ما يقارب الـ2 مليار دولار، وزادت واردات السكر بنسبة 44%، لتصل إلى 780 مليون دولار، بحسب التقرير الصادر عن الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات. 

واستحوذت فاتورة واردات السلع الغذائية الاستراتيجية، وعددها 15 سلعة، على 19% من واردات مصر غير البترولية، في 2017، وجميعها محاصيل لا تستهلك مياه الري بكميات كبيرة. وسوف تزيد هذه الفاتورة إذا طُبق قرار وزير الري بتخفيض مساحة محصول الأرز إلى 724 ألف فدان، مقارنة بمساحة 1.076 مليون فدان تم السماح بزراعتها العام الماضي.

وهذا القرار هو الذي يُحول مصر من بلد مصدّر للأرز إلى مستورد له، ويحقق عجزا قدره مليون طن من الأرز الأبيض، يتم تعويضها بالاستيراد من الخارج، ما يزيد فاتورة الواردات الغذائية مبلغًا قدره 460 مليون دولار، على أفضل تقدير.

حلول عقيمة

إن سياسة التوسع في استيراد الأغذية لتوفير المياه المستخدمة في الزراعة، والتي تريد الحكومة تطبيقها لمواجهة أزمة سد النهضة ونقص مياه الري، سوف يتحملها المواطن وحده، ولن تتحمل الحكومة تكاليف استيراد هذه الأغذية بالدولار، ولا مخاطر شحّها في السوق الدولية، كما حدث في أزمة الغذاء العالمية في عام 2008، والتي تكررت مرة أخرى في 2010، واستمرت حتى نهاية 2013.

دليل ذلك أن بند الدعم الموجه إلى الخبز وسلع البطاقات التموينية، من السكر والزيت والأرز، في الموازنة العامة 2017/2018، بلغ بالكاد 63 مليار جنيه، أي ما يعادل 3.5 مليارات دولار فقط، ولا يغطي غيرها من السلع التي يستوردها القطاع الخاص من قمح، وذرة، وصويا، وزيوت غذائية، وفول، وعدس، ولحوم، ناهيك عن الأغذية غير الأساسية.

ومع إقرار الوزير بوجود عجز مائي قدره 20 مليار متر مكعب الآن، أدى إلى فجوة في إنتاج القمح قدرها 60%، والذرة 50%، وزيوت الطعام 92%، وفجوة غذائية إجمالية تقترب من الـ70%، يدّعي الوزير أن حكومته سوف تتغلب عليها بالاستيراد، وليس بمضاعفة الإنتاج الزراعي، ما يعني أن معالجة اللواء عبد العاطي للإيدز وفيروس سي بأسياخ الكفتة لم تكن أبدًا شطحة لواء عسكري مخبول، ولكنها منهجية نظام يعطي حلولا فنكوشية لأزمات مستعصية.

هذه السلع سوف تزيد وارداتها، وتتضاعف على المواطن أسعارها، مع زيادة الشح المائي وتراجع الإنتاج الزراعي، وتتفاقم أزمة الغذاء مع انخفاض الدعم واستبعاد الملايين من مستحقي البطاقات التموينية، وحصص الخبز المدعم، مدفوعًا بإصرار الحكومة على الاستجابة لكل طلبات صندوق النقد الدولي، والتي تقضي بتخفيض فاتورة الدعم الاجتماعي إلى أقل حد ممكن.

تهيئة المصريين

لقد أعلن الوزير عن سياسات أخرى لمواجهة أزمة نقص موارد المياه، مثل تدوير مياه الصرف، وتهيئة المصريين لتقبّل العجز المائي، وتحمّل العطش، والتعايش مع أزمة سد النهضة، لكنه لم يعلن من بين هذه الحلول التزام السيسي بتطبيق الدستور والمحافظة على حصة مصر في مياه النيل. 
والعجيب أنه مع انطلاق الجولة الجديدة من ماراثون مفاوضات سد النهضة العبثية في العاصمة السودانية الخرطوم، اليوم الخميس، احتفلت إثيوبيا بالذكرى السابعة لبدء بناء سد النهضة، بينما استمر السيسي في بيع الوقت لإثيوبيا حتى قاربت على الانتهاء من بناء السد العدواني، ليصبح أمرًا واقعًا وكابوسًا مفزعًا.

ولم يعلن السيسي، حتى اللحظة، عن خطة أخرى تضمن حصة مصر المائية، وتلزم إثيوبيا باحترام قوانين الأنهار الدولية ومعاهدات نهر النيل التاريخية، بدلًا من البحث عن حلول وهمية تقوم على استيراد الأغذية لتوفير القليل من مياه النيل المتسربة من سد النهضة.

أو يأخذ السيسي بنصيحة خبراء حوض النيل المصريين، وهم وزراء وسفراء وخبراء مياه دوليون، ويتوجه إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ويستخدم حق مصر في استصدار قرار أممي يلزم إثيوبيا بوقف أعمال بناء السد حتى إنجاز الدراسات الفنية، أو يلزمها بحجم أصغر للسد، أو عدد سنوات أطول للملء، وتعاون منصف في التشغيل، ويتوقف عن طرح بدائل وخدع للمصريين لتكون للنيل بديلا؟ وهو يعلم أن نهر النيل ليس له بديل؟!