نائب الرئيس الأميركي مايك بنس وعد غوايدو قبل أيام من إعلان حركته بـ"دعمٍ حازم للجمعية الوطنية" التي يرأسها، والتي اعتبرت الانتخابات الأخيرة التي جددت لمادورو بأنها "مزيفة". تلا في أعقاب الإعلان، صدور بيانات تأييد عن البيت الأبيض ووزارة الخارجية. ثم قام وزير الخارجية مايك بومبيو بزيارة مفاجئة إلى مقر "منظمة الدول الأميركية" في واشنطن، وألقى كلمة، دعا فيها إلى حشد التأييد الأميركي الجنوبي للرئيس المؤقت.
وذهبت واشنطن إلى حد التلويح بالتدخل العسكري إذا اقتضى الأمر. "كل الخيارات على الطاولة"، قال دونالد ترامب. لغة جديدة وحادة في التعاطي مع النظام الفنزويلي. واللافت أن أقطاب ونخب السياسة الخارجية ووسائل الإعلام المشتبكة مع الرئيس في أكثر من جبهة داخلية وخارجية، سارعت هي الأخرى إلى تأييد موقفه الداعم لحركة غوايدو.
وتشير التلميحات والقراءة بين السطور إلى أن الدوائر الأميركية المعنية والرموز المتشددة في الإدارة، ازداد توجسها من توغل روسيا في فنزويلا وتعمق العلاقة بين الطرفين، والتي وصلت أخيراً إلى حدّ إرسال موسكو قاذفتي قنابل استراتيجية في زيارة إلى كاراكاس. خطوة رمزية أعادت التذكير بزيارات روسية مشابهة، ولو بمهمة أكبر وأخطر، إلى كوبا في بداية الستينيات.
ومع أن تكرار تلك التجربة غير وارد في الحالة الفنزويلية لاختلاف الظروف والدواعي، إلا أن تنامي الروابط والعلاقات العسكرية بين البلدين أعطى ضمناً شحنة من الزخم للقوى المخاصمة لموسكو في واشنطن، وبما حملها على الاندفاع للقطع، وربما الحسم مع مادورو. أما الحديث عن الفساد والانهيار والمجاعة والنزوح في فنزويلا، فهو بالرغم من صحته ليس سوى للتمويه. فهذه العلل التي أنهكت فنزويلا ليست جديدة . استقدام الروس إلى أميركا الجنوبية، يشكل صلب التحرك ضد النظام.
ويبدو من لهجة خطاب المسؤولين، خاصة كلمة بومبيو في منظمة الدول الأميركية، أن الإدارة تتعامل مع الوضع الجديد كمرحلة "انتقالية" صارت بحكم الأمر الواقع على الأرض، ومطالبة الآخرين في الجوار بـ"وجوب" الاعتراف بها ودعمها باعتبارها غير قابلة للتراجع عنها.
لكن درجة الاندفاع أثارت مخاوف بعض الجهات، حتى المؤيدة منها للتحرك ضد مادورو، والتي نبّهت من مغبة الانزلاق "إلى التدخل العسكري"، خاصة في ضوء التحذير الروسي من سلوك هذا السبيل. وكأن هناك إحساساً أو تخوفاً من اللجوء إلى هذا الخيار إذا تأزم الوضع واستعصى ترحيل مادورو الذي يشكك المراقبون في إمكانية زحزحته "ما لم تتخل عنه القيادات العسكرية والأمنية"، خاصة أن وزير الدفاع الفنزويلي أعلن رفضه انتقال السلطة بهذا الشكل ولو أنه "لم يؤكد تأييده للرئيس مادورو".
فهل ترك خط الرجعة مفتوحاً لنقل البندقية من كتف إلى أخرى؟ ثم هل يضمن "تماسك القوات العسكرية ووقوفها معه ضد غوايدو؟". الأسئلة كثيرة، والصورة ليست واضحة بعد. لكن تلويح الإدارة باستخدام القوة، أثار القلق من احتمال انفجار أزمة كبيرة في المدى القريب. إصرار وزارة الخارجية على ترك بعض الدبلوماسيين في كاراكاس، بالرغم من مطالبة مادورو بوجوب مغادرتهم البلاد في غضون 72 ساعة تنتهي يوم السبت المقبل، ينطوي على خطر فتح باب المصادمة إذا ما قام النظام بترحيلهم بالقوة.
سيناريو يستحضر قصة التدخل في غرانادا، عندما تذرع الرئيس رونالد ريغان يومذاك بحماية الأميركيين الموجودين في الجزيرة لغزوها عسكرياً. ومع أن فنزويلا ليست غرانادا، خاصة إذا ما بقي ولاء الجيش للرئيس مادورو، إلا أن واشنطن تواصل تحضير الأجواء، ومنها الدعوة لانعقاد مجلس الأمن بحضور بومبيو غداً، ولو أن الفيتو الروسي يكفل منع صدور أي قرار ضد فنزويلا. لكن تحرك المجلس جزء من التوليفة للعودة إلى نمط التغييرات التي شهدتها أميركا الجنوبية في القرن الماضي.