أسباب بنيوية وأخرى ظرفية فجّرت غضب الشارع العراقي

03 أكتوبر 2019
التظاهرات تحركها الطبقة الأكثر فقراً بالشارع (فرانس برس)
+ الخط -
جاء اجتياح تنظيم "داعش" الإرهابي لمساحات واسعة من العراق، منتصف عام 2014، بمثابة طوق إنقاذ للأحزاب والقوى السياسية المتناوبة على إدارة البلاد منذ عام 2003؛ فالحرب أخذت العراقيين بعيداً عن مشاكل تئن منها شوارعهم، مثل الفقر والبطالة وتردي الخدمات، والأكثر من ذلك المحاصصة الطائفية والحزبية التي أقصت الكفاءات عن المناصب في الدولة.

غير أن جملة ظروف وعوامل تكدست في أقل من 3 أشهر بالعراق كانت كفيلة لاعتبارها شرارة تفجر التظاهرات مرة أخرى، لكن هذه المرة بشكل أكثر عنفوانا، وبدفع من الطبقة الأكثر فقرا في الشارع العراقي.

ووفقا لمراقبين، فإن تظاهرات الأيام الثلاثة الماضية لا يمكن اعتبارها معزولة عن تظاهرات البصرة 2018 أو بغداد 2016، لكنها تعتبر الأكثر تطورا من حيث نوعية الشعارات، والمشاركين فيها الذين لا يعرف لهم انتماء أو جهة داعمة.

تجريف الحكومة مئات المنازل العشوائية في ضواحي بغداد وأطرافها وترك أهاليها بالشارع بلا بديل، على اعتبار أنها منازل غير قانونية مشيدة على أرض مملوكة للدولة، ومن ثم طرد أصحاب "البسطيات"، وهم الباعة الجائلون، وأخيراً الصور المستفزة التي أظهرت إهانة حاملي الشهادات العليا (الماجستير والدكتوراه) في بغداد ورشهم بالماء ثم ضربهم بعد تنظيمهم اعتصاماً أمام مكتب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي للمطالبة بالتوظيف؛ كلّها كانت الشرارة لإطلاق دعوات على "فيسبوك" في السادس والعشرين من سبتمبر/أيلول المنصرم، وجدت صداها عند كثير من العراقيين، ثم جاءت التقارير التي كشفت عن فساد جديد في وزارة الصحة والكهرباء والداخلية، قضم مئات الملايين من الدولارات، لتصبّ الزيت على النار.

ارتفاع معدلات الفقر، إلى جانب البطالة الواضحة في صفوف الشباب، وسوء الخدمات المقدمة، وتهاوي قطاع الصحة والتعليم، وأخيراً الفارق الطبقي الكبير الذي نشأ في العراق بالفترة الماضية، بين طبقة مترفة للغاية وأخرى لا تجد ثمن عشاء يومها، اعتبرت هي أبرز أسباب التظاهرات التي كسرت قوالب سابقة، وتضمن بعضها انتقادات للمؤسسة الدينية في البلاد.



ويعترف عضو ائتلاف "دولة القانون"، سعد المطلبي، بأن "الحكومات التي أعقبت عام 2003 أهملت ملف الوظائف وفرص العمل، بل وأهملت شريحة الشباب بالكامل ولم تستخدمهم في بناء العراق"، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "لقد انحسرت فرص العمل والوظائف بالمقربين من الأحزاب السياسية والفصائل المسلحة، فيما ظل شبّان البلاد في نقمة متزايدة على الحكومات".

كما أن لنقص الخدمات الدور البارز في دفع العراقيين للنزول إلى ساحات المدن والشوارع للمطالبة بتوفيرها، وتتلخص بحق الحصول على مياه صالحة للشرب والكهرباء، وتعمير البنى التحتية لتعبيد الطرق، وتأسيس شبكات الصرف الصحي، وترميم الشوارع والأرصفة، ومنع التجاوزات على الأملاك العامة بواسطة متنفذين، وتوفير طرق حديثة تتناسب مع الزيادة السكانية الهائلة التي يشهدها العراق، وتحديداً في الجنوب. فالبصرة مثلاً، أغنى مدن العراق وعاصمته الاقتصادية، تشكو نقصاً حاداً في المياه الصالحة للاستخدام البشري، وكان لهذا المطلب عاصفة احتجاجية غاضبة سقط لأجلها عشرات القتلى من المحتجين، بنيران القوات العراقية.

ومع انفتاح شباب العراق على العالم الخارجي، ومتابعتهم لمجريات الأحداث والإعلام العالمي، وما تصدره المنظمات الاستقصائية التي تثبت في كل مرة أن معدلات الفساد المالي في العراق بازدياد مستمر، ومراقبتهم كذلك للإعلام المحلي وصراعاته الحزبية، التي أفرزت فضائح عديدة تفيد بتورّط شخصيات سياسية بارزة بعمليات تهريب وغسل للأموال وتوريد أسلحة ومعدات وأغذية فاسدة للعراقيين، مع الإخفاقات الأمنية التي تقع على عاتق مسؤولين، لعل أبرزهم نوري المالكي، وأوضح مثال عليها "سقوط الموصل" بيد تنظيم "داعش"؛ بات مطلب محاسبة السياسيين الفاسدين وتقديم للقضاء، ضمن أولويات الحركات الاحتجاجية.

"كلا كلا للأحزاب"، و"باسم الدين باكونه (سرقونا) الحرامية"، و"الشعب يريد تغيير النظام"، هذه من الشعارات التي رُفعت خلال اليومين الماضيين في بغداد وعدد من مدن الجنوب.

وفي هذا السياق يقول عضو مجلس النواب علي البديري، لـ"العربي الجديد"، إن "العراقيين باتوا لا يؤمنون بالأحزاب، كل الأحزاب، ولعل الدينية منها قد انهارت ولم تعد قادرة على تجميع الناس حولها، حتى الفتاوى الدينية والخطب العاطفية، لم تعد تؤثر بالعراقيين، وتحديداً الجيل الجديد المعروف بتطوره ومواكبته للعلوم والتكنولوجيا، ناهيك عن فشلها  بكل الملفات والوزارات التي مسكتها. وهي لم تنجح في إدارة الدولة العراقية من جهة، وأخفقت في ادارة المحافظات الصغيرة والمعارضين والناقمين، وهذا ما دفع المواطنين إلى رفضها".

من جهته قال عضو التيار المدني إبراهيم العيساوي، لـ"العربي الجديد"، إن "الأسباب التي أخرجت الشارع كثيرة، ولا يمكن فصل موضوع أن النظام السياسي الجديد بعد عام 2003 فشل بشكل كبير في العراق وفقد الناس ثقتهم به"، معتبراً أن أميركا وإيران سبب رئيس فيما وصل له العراق، والمتظاهرون الآن لا يفرقون بينهما في مستوى الأذى، وهذا يعني أن هناك وعيا أو فهما على الأقل لطبيعة الحال في العراق اليوم".