لا أحد ينكر أن من مصلحة الدول الغربية الإبقاء على أسعار النفط منخفضة عند مستوياتها الحالية التي تدور حول 40 دولاراً للبرميل، وربما تتمنى هذه الدول تراجع الأسعار إلى أكثر من ذلك الرقم حتى تصل إلى مرحلة الانهيار، فتراجع النفط في صالح اقتصاديات هذه الدول ومواطنيها مستهلكين ومستثمرين، حيث تخفض معها كلفة الإنتاج في المصانع والشركات، وتخفف الأعباء المعيشية عن المستهلك، لأن سعر الوقود يمثل جزءاً مهماً من ميزانية الأسرة.
إضافة إلى أن خفض سعر الطاقة يساعد في تحريك الاقتصاديات الغربية، فقد أفاد الانخفاض المزارعين والتجار والأسواق وقطاع النقل البري، وكان انخفاض أسعار النفط هدية عظيمة لكل المجتمعات الغربية المستهلكة للنفط، ففقدان سعر البنزين والسولار أكثر من نصف قيمته يوفر للأسرة الغربية ميزانية يمكن توجيهها للإنفاق على أغراض أخرى مثل التعليم والصحة والسياحة والسلع والخدمات، وهذا كله يحرك الاقتصاد الكلي ويرفع معدل النمو الاقتصادي، ويصب في صالح المنتجين والشركات خاصة المستهلكة للطاقة، حيث يزداد الإقبال على السلع لرخص تكلفتها وبالتالي سعرها، وانخفاض الأسعار رتب آثاراً اقتصادية مهمة للاقتصادات الغربية، مثل خفض ضرائب الوقود عن كاهل المستهلكين.
كما قلل تراجع سعر النفط عالمياً من نفقات المشروعات التي تستخدم المشتقات البترولية، ومن بينها تكاليف صناعات الأسمدة والبتروكيماويات والبلاستيك والأقمشة الصناعية، وكل الصناعات التي تستخدم المواد الخام المستخرجة من النفط المكرر.
وهناك فوائد أخرى من انخفاض أسعار النفط، فالعديد من دول العالم تدعم أسعار الوقود، وحسب وكالة الطاقة الدولية، فإن الدعم الحكومي لأسعار الوقود حول العالم بلغ 500 مليار دولار في العام 2014، ذهب منها 267 مليار دولار لدعم أنواع الوقود المشتقة من النفط، وأعطى انخفاض أسعار النفط بعض الحكومات فرصة لخفض دعم المشتقات البترولية.
وفي حالة مثل بريطانيا مثلاً، كان الأثر المباشر لانخفاض أسعار النفط هو حدوث مزيد من عائدات الضرائب للحكومة، اضافة لاستفادة البريطانيين أنفسهم من التراجع.
وأدى انخفاض أسعار النفط، على مدى ما يقرب من عامين، إلى إعادة توزيع الدخل على المستوى الدولي، والنتيجة النهائية هي تحسن معدلات النمو داخل معظم الاقتصاديات الغربية، بسبب فقدان أسعار النفط 70% من قيمتها منذ منتصف العام 2014، وكذا الحال بالنسبة للغاز.
ومن هنا، فإنه ليس من مصلحة الدول الغربية ارتفاع أسعار النفط، ومن هنا يمكن أن نفسر طبيعة التحركات الغربية الأخيرة لوأد أية محاولات لرفع الأسعار، أو استخدام آلية خفض الإنتاج، أو على الأقل تثبيت الإنتاج من قبل المنتجين للنفط لوقف نزيف الأسعار المستمر، والذي ألحق أضرارا بالغة بكبار المنتجين، وفي مقدمتهم دول الخليج وروسيا والعراق وفنزويلا والجزائر وغيرها.
ومع اقتراب انطلاق اجتماع الدوحة الذي يرعاه أكبر منتجين للنفط في العالم، وهما السعودية وروسيا، ودعت له قطر، خرجت أمس عدة توقعات من عواصم غربية تصب كلها في اتجاه واحد، هو أنه حتى ولو حدث اتفاق على تثبيت الإنتاج فإن الأسعار لن تعاود الارتفاع، وهو ما أثّر سلباً على الأسعار وعدّل من مسارها الصعودي.
ومن بين هذه التحركات التقارير الصادرة عن مصارف غربية كبرى مثل كومرس الألماني وغولدمان ساكس الأميركي وباركليز البريطاني والتي تصب كلها في اتجاه واحد هو أن اتفاق كبار المنتجين للنفط على تثبيت الانتاج خلال قمتهم بالدوحة يوم 17 أبريل الجاري لن يثمر عن نتائج، وأن الأسعار ستدور حول 35 دولاراً للبرميل خلال عام 2016.