لم تدم الهدنة بين الحكومة ونقابات الأطباء المستقلة طويلاً في الجزائر، ليعود الأطباء إلى الشارع من دون حدوث أي صدامات مع الشرطة، وليكرروا مطالبهم المهنية والاجتماعية، رافضين أن يكونوا "كبش فداء" المنظومة الصحية
أكثر من عشرة آلاف طبيب شاركوا في مسيرة احتجاجية في الجزائر، بغية تحقيق مطالب مهنية واجتماعية، وإن تضمنت رسائل سياسية تتعلق بالقدرة على تنظيم الشارع والاحتجاجات في البلاد، ودحض الرواية الرسمية التي تثير المخاوف من أي حراك في الشارع، بحجة الفوضى والتخريب.
بعد هدنة قصيرة بين الحكومة والنقابات المستقلة، عاد الحراك إلى قطاع الصحة، إذ لم تلب وزارة الصحة مطالب اجتماعية ومهنية معلّقة منذ سنوات. وشارك أطباء مقيمون (الذين يواصلون الدراسة في الاختصاص) وأطباء وآخرون من العاملين في القطاع الصحي في الاحتجاج (علماً أن الشرارة الأولى بدأت منذ شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) في مدينة وهران غرب البلاد أول من أمس، مطالبين الحكومة بتعديل قانون الخدمة المدنية الذي يجبر الأطباء على العمل فترة في القطاع العام، قبل السماح لهم بفتح عيادات أو مختبرات، وتحسين ظروفهم المهنية في المستشفيات، وتوفير سكن لهم في المناطق الداخلية، حيث يعملون في المستشفيات الحكومية، وشملهم بقرارات العفو من الخدمة الوطنية التي تصدر عن وزارة الدفاع منذ سنوات، والتي تشمل الشباب والطلاب الجامعيين. لكن يستثنى طلاب الطب حصراً من الإعفاء ويلزمون بأداء الخدمة العسكرية تلبية لاحتياجات الجيش. ويطالب الأطباء المقيمون السلطات الأخذ بالاعتبار طول فترة دراستهم التي تمتد 12 عاماً.
تقول الطبيبة مريم حجاب، إن مماطلة وزير الصحة مختار حسبلاوي أكثر من مرة، وغياب الجدية المطلوبة لمناقشة المشاكل وحلها، يدفع الأطباء المقيمين إلى الاستمرار في الاحتجاج، نافية أن يكون الأطباء قد أهملوا المرضى. "نقوم بواجبنا المهني حيال المرضى. هناك محاولات مقيتة من بعض الأطراف لنعت الأطباء بالسوء، لكن يجب على الجميع أن يعرفوا أن ثمة مشاكل لا ترتبط بالأطباء العاملين في المستشفيات أو المراكز الصحية، بل بالتفاصيل التي تشرف عليها وزارة الصحة. ونحن ضد تعليق فشل منظومة الصحة على الأطباء".
وكان لافتاً أن سلمية المسيرة، وهي الثالثة خلال أسبوع بعد مسيرة الأحد الماضي في مدينة قسنطينة، والأربعاء الذي سبقه، كانت مؤشراً إيجابياً للأطباء ونقاباتهم وغيرها من النقابات في قطاعات أخرى. يقول النائب في البرلمان نصر الدين حمدادوش إن "الصدام وخلق التوتر تفتعله السلطة لتخريب الحراك الاحتجاجي وتوفير مبررات للقمع"، في إشارة إلى مسيرة يوم الأربعاء الماضي وسط العاصمة الجزائرية، والتي انتهت بوقوع صدام دامٍ بين الأطباء والشرطة، التي استخدمت القوة لفض الاعتصام ومنع الأطباء من تنظيم المسيرة استناداً إلى قرار بمنع المسيرات في العاصمة الجزائرية الساري المفعول منذ يونيو/ حزيران 2001.
اقــرأ أيضاً
من جهته، يقول الطبيب فاتح قصاد إن صورة ضرب الأطباء كانت مؤلمة بالنسبة للرأي العام في البلاد، لافتاً إلى أنها كانت "اغتيالاً لرمزية الطبيب". يضيف: "لم نكن نستحق العصا، نحن الذين درسنا 12 عاماً وتفوقنا في الجامعة والمدرسة"، مشيراً إلى أن هناك أكثر من دافع بالنسبة للأطباء للاحتجاج بسبب هشاشة المنظومة الصحية في البلاد. ويؤكد أن الأطباء يرفضون أن يكونوا كبش فداء لتغطية فشل المنظومة الصحية".
أما الطبيب المقيم عبد الله بن رحو، فيرى أن مسيرة وهران كانت انتصاراً كبيراً بالنسبة للأطباء في الجزائر واسترجاعاً لكرامتهم، بعد الصدام في العاصمة الجزائرية. يقول إن مسيرة الكرامة في وهران كانت تحولاً نوعياً ومؤشراً على تنظيم محكم ووعي عميق من قبل الأطباء، إضافة إلى تعاون مع الشرطة. هكذا، يثبت الأطباء لكل الجزائر حكومة وشعباً أنهم حضاريون وقادرون على تجنب الصدامات والتعبير عن الآراء بكل سلمية. ويشير إلى أن الأطباء ينتظرون استجابة السلطات العليا لمطالبهم كاملة.
وحتى العقد الماضي، كان الأطباء في الجزائر أقل الفئات المهنية احتجاجاً أو انخراطاً في العمل النقابي. لكن خلال السنوات الأخيرة، لم تعد السلطة تُحكم قبضتها على القطاع الصحي، إضافة إلى النقابة المركزية التابعة للسلطة، وباتت النقابات المستقلة تهيمن على المشهد، ما سمح للأطباء بالنضال والسعي إلى تحقيق مكاسب اجتماعية ومهنية، لا بد أن تنعكس إيجاباً على صحة المرضى.
وكان وزير الصحة قد دعا مساء الاثنين الماضي الأطباء المقيمين إلى التعقل، وتغليب مصلحة المريض قبل أي اعتبار آخر، مشدداً على أن إلغاء نظام الخدمة المدنية بالنسبة للأطباء المتخرجين حديثاً غير وارد، نافياً أن يكون هذا النظام قد فشل، كما يقول الأطباء، مشدداً على أن الخدمة المدنية مكنت من توفير تغطية طبية لكل التراب الوطني، وتوفير أطباء في كل التخصصات. واعترف أن هناك بعض النواقص المتعلقة بالإمكانيات التي توفر للطبيب للمقيم حين يرسل للعمل في المناطق النائية، لكن هذا لا يعني أن النظام فشل.
اقــرأ أيضاً
أكثر من عشرة آلاف طبيب شاركوا في مسيرة احتجاجية في الجزائر، بغية تحقيق مطالب مهنية واجتماعية، وإن تضمنت رسائل سياسية تتعلق بالقدرة على تنظيم الشارع والاحتجاجات في البلاد، ودحض الرواية الرسمية التي تثير المخاوف من أي حراك في الشارع، بحجة الفوضى والتخريب.
بعد هدنة قصيرة بين الحكومة والنقابات المستقلة، عاد الحراك إلى قطاع الصحة، إذ لم تلب وزارة الصحة مطالب اجتماعية ومهنية معلّقة منذ سنوات. وشارك أطباء مقيمون (الذين يواصلون الدراسة في الاختصاص) وأطباء وآخرون من العاملين في القطاع الصحي في الاحتجاج (علماً أن الشرارة الأولى بدأت منذ شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) في مدينة وهران غرب البلاد أول من أمس، مطالبين الحكومة بتعديل قانون الخدمة المدنية الذي يجبر الأطباء على العمل فترة في القطاع العام، قبل السماح لهم بفتح عيادات أو مختبرات، وتحسين ظروفهم المهنية في المستشفيات، وتوفير سكن لهم في المناطق الداخلية، حيث يعملون في المستشفيات الحكومية، وشملهم بقرارات العفو من الخدمة الوطنية التي تصدر عن وزارة الدفاع منذ سنوات، والتي تشمل الشباب والطلاب الجامعيين. لكن يستثنى طلاب الطب حصراً من الإعفاء ويلزمون بأداء الخدمة العسكرية تلبية لاحتياجات الجيش. ويطالب الأطباء المقيمون السلطات الأخذ بالاعتبار طول فترة دراستهم التي تمتد 12 عاماً.
تقول الطبيبة مريم حجاب، إن مماطلة وزير الصحة مختار حسبلاوي أكثر من مرة، وغياب الجدية المطلوبة لمناقشة المشاكل وحلها، يدفع الأطباء المقيمين إلى الاستمرار في الاحتجاج، نافية أن يكون الأطباء قد أهملوا المرضى. "نقوم بواجبنا المهني حيال المرضى. هناك محاولات مقيتة من بعض الأطراف لنعت الأطباء بالسوء، لكن يجب على الجميع أن يعرفوا أن ثمة مشاكل لا ترتبط بالأطباء العاملين في المستشفيات أو المراكز الصحية، بل بالتفاصيل التي تشرف عليها وزارة الصحة. ونحن ضد تعليق فشل منظومة الصحة على الأطباء".
وكان لافتاً أن سلمية المسيرة، وهي الثالثة خلال أسبوع بعد مسيرة الأحد الماضي في مدينة قسنطينة، والأربعاء الذي سبقه، كانت مؤشراً إيجابياً للأطباء ونقاباتهم وغيرها من النقابات في قطاعات أخرى. يقول النائب في البرلمان نصر الدين حمدادوش إن "الصدام وخلق التوتر تفتعله السلطة لتخريب الحراك الاحتجاجي وتوفير مبررات للقمع"، في إشارة إلى مسيرة يوم الأربعاء الماضي وسط العاصمة الجزائرية، والتي انتهت بوقوع صدام دامٍ بين الأطباء والشرطة، التي استخدمت القوة لفض الاعتصام ومنع الأطباء من تنظيم المسيرة استناداً إلى قرار بمنع المسيرات في العاصمة الجزائرية الساري المفعول منذ يونيو/ حزيران 2001.
من جهته، يقول الطبيب فاتح قصاد إن صورة ضرب الأطباء كانت مؤلمة بالنسبة للرأي العام في البلاد، لافتاً إلى أنها كانت "اغتيالاً لرمزية الطبيب". يضيف: "لم نكن نستحق العصا، نحن الذين درسنا 12 عاماً وتفوقنا في الجامعة والمدرسة"، مشيراً إلى أن هناك أكثر من دافع بالنسبة للأطباء للاحتجاج بسبب هشاشة المنظومة الصحية في البلاد. ويؤكد أن الأطباء يرفضون أن يكونوا كبش فداء لتغطية فشل المنظومة الصحية".
أما الطبيب المقيم عبد الله بن رحو، فيرى أن مسيرة وهران كانت انتصاراً كبيراً بالنسبة للأطباء في الجزائر واسترجاعاً لكرامتهم، بعد الصدام في العاصمة الجزائرية. يقول إن مسيرة الكرامة في وهران كانت تحولاً نوعياً ومؤشراً على تنظيم محكم ووعي عميق من قبل الأطباء، إضافة إلى تعاون مع الشرطة. هكذا، يثبت الأطباء لكل الجزائر حكومة وشعباً أنهم حضاريون وقادرون على تجنب الصدامات والتعبير عن الآراء بكل سلمية. ويشير إلى أن الأطباء ينتظرون استجابة السلطات العليا لمطالبهم كاملة.
وحتى العقد الماضي، كان الأطباء في الجزائر أقل الفئات المهنية احتجاجاً أو انخراطاً في العمل النقابي. لكن خلال السنوات الأخيرة، لم تعد السلطة تُحكم قبضتها على القطاع الصحي، إضافة إلى النقابة المركزية التابعة للسلطة، وباتت النقابات المستقلة تهيمن على المشهد، ما سمح للأطباء بالنضال والسعي إلى تحقيق مكاسب اجتماعية ومهنية، لا بد أن تنعكس إيجاباً على صحة المرضى.
وكان وزير الصحة قد دعا مساء الاثنين الماضي الأطباء المقيمين إلى التعقل، وتغليب مصلحة المريض قبل أي اعتبار آخر، مشدداً على أن إلغاء نظام الخدمة المدنية بالنسبة للأطباء المتخرجين حديثاً غير وارد، نافياً أن يكون هذا النظام قد فشل، كما يقول الأطباء، مشدداً على أن الخدمة المدنية مكنت من توفير تغطية طبية لكل التراب الوطني، وتوفير أطباء في كل التخصصات. واعترف أن هناك بعض النواقص المتعلقة بالإمكانيات التي توفر للطبيب للمقيم حين يرسل للعمل في المناطق النائية، لكن هذا لا يعني أن النظام فشل.