يواجه العاملون في المجال الصحي في العراق ضغوطا كبيرة، بين تهديد فيروس كورونا والاعتداءات بالضرب والتجاوز اللفظي من قبل ذوي المرضى. فقد سجّل تصاعد في حالات الاعتداءات الجسدية واللفظية على الطواقم الطبية، وتحميلهم مسؤولية وفاة المريض أو عدم استجابته للعلاج، أو حتى نقص المعدات الطبية داخل المستشفيات.
تقول الطبيبة آلاء علي، إنّ "أطباء العراق، يتعرّضون إلى التهديدات العلنية، إلى جانب مخاطر فيروس كورونا، سواء كانت من أشخاص عاديين أو تهديدات عشائرية أو من فصائل مسلّحة. إذ أصبحت لغة التهديد والاعتداء ثقافة سائدة بين أوساط المجتمع، بعد أن غاب دور القانون الرادع لمواجهة هذه الظاهرة. وأغلب هذه الاعتداءات تحدث من قبل مرافقي المرضى، عند وفاة قريبهم أو تدهور حالته الصحية، وهذا يجعلنا، كأطباء وباقي العاملين في هذا المجال، نعيش في قلق دائم من تلك التهديدات".
وأضافت علي لـ"العربي الجديد"، وهي طبيبة مقيمة في أحد مستشفيات محافظة صلاح الدين، إنّ "العراق يعاني من منظومة صحية متهالكة أثّرت سلباً على حياة المرضى. الكثير من زملائي الأطباء أصيبوا بفيروس كورونا، وبعضهم فقد حياته نتيجة لذلك. من يتحمّل هذه المسؤولية؟ هل نعتدي بالضرب على الأطباء الآخرين؟! إنّ لغة التهديد هذه يجب أن تتوقف بإجراءات مشدّدة ضدّ كلّ من يقوم بانتهاك حرمة الأطباء أو الاعتداء عليهم، وألا تنتهي الدعاوى القضائية بفصل عشائري، كما يحصل دائماً، وعلى المحاكم والقوى الأمنية أن تتحمّل مسؤوليتها في حماية الطواقم الصحية، والأطباء بشكل خاص، من ظاهرة الاعتداءات المتكررة، لأنّ ذلك يدعونا للتفكير جلياً بالهجرة، خوفاً على حياتنا وحياة أسرنا".
#اعتداء وحشي على طبيب من قبل أهل مريضة متوفاه #قناة_دجلة_الفضائية pic.twitter.com/U7UXbjwp4R
— قناة دجلة الفضائية (@DijlahTv) July 25, 2020
بدورها أكّدت القاضية، سيماء نعيم هوين، أنّ حالات الاعتداء على الأطباء زادت خلال جائحة كورونا، مشيرة إلى أنّ العقوبة جزائية مع تعويض مدني. ففي حال تنازل الطبيب المشتكي عن حقّه المدني فلا يترتب عليه إغلاق الشكوى، وتُعتبر من جرائم الحق العام، وتتم إحالة مرتكبيها إلى المحكمة. وتكرار تعرّض أطباء العراق إلى العنف، دفع الكثير منهم إلى الهجرة إلى خارج البلاد، رغم الحاجة إلى خدماتهم واختصاصهم، ما دفع بالمشرّع العراقي إلى سنّ قانون حماية الأطباء رقم 26 لسنة 2013، إذ أكّدت المادة الأولى منه على حماية الأطباء من الاعتداء والمطالبات والملاحقات العشائرية وابتزازهم بنتائج أعمالهم الطبية.
ولفتت هوين، في تصريح صحافي، إلى أنّ المادة الخامسة من القانون حدّدت عقوبة كل من يدعي مطالبة عشائرية أو غير قانونية ضدّ نتائج أعمال طبيب، بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة ملايين دينار، ويعاقب كلّ من تعدّى على طبيب أثناء ممارسة مهنته أو تأدية واجبه، بالعقوبة المقرّة بقانون العقوبات العراقي، وهي الاعتداء على موظف. والمادة الثالثة من القانون، تنصّ على عدم جواز إلقاء القبض أو توقيف الطبيب المقدمة ضدّه شكوى لأسباب مهنية طبية، إلاّ بعد إجراء تحقيق مهني من قبل لجنة وزارية مختصّة.
🔴#اعتداء_اخر ،لحظة الاعتداء
— Firas W. Alsarray - فراس السراي (@firasalsarrai) August 29, 2020
على الدكتور رائد حليم السعد
في عيادته اول امس
في الاسكان بالنجف
🔴 مؤسف ان ترى حالات الاعتداء
على الكوادر الطبية بين فترة واخرى
توصف بانها همجية وغير اخلاقية
وان كان هناك تقصير
من طرف على طرف اخر
فالقانون هو الفصل والحكم بما يقضي#_طبيب_بلا_حمايه pic.twitter.com/Hv3q6HXFsM
وقد سجّلت وزارة الصحة العديد من الاعتداءات على الأطباء، آخرها الاعتداء على الطبيبة هدى يونس، المقيمة في مستشفى الهاشمية، بالضرب وترك عاهة في وجهها، إضافة إلى الاعتداء على مدير مستشفى، داخل محافظة النجف جنوبي العراق. وقد نظّم عشرات الأطباء العراقيين من مختلف المحافظات، خلال شهر سبتمبر/أيلول الجاري، وقفة احتجاجية بالعاصمة بغداد للمطالبة بحمايتهم، عبر تفعيل قانون حماية الأطباء من تكرار الاعتداءات عليهم من قبل ذوي المرضى منذ سنوات طويلة، حتى أنّ بعضهم يواجهون ملاحقات عشائرية، إذ يتوجب عليهم دفع تعويض لذوي مرضى متوفين أو مواجهة الانتقام.
وفي شهر أغسطس/آب الماضي، قالت وزارة الصحة، في بيان لها، إنها لن تتهاون في مكافحة ما وصفته بـ"الظاهرة الغريبة"، ودعت المؤسسات الأمنية والقضائية إلى محاسبة المعتدين. وتشير الإحصاءات الرسمية إلى وفاة نحو 50 طبيباً عراقياً نتيجة الإصابة بفيروس كورونا، وإصابة أكثر من 1300 آخرين بالفيروس.