كبيرة هي معاناة أطفال سورية. في كلّ يوم، يعيشون تجارب جديدة أو استثنائية، لا يفترض أن يمرّوا بها. ولا شكّ في أنّ كلّ ما عاشوه سيبقى محفوراً في ذاكرتهم. كلّ ما يقال أو يكتب ليس إلّا جزءاً يسيراً من مأساة جيل المستقبل، وسط صمت العالم. هؤلاء سيجرّون وراءهم دائماً حملاً ثقيلاً هو ماضي الحرب.
"فوبيا"
عادة ما يُجذب الأطفال لمشهد طائرة في السماء. وما إن يسمعوا صوتها، يخرجوا لمشاهدتها والركض خلفها، آملين أن يتمكنوا من اللحاق بها. وحين يعودون إلى المنزل، يسألون أمهاتهم متى يمكنهم الصعود إليها. لكن يحدث العكس تماماً مع أطفال سورية وحتّى كبارها. فقد تحوّلت الطائرات إلى مصدر للخوف.
ليلى، وهي أمّ لطفلتين يعيشون في حلب، تقول إنه "في البداية، نسمع صوت الطائرات ثم الانفجارات والبراميل. وكلّما سمعت طفلتاي صوت الطائرة، تصابان بحالة هلع، وتبكيان بكاء هستيرياً، حتى أنّني أخاف عليهما من الاختناق".
من جهته، يقول محمد، وهو أب لثلاثة أطفال، ويعيش مع عائلته في إسطنبول، إن أطفاله يكرهون الطائرات كثيراً. "لم يقتنع ابني الصغير بعد بأن الطائرة هي وسيلة نقل، هو الذي عرفها وسيلة للقتل فحسب. وحين اكتشف زملاؤه الأتراك في المدرسة أنه يخاف الطائرة، فوجئوا وبدأوا يسخرون منه ويحاولون إسماعه صوتها. كان أطفالي يهربون من الطائرات بدلاً من اللّحاق بها، علماً أنّي أوضحت لهم الفرق بين طائرات سورية والطائرات هنا. إلا أنهم لم يتخلصوا من هذا الخوف بعد".
شيلكا
بات أطفال سورية يحفظون جميع أنواع الأسلحة المستخدمة، كالشيلكا والقناصة والكلاشينكوف والرصاص الكشاف. كذلك، باتوا قادرين على تمييز أصواتها من بعيد. تقول ديمة، وهي من مدينة حلب: "أوّل ما نفعله حين نسمع صوت انفجار هو التفكير في نوعه ومكانه، استناداً إلى طبيعة الصوت وشدته. حتى الأطفال باتوا قادرين على فعل ذلك". تضيف أن ألعاب الصغار تغيّرت، وباتت عبارة عن حروب تستخدم فيها القذائف والبراميل المتفجّرة.
"أتمنّى العيش"
الحياة الصعبة التي يعيشونها تدفع عدداً كبيراً من المتطوعين والعاملين في المنظّمات الإنسانية إلى تنظيم نشاطات لمساعدة الأطفال وإشعارهم بالأمل والأمان، خصوصاً أولئك الذين يعيشون في المناطق التي تشهد قصفاً مستمراً من قبل طائرات النظام. وكثيراً ما يشهد هؤلاء المتطوّعون على حكايا مأساوية. ميسون، وهي مدرّسة تعيش في ريف دمشق، تقول إن هذه النشاطات تهدف إلى إخراج الأطفال من أجواء الحرب. تضيف أنه قبل أيام، كنّا نسأل الأطفال عن أمنياتهم. تمنّى بعضهم بيتاً مليئاً بالطعام، فيما تمنّى آخرون السفر. لكن كان لأحد الأطفال تأثير كبير عليها، هو الذي قال: "أتمنى أن أعيش". بعدما فقد شقيقه، صار يشعر بأنّه على حافة الموت في أية لحظة. تسأل: "هل يمكن لأحد أن يتخيل طفلاً يفكّر بأن الموت قريب منه؟".
حلم المدرسة
ربّما يتذمّر أطفال كثيرون من الاستيقاظ باكراً والذهاب إلى المدرسة، بعكس عدد كبير من أطفال سوريّين يحلمون بالذهاب إلى المدرسة. رغم وجود مدارس في العديد من المدن، إلا أنّ فرصة الالتحاق بها لا تتاح لجميع الأطفال، ويحرم منها أولئك الذين يضطرون للعمل لإعالة أنفسهم وعائلاتهم. تقول سما، وهي مدرّسة تعيش في مدينة إدلب، إنّه بعد وفاة جارها نتيجة غارة جوية، ترك ثلاثة أطفال أيتام، فاضطرّ ابنه الأكبر محمد (12 عاماً) لترك المدرسة والعمل في بيع الخضار. "في أحد الأيام، سألني إن كنت أستطيع تأمين كتب الصف السابع له. كنت أحلم منذ زمن أن أصبح في الإعدادية، لكنّني لم أعرف أن والدي سيموت". والدته رفضت بشكل قاطع عودته إلى المدرسة، لافتة إلى أن ليس لديهم من يعيلهم. أما الجارة، فقرّرت إعطائه دروساً مسائية في الرياضيات والعلوم، ووعدته بأن تسعى إلى تأمين إجرائه الامتحانات في إحدى المدارس إذا درس جيداً. تلفت إلى أن المدرسة باتت أمنية لدى آلاف الأطفال العاملين، خصوصاً الذين نزحوا من بيوتهم إلى المخيمات.
دلاء
بسبب الانقطاع المستمر والمتواصل للمياه عن مدينة حلب، تحوّلت مهمة حمل المياه من الآبار إلى عبء يومي يثقل كاهل مئات الأطفال في المدينة، إذ تعتمد معظم العائلات على أطفالها لتعبئة المياه وحملها من نقاط التوزيع ومن الآبار إلى المنازل. فاطمة (عشر سنوات)، باتت تشكو من ألم في يديها وظهرها بسبب حمل المياه كل يوم. يوضح الطبيب عبد الله، وهو من حلب، أن حمل الأطفال للمياه بات ظاهرة اجتماعية متفشيّة في المدينة منذ ثلاث سنوات، لافتاً إلى أن "الأهالي ينشغلون بأعمالهم ويتركون أطفالهم ينتظرون أدوارهم أمام الآبار ليحملوها إلى البيت. هذا الأمر يؤثّر سلباً على صحة الأطفال لأنّ الدلاء ثقيلة وتشكل ضغطاً على عمودهم الفقري، ما يؤثّر سلباً في نموهم. ويمكن لأيّ شخص أن يلاحظ انحناءة الظهر في أجساد الصغار".
اقــرأ أيضاً
"فوبيا"
عادة ما يُجذب الأطفال لمشهد طائرة في السماء. وما إن يسمعوا صوتها، يخرجوا لمشاهدتها والركض خلفها، آملين أن يتمكنوا من اللحاق بها. وحين يعودون إلى المنزل، يسألون أمهاتهم متى يمكنهم الصعود إليها. لكن يحدث العكس تماماً مع أطفال سورية وحتّى كبارها. فقد تحوّلت الطائرات إلى مصدر للخوف.
ليلى، وهي أمّ لطفلتين يعيشون في حلب، تقول إنه "في البداية، نسمع صوت الطائرات ثم الانفجارات والبراميل. وكلّما سمعت طفلتاي صوت الطائرة، تصابان بحالة هلع، وتبكيان بكاء هستيرياً، حتى أنّني أخاف عليهما من الاختناق".
من جهته، يقول محمد، وهو أب لثلاثة أطفال، ويعيش مع عائلته في إسطنبول، إن أطفاله يكرهون الطائرات كثيراً. "لم يقتنع ابني الصغير بعد بأن الطائرة هي وسيلة نقل، هو الذي عرفها وسيلة للقتل فحسب. وحين اكتشف زملاؤه الأتراك في المدرسة أنه يخاف الطائرة، فوجئوا وبدأوا يسخرون منه ويحاولون إسماعه صوتها. كان أطفالي يهربون من الطائرات بدلاً من اللّحاق بها، علماً أنّي أوضحت لهم الفرق بين طائرات سورية والطائرات هنا. إلا أنهم لم يتخلصوا من هذا الخوف بعد".
شيلكا
بات أطفال سورية يحفظون جميع أنواع الأسلحة المستخدمة، كالشيلكا والقناصة والكلاشينكوف والرصاص الكشاف. كذلك، باتوا قادرين على تمييز أصواتها من بعيد. تقول ديمة، وهي من مدينة حلب: "أوّل ما نفعله حين نسمع صوت انفجار هو التفكير في نوعه ومكانه، استناداً إلى طبيعة الصوت وشدته. حتى الأطفال باتوا قادرين على فعل ذلك". تضيف أن ألعاب الصغار تغيّرت، وباتت عبارة عن حروب تستخدم فيها القذائف والبراميل المتفجّرة.
"أتمنّى العيش"
الحياة الصعبة التي يعيشونها تدفع عدداً كبيراً من المتطوعين والعاملين في المنظّمات الإنسانية إلى تنظيم نشاطات لمساعدة الأطفال وإشعارهم بالأمل والأمان، خصوصاً أولئك الذين يعيشون في المناطق التي تشهد قصفاً مستمراً من قبل طائرات النظام. وكثيراً ما يشهد هؤلاء المتطوّعون على حكايا مأساوية. ميسون، وهي مدرّسة تعيش في ريف دمشق، تقول إن هذه النشاطات تهدف إلى إخراج الأطفال من أجواء الحرب. تضيف أنه قبل أيام، كنّا نسأل الأطفال عن أمنياتهم. تمنّى بعضهم بيتاً مليئاً بالطعام، فيما تمنّى آخرون السفر. لكن كان لأحد الأطفال تأثير كبير عليها، هو الذي قال: "أتمنى أن أعيش". بعدما فقد شقيقه، صار يشعر بأنّه على حافة الموت في أية لحظة. تسأل: "هل يمكن لأحد أن يتخيل طفلاً يفكّر بأن الموت قريب منه؟".
حلم المدرسة
ربّما يتذمّر أطفال كثيرون من الاستيقاظ باكراً والذهاب إلى المدرسة، بعكس عدد كبير من أطفال سوريّين يحلمون بالذهاب إلى المدرسة. رغم وجود مدارس في العديد من المدن، إلا أنّ فرصة الالتحاق بها لا تتاح لجميع الأطفال، ويحرم منها أولئك الذين يضطرون للعمل لإعالة أنفسهم وعائلاتهم. تقول سما، وهي مدرّسة تعيش في مدينة إدلب، إنّه بعد وفاة جارها نتيجة غارة جوية، ترك ثلاثة أطفال أيتام، فاضطرّ ابنه الأكبر محمد (12 عاماً) لترك المدرسة والعمل في بيع الخضار. "في أحد الأيام، سألني إن كنت أستطيع تأمين كتب الصف السابع له. كنت أحلم منذ زمن أن أصبح في الإعدادية، لكنّني لم أعرف أن والدي سيموت". والدته رفضت بشكل قاطع عودته إلى المدرسة، لافتة إلى أن ليس لديهم من يعيلهم. أما الجارة، فقرّرت إعطائه دروساً مسائية في الرياضيات والعلوم، ووعدته بأن تسعى إلى تأمين إجرائه الامتحانات في إحدى المدارس إذا درس جيداً. تلفت إلى أن المدرسة باتت أمنية لدى آلاف الأطفال العاملين، خصوصاً الذين نزحوا من بيوتهم إلى المخيمات.
دلاء
بسبب الانقطاع المستمر والمتواصل للمياه عن مدينة حلب، تحوّلت مهمة حمل المياه من الآبار إلى عبء يومي يثقل كاهل مئات الأطفال في المدينة، إذ تعتمد معظم العائلات على أطفالها لتعبئة المياه وحملها من نقاط التوزيع ومن الآبار إلى المنازل. فاطمة (عشر سنوات)، باتت تشكو من ألم في يديها وظهرها بسبب حمل المياه كل يوم. يوضح الطبيب عبد الله، وهو من حلب، أن حمل الأطفال للمياه بات ظاهرة اجتماعية متفشيّة في المدينة منذ ثلاث سنوات، لافتاً إلى أن "الأهالي ينشغلون بأعمالهم ويتركون أطفالهم ينتظرون أدوارهم أمام الآبار ليحملوها إلى البيت. هذا الأمر يؤثّر سلباً على صحة الأطفال لأنّ الدلاء ثقيلة وتشكل ضغطاً على عمودهم الفقري، ما يؤثّر سلباً في نموهم. ويمكن لأيّ شخص أن يلاحظ انحناءة الظهر في أجساد الصغار".