أرتدي طقمي المعتاد من الهباء، الآن. لم أُتقن إلى حدّ الساعة طريقة ربط هذه المشنقة الكلاسيكية حول عنقي، لكنني أمتّن العقدة جيّداً اتّقاءً لأية حياة تتربّص بي في المنحدر القريب. أُضمر أثناءها أنني سأقتني باقة ورد من أوّل متجرٍ يصادفهُ اختناقي، للحبيبة التي لم أر وجهها منذُ شهر و22 يوماً. لا يستهويني شكل حذائي اليوم، ولا المشي على هذه الأرض المستهلَكة.
يُغريني أن أُغمض عينيَّ لأرى الطريق تتجرّد من المسافة، فيما الأرصفةُ تبيعُ خطواتي القديمة في شكل جرائد تحوي شعراً كُتِبَ لها. وحدهم القرّاء جوقة أصدقائي من الكلاب الضالّة والقطط والمشرّدين.
أفتحُ عينيّ، نفسها الخيبة، أرى على جدار الغرفة ذات الساعة المعطّلة على 12:37، نفس الغبارِ يقضمُ عقارب الزمن، أتفطّن حينها إلى أن للزمن عقارب تلسعُ السكارى مثلي، تعلّمني في الليل أصول البوح والدوران برتابة في مركز الوجع، فيما في الصباح أجدُني مرصّعاً بالخدوش جرّاء معركة مع ظلّي الذي أرديتهُ جريحاً في نهاية الحكاية، ملطّخاً بدم أكتشفُ، بعد ذهول، أنه نبيذ رديء.
أظنّهُ الخميس اليوم، يجب أن أستحثَّ الصحوَ وأحفظ ما كنتُ قد كتبتُ على آخر طاولة في بار، وعلى الأرجح أني كتبتُ قصيدة حب، لم أُرد بها شيئا إلاّ الحب نفسه، و لا أريد من أنثاي إلّا أن تفضحَ نظامي الذكوري المترهّل، نظامي هذا الذي لا يقوى حتى على إطفاء حرائقي الــ سَبّبتها بقبلة، أشعلتني بقبلة، وكلّي خراطيم.
أقف كاملاً إلاّ من جدوايَ، أمام هذه المرآة الشاحبة، هي لا تكذبُ لكنهاَ أكثرُ صراحة من أكاديمي اكتشف حبكَ لابنتهِ، فمارست انطباعها الدخيل على مناهج الضوء.
صورتكَ المتعرّجة، المنعكسة، تمنحكَ الشعورَ بالأمان الآن، تُدركَ أن اللص الذي ينتظرك عادة ليخطف هاتفك النقال الجديد سيتسامح مع غفلتكِ هذه المرة، فشكلكَ الإنساني لا يُغري حتى على الشفقة أيضاً.
حينها فقط تتفطّن، تمارسُ التمعّن بالتصوير البطيء، وكأنك اكتشفتَ أنّ ثمةَ ما...
تتفطّنُ بغير قصد للصوص الفكرة وأنت الوحيد الــ يعلمُ ما برأسك الآن.
تتسمّر في مكانك، تحمدُ كل ربِّ عبدتَه على أنّ الساعة معطلة
تلتفتُ فيكَ
لا تجدُ مخرجاً إلا دواخلكَ
تريد الهروبَ، والهروبُ لاجئ من تخدر انفعالاتك.
ترتعش كما سطح بركة لا تفرّق بين حجارة الأطفال وحبّات المطر.
تدركُ أنكّ مصاب في النواة فيما المدار تلاشى.
ففجأة، تقرّر، وبغير فكرةٍ، نزع رأسك، هكذا، ووضعها هناك، في الخزانة، كما علّمتك أمكَ في غابر الأبِ، وسط الملابس المطوية بطريقة رجل ممضوغ بالعزوبة والأهواء.
ثم تقرّر الخروج بكامل هبائك، بهذا الطقم الفاره وهذه الربطة، تفكّر في إهداء باقة ورد لحبيبتك في المنحدر القريب، فيما خطواتك باتت قصاصات شعر توزّعها الأرصفة على الكلاب والقطط.
* شاعر من الجزائر