مصارعُ الثيران
غرفةٌ في نُزُلٍ يقع في إحدى القرى. الجدران مطليّة بالكلس، سريرٌ حديديّ، النافذة مُسيّجة بقضبان حديديّة، وعلى أُسكُفَّتِها أزهار نبتة إبرة الرّاعي. على السرير يجلس مراهق شاحب يرتدي بِذلة مصارع ثيران. إلى جانبه رجلٌ بوجهٍ مُهشّم ذي تعبير يلفعه غيابٌ، كوجه شخصٍ يعيش مُستذكراً ماضيه. عبر النافذة المفتوحة، تندسّ في الغرفة فرقعات الألعاب الناريّة وصيحات ابتهاج الناس.
مصارع الثيران: إيه..
الرجل: ماذا؟
مصارع الثيران: هل رأيت الثيران؟
الرجل: نعم.
مصارع الثيران: وماذا؟
الرجل: لا شيء أبداً. إنّها كإناث القِردة.
مصارع الثيران: إناث القردة؟!
الرجل: سوى أنّ لها قرنان.
مصارع الثيران: ياللخسارة.
صمْت. يُلقي مصارع الثيران نحو النافذة نظرةً مليئة بالقلق، ويشعر كما لو أنّ زُرقة السماء الكثيفة تخبط أعماقه.
مصارع الثيران: (بعد وقفٍ فاصل) وماذا إنْ أمطرت؟
الرجل: لا تقلق. لن تمطر.
مصارع الثيران: لن تمطر؟!
الرجل: كلّا. هنا لا يهطل المطر.
مصارع الثيران: أبداً؟
الرجل: على الإطلاق، ولا حتّى في نيسان. في هذه القرية لا يعرفون ما هو المطر.
صمْت. ينظر الرجل إلى ساعة يده. مصارع الثيران الفتيّ يتنفس باضطرابٍ مُستنداً برأسه إلى الوسادة. في الغرفة يختلج شعور مسبق بدُنوّ فاجعةٍ. في ساحة القرية خارجاً، العرباتُ فرَغت لتوّها من الاصطفاف مغلِقةً حلقة دائريّة شبه متقنة، بينما راحتِ النّسور التي انتظرت متثائبةً بين الحين والآخر هذه اللحظة، تنفض القشّ عن أجنحتها الكبيرة.
قلق
ضَيعةٌ وأرضٌ مقفرة. شمس المغيب. أبٌ وابنٌ جالسان على حافّة الطريق المُفضية إلى المقبرة. فوق التربة الرطبة، الديدانُ تسعى بفضل الانقباضات في الطبقة العضلية تحت جلدها.
الابن: أبي.
الأب: أخبرني.
الابن: (مادّاً ذراعه، مُشيراً نحو الأفق) اُنظرْ إلى تلك الطاحونة الهوائيّة.
الأب: أين ترى أنت طاحونةً؟
الابن: هناك.
الأب: ذلك ليس طاحونةً، يا بُنيّ.
الابن: ما هو إذاً؟
الأب: إنه عملاقٌ.
الابن: عملاقٌ؟!
الأب: بدون أيّ شكّ. تمعّن جيداً. إنه ساكن الآن، يتوسَّم المنظر من عُلوٍ. لكنه عمّا قريب سيأخذ في المشي، ومع كلّ خطوة واسعة من خطواته سيقطع فرسخاً.
الابن: (بصوتٍ يعتريه أسفٌ) إني لا أرى أنّ ذلك عملاقٌ.
الأب: بل إنه كذلك.
الابن: عملاقٌ بأبوابٍ ونوافذَ؟ عملاقٌ بقرميدٍ وأجنحةِ طاحونة؟
الأب: نعم عملاقٌ.
الابن: أنا أرى طاحونةً فحسب.
الأب: كيف ذلك؟ طاحونة؟!
الابن: نعم، طاحونة، كالتي نعرفها ونراها دائماً.
الأب: (مُديراً رأسه ببطءٍ ليُحدّق في استقامةٍ في عيني ابنه) إنّك تُقلقني.
صمْت. يقبع الأب والابن ساكنَين بلا حراك، دون أن يعودا لتبادل كلماتٍ أخرى. الليل يحلّ أخيراً، والقمر يشتعل.
عن الإسبانيّة، كاميران حاج محمود
غرفةٌ في نُزُلٍ يقع في إحدى القرى. الجدران مطليّة بالكلس، سريرٌ حديديّ، النافذة مُسيّجة بقضبان حديديّة، وعلى أُسكُفَّتِها أزهار نبتة إبرة الرّاعي. على السرير يجلس مراهق شاحب يرتدي بِذلة مصارع ثيران. إلى جانبه رجلٌ بوجهٍ مُهشّم ذي تعبير يلفعه غيابٌ، كوجه شخصٍ يعيش مُستذكراً ماضيه. عبر النافذة المفتوحة، تندسّ في الغرفة فرقعات الألعاب الناريّة وصيحات ابتهاج الناس.
مصارع الثيران: إيه..
الرجل: ماذا؟
مصارع الثيران: هل رأيت الثيران؟
الرجل: نعم.
مصارع الثيران: وماذا؟
الرجل: لا شيء أبداً. إنّها كإناث القِردة.
مصارع الثيران: إناث القردة؟!
الرجل: سوى أنّ لها قرنان.
مصارع الثيران: ياللخسارة.
صمْت. يُلقي مصارع الثيران نحو النافذة نظرةً مليئة بالقلق، ويشعر كما لو أنّ زُرقة السماء الكثيفة تخبط أعماقه.
مصارع الثيران: (بعد وقفٍ فاصل) وماذا إنْ أمطرت؟
الرجل: لا تقلق. لن تمطر.
مصارع الثيران: لن تمطر؟!
الرجل: كلّا. هنا لا يهطل المطر.
مصارع الثيران: أبداً؟
الرجل: على الإطلاق، ولا حتّى في نيسان. في هذه القرية لا يعرفون ما هو المطر.
صمْت. ينظر الرجل إلى ساعة يده. مصارع الثيران الفتيّ يتنفس باضطرابٍ مُستنداً برأسه إلى الوسادة. في الغرفة يختلج شعور مسبق بدُنوّ فاجعةٍ. في ساحة القرية خارجاً، العرباتُ فرَغت لتوّها من الاصطفاف مغلِقةً حلقة دائريّة شبه متقنة، بينما راحتِ النّسور التي انتظرت متثائبةً بين الحين والآخر هذه اللحظة، تنفض القشّ عن أجنحتها الكبيرة.
قلق
ضَيعةٌ وأرضٌ مقفرة. شمس المغيب. أبٌ وابنٌ جالسان على حافّة الطريق المُفضية إلى المقبرة. فوق التربة الرطبة، الديدانُ تسعى بفضل الانقباضات في الطبقة العضلية تحت جلدها.
الابن: أبي.
الأب: أخبرني.
الابن: (مادّاً ذراعه، مُشيراً نحو الأفق) اُنظرْ إلى تلك الطاحونة الهوائيّة.
الأب: أين ترى أنت طاحونةً؟
الابن: هناك.
الأب: ذلك ليس طاحونةً، يا بُنيّ.
الابن: ما هو إذاً؟
الأب: إنه عملاقٌ.
الابن: عملاقٌ؟!
الأب: بدون أيّ شكّ. تمعّن جيداً. إنه ساكن الآن، يتوسَّم المنظر من عُلوٍ. لكنه عمّا قريب سيأخذ في المشي، ومع كلّ خطوة واسعة من خطواته سيقطع فرسخاً.
الابن: (بصوتٍ يعتريه أسفٌ) إني لا أرى أنّ ذلك عملاقٌ.
الأب: بل إنه كذلك.
الابن: عملاقٌ بأبوابٍ ونوافذَ؟ عملاقٌ بقرميدٍ وأجنحةِ طاحونة؟
الأب: نعم عملاقٌ.
الابن: أنا أرى طاحونةً فحسب.
الأب: كيف ذلك؟ طاحونة؟!
الابن: نعم، طاحونة، كالتي نعرفها ونراها دائماً.
الأب: (مُديراً رأسه ببطءٍ ليُحدّق في استقامةٍ في عيني ابنه) إنّك تُقلقني.
صمْت. يقبع الأب والابن ساكنَين بلا حراك، دون أن يعودا لتبادل كلماتٍ أخرى. الليل يحلّ أخيراً، والقمر يشتعل.
عن الإسبانيّة، كاميران حاج محمود