21 فبراير 2018
ألغام تحت الوطنية
تشبه الوطنية غذاء الإنسان، قليله يضر وكثيره يضر. في كل محاكمة سياسية في المغرب تشهر السلطة سلاح "الوطنية"، معتقدة أنه سلاح دمار شامل، وأنه سيقضي على شباب الحراك في الريف، وسيجرّد الحركة الاجتماعية من تعاطف الرأي العام، وستصبح الضحية مدانة... في المحاكمات الجارية الآن في المغرب لشباب حراك الريف، تتمسك النيابة العامة بتهم تصل عقوبتها إلى الإعدام، ويجري التشكيك في انتماء أبناء الريف للوطن، في محاولة لتضليل بسطاء الناس الذين لا يفرّقون بين الوطن والنظام، وبين النظام والحكومة، وبين الحكومة والسلطة، وبين السلطة والأمن.
الوطنية هي إحساس فرد بالانتماء إلى أرضٍ عليها تاريخ وثقافة وتراث مشترك. وتعني وجود ولاء للفرد تجاه الوطن، واستعداده للتضحية من أجل استقلال هذا الوطن وتقدمه. ووظيفة المشاعر الوطنية أنها تبني الانتماء القومي للجماعة، وتحفّزها على التضحية من أجل الدفاع عن الوطن. الوطنية، إذن، مفهوم سياسي وأخلاقي عام، يربط المواطنين بالأرض التي يعيشون فوقها، ويحول التراب إلى وطن، والجغرافيا إلى قيم، والحدود إلى انتماء.
مفهوم الوطنية، على قداسته وأهميته في بناء الأوطان، تحيط به جملة من المفاهيم المتطرّفة والخطيرة التي تهدّد الوطنية ذاتها، مثل الشوفينية، والفاشية، والعنصرية. .. لنشرح بإيجاز هذه المفاهيم وسياقها ومخاطرها.
في القرن الثامن عشر، كان هناك جندي متعصب يلازم نابليون بونابرت اسمه نيكولاس شوفين، عرف بتطرّفه في الدفاع عن فرنسا، وعن تصرفات نابليون من دون منطق ولا قناعة ولا تفكير. وعلى الرغم من الخسارات المتتالية، والحروب الكثيرة التي كان نابليون يخوضها، كان الجندي يزيد تعصبا في الدفاع عن قائده، ويهاجم خصومه بحدّة وعنف كبيرين. هنا خرج مفهوم الشوفينية من اسم هذا الجندي المتعصب، وأصبح يستعمل لوصف فرد أو جماعة أو فكر يتعصب لوطنه أو لدولته أو لقائده، من دون استعمال للعقل، ومن دون ربط الوطنية بالعقل والمصلحة والمنطق.
مصطلح الفاشية، بالإنكليزية fascism مشتق من الكلمة الإيطالية fascio، وهي تعني حزمة من المفاتيح الكبيرة، كان يحملها شخص أمام إمبراطور روما القديمة دليلًا على اتساع سلطات الإمبراطور. وكانت هذه السلسلة المسماة "فاشيو" تضم مفتاحا يرمز إلى سلطة الجيش، وآخر يرمز إلى سلطة القضاء، وآخر يرمز إلى سلطة الإعدام… (الفاشيو) كان تعبيرا عن جمع كل هذه السلطات في يد واحدة لحاكم واحد، رمز للوطن وللجماعة. وفي بداية القرن، بدأ موسيليني كلمة فاشيا، فجعل منها نهجا في الحكم يعيد صياغة الوطنية في إيطاليا، وفي الوقت نفسه، يعادي الديمقراطية، حيث جمع بين يديه كل السلطات وصار فاشيا، واختزل موسوليني الوطن والوطنية في شخص القائد الأوحد.
العنصرية تعني التسليم بوهم أن هناك عرقا أفضل من آخر، وسلالة أحسن من أخرى، ولهذا وجب على "الأفضل" أن يحكم "الأرذل". ومن تمظهرات هذه العنصرية النازية التي أقامها بعد الحرب العالمية الأولى أدولف هتلر ومن معه، حيث بحث هؤلاء عن طريقة لإعادة إحياء الأمة الألمانية التي خرجت مدمرة من الحرب، فوجدوا في نظرية تفوق العرق الآري على سواه، وضرورة الحفاظ على طهارته ولو بإبادة عرق آخر، وجدوا في هذه النظرية العنصرية طاقة رهيبة للنفخ في الوطنية الألمانية، وإعادة تسليح الجيش وتحطيم الحدود والسيطرة على العالم، ودائما بمبرّرات وطنية، وبقية القصة وفاتورة خسائرها معروفة.
أمام هذه "الألغام الثلاثة"، بدأت العقول المفكرة في الغرب في تفكيك مفهوم الوطنية، وتسييجه (المفهوم) حتى لا يصبح مدمرا لأهله وللآخرين، فجرى ربط الوطنية أو القومية بالأخلاق والقيم الكبرى (العدل، الحرية والكرامة والمساواة)، وهذا مثلا ما جعل مثقفين كبارا في الغرب ينتقدون استعمار بلدانهم دولا أخرى في إفريقيا وآسيا، وهذا، مثلا، ما دفع الصحافي الأميركي، سيمور هيرش، إلى فضح جرائم سجن أبوغريب التي تورّط فيها الجيش الأميركي في العراق، ولم يمنعه حبه أميركا وولاؤه لها من كتابة تحقيق أصبح وثيقةً لإدانة الجيش الأميركي في العراق، ولم يخرج أحد ليتهم هيرش بأنه غير وطني وخائن، مع أن تحقيقه تسبب في ارتفاع القتلى في صفوف الجيش الأميركي بعد انكشاف فضيحة أبوغريب. لماذا؟ لأن الوطنية مربوطة بقيمة العدل، ولأن أفعال الجيش لا تحسب على الوطن، بل على سياسة حكومةٍ ستزول ويبقى الوطن.
الوطنية هي إحساس فرد بالانتماء إلى أرضٍ عليها تاريخ وثقافة وتراث مشترك. وتعني وجود ولاء للفرد تجاه الوطن، واستعداده للتضحية من أجل استقلال هذا الوطن وتقدمه. ووظيفة المشاعر الوطنية أنها تبني الانتماء القومي للجماعة، وتحفّزها على التضحية من أجل الدفاع عن الوطن. الوطنية، إذن، مفهوم سياسي وأخلاقي عام، يربط المواطنين بالأرض التي يعيشون فوقها، ويحول التراب إلى وطن، والجغرافيا إلى قيم، والحدود إلى انتماء.
مفهوم الوطنية، على قداسته وأهميته في بناء الأوطان، تحيط به جملة من المفاهيم المتطرّفة والخطيرة التي تهدّد الوطنية ذاتها، مثل الشوفينية، والفاشية، والعنصرية. .. لنشرح بإيجاز هذه المفاهيم وسياقها ومخاطرها.
في القرن الثامن عشر، كان هناك جندي متعصب يلازم نابليون بونابرت اسمه نيكولاس شوفين، عرف بتطرّفه في الدفاع عن فرنسا، وعن تصرفات نابليون من دون منطق ولا قناعة ولا تفكير. وعلى الرغم من الخسارات المتتالية، والحروب الكثيرة التي كان نابليون يخوضها، كان الجندي يزيد تعصبا في الدفاع عن قائده، ويهاجم خصومه بحدّة وعنف كبيرين. هنا خرج مفهوم الشوفينية من اسم هذا الجندي المتعصب، وأصبح يستعمل لوصف فرد أو جماعة أو فكر يتعصب لوطنه أو لدولته أو لقائده، من دون استعمال للعقل، ومن دون ربط الوطنية بالعقل والمصلحة والمنطق.
مصطلح الفاشية، بالإنكليزية fascism مشتق من الكلمة الإيطالية fascio، وهي تعني حزمة من المفاتيح الكبيرة، كان يحملها شخص أمام إمبراطور روما القديمة دليلًا على اتساع سلطات الإمبراطور. وكانت هذه السلسلة المسماة "فاشيو" تضم مفتاحا يرمز إلى سلطة الجيش، وآخر يرمز إلى سلطة القضاء، وآخر يرمز إلى سلطة الإعدام… (الفاشيو) كان تعبيرا عن جمع كل هذه السلطات في يد واحدة لحاكم واحد، رمز للوطن وللجماعة. وفي بداية القرن، بدأ موسيليني كلمة فاشيا، فجعل منها نهجا في الحكم يعيد صياغة الوطنية في إيطاليا، وفي الوقت نفسه، يعادي الديمقراطية، حيث جمع بين يديه كل السلطات وصار فاشيا، واختزل موسوليني الوطن والوطنية في شخص القائد الأوحد.
العنصرية تعني التسليم بوهم أن هناك عرقا أفضل من آخر، وسلالة أحسن من أخرى، ولهذا وجب على "الأفضل" أن يحكم "الأرذل". ومن تمظهرات هذه العنصرية النازية التي أقامها بعد الحرب العالمية الأولى أدولف هتلر ومن معه، حيث بحث هؤلاء عن طريقة لإعادة إحياء الأمة الألمانية التي خرجت مدمرة من الحرب، فوجدوا في نظرية تفوق العرق الآري على سواه، وضرورة الحفاظ على طهارته ولو بإبادة عرق آخر، وجدوا في هذه النظرية العنصرية طاقة رهيبة للنفخ في الوطنية الألمانية، وإعادة تسليح الجيش وتحطيم الحدود والسيطرة على العالم، ودائما بمبرّرات وطنية، وبقية القصة وفاتورة خسائرها معروفة.
أمام هذه "الألغام الثلاثة"، بدأت العقول المفكرة في الغرب في تفكيك مفهوم الوطنية، وتسييجه (المفهوم) حتى لا يصبح مدمرا لأهله وللآخرين، فجرى ربط الوطنية أو القومية بالأخلاق والقيم الكبرى (العدل، الحرية والكرامة والمساواة)، وهذا مثلا ما جعل مثقفين كبارا في الغرب ينتقدون استعمار بلدانهم دولا أخرى في إفريقيا وآسيا، وهذا، مثلا، ما دفع الصحافي الأميركي، سيمور هيرش، إلى فضح جرائم سجن أبوغريب التي تورّط فيها الجيش الأميركي في العراق، ولم يمنعه حبه أميركا وولاؤه لها من كتابة تحقيق أصبح وثيقةً لإدانة الجيش الأميركي في العراق، ولم يخرج أحد ليتهم هيرش بأنه غير وطني وخائن، مع أن تحقيقه تسبب في ارتفاع القتلى في صفوف الجيش الأميركي بعد انكشاف فضيحة أبوغريب. لماذا؟ لأن الوطنية مربوطة بقيمة العدل، ولأن أفعال الجيش لا تحسب على الوطن، بل على سياسة حكومةٍ ستزول ويبقى الوطن.