تستقبل وزارة العدل التونسية سنوياً عشرات الطلبات لتغيير الأسماء أو الألقاب. لكل واحد من هؤلاء أسبابه ومبرراته. منها سخرية الآخرين في حال كانت هذه الألقاب هي "السوق" أو "الجحش" أو "السافلة" على سبيل المثال لا الحصر.
وقد يعمد البعض إلى إرجاء زواجهم بسبب أسمائهم أو ألقابهم، وخصوصاً أن الأمر قد يسبب لهم إحراجاً مع عائلة الزوجة. أما الذين يحملون أسماء مثل صدام أو بن لادن، فقد حُرموا من الحصول على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة. وهناك أيضاً من يحملون ألقاباً تحمل دلالات عنصرية.
عتيقة بن مبروك (33 عاماً) من محافظة القصرين. لم تكن تدري معنى اسمها. هي من قرية بسيطة وعادة ما تختار لأبنائها أسماء من دون البحث في معانيها ودلالاتها. كان اسم عتيقة يُطلق على المرأة التي تُعتق من الرق والعبودية. مع ذلك، فإن مئات التونسيات يحملن هذا الاسم من دون معرفة تاريخه ودلالاته.
وكانت العبودية قد ألغيت في تونس خلال عهد أحمد باشا على مراحل. في البداية، أمر بهدم المحل المخصّص لبيع وشراء العبيد واستقبال التجار، بالإضافة إلى منع هذه التجارة نهائياً في جميع الأسواق ومنع تصدير العبيد من الأراضي التونسية، ثم منع استيراد البشر لاسترقاقهم. أيضاً، سعى إلى جمع علماء الدين ورجال الدولة للمشاركة بالرّأي وسن قانون يجرّم العبودية.
وبعد إلغاء العبودية وتحرير العبيد في تونس، عاش آلاف التونسيين من دون ألقاب حتى فترة الخمسينيات. وفي وقت لاحق، أمر الرئيس الحبيب بورقيبة بتسوية أوضاع كل من لا يحمل لقباً. وأنشئت لجنة محلية في كل منطقة للبت في الأمر. وصار البعض يحملون ألقاباً عائلية أصلية أو مسندة من اللجنة المحلية. وأسندت للعديد من الأشخاص ألقابٌ على غرار "شوشان" و"عتيق" أو "عتيقة" وغيرها من الألقاب.
ويجهل كثيرون معاني تلك الألقاب، وحين عرفوا، لجأوا إلى رفع قضايا لتغييرها على الرغم من صعوبة الأمر. فالقانون رقم 20 لعام 1964 المؤرخ في 28 مايو/أيار عام 1964، والذي عدل لاحقاً، نص على أنه "لكل تونسي الحق في طلب استبدال اسمه بمقتضى أمر من رئيس الجمهورية بناء على طلب يقدم إلى وزارة العدل، إذا لم يكن اسمه عربياً أو أمازيغياً، أو أن معنى اسمه، أو النطق به، يعد محل التباس أو سخرية، أو يتشارك الاسم نفسه مع أحد إخوته".
في المقابل، نص القانون على أنه "لا يمكن لأي شخص تغيير لقب عائلته، عدا أولئك الذين اكتسبوا الجنسية التونسية، ويجوز لهم طلب الإذن لاستبداله". أمرٌ صعّب على العديد من الأشخاص تغيير ألقاب رأوا في معانيها دلالات عنصرية.
في السياق، يقول رئيس جمعية آدم للمساواة والتنمية توفيق الشعري لـ "العربي الجديد" إن طلبات تغيير مئات الألقاب التي تحمل معاني عنصرية ما زالت في الأدراج، مشيراً إلى أن جمعيته تقدّمت بطلب لدى الجهات المعنية في وزارة العدل للنظر في هذه الألقاب وتغييرها لما تحمله من تمييز عنصري، إلا أن الملف أُهمل. ويؤكد وجود عدد كبير من أصحاب البشرة السمراء في مراتب دنيا. وفي الجنوب التونسي، ما زال البعض يحملون أسماء وألقاب مالكيهم.
ويشير إلى أن هذه الأقلية تعاني بسبب عدم السماح لها بالحصول على مناصب سياسية رفيعة، وعدم إشراكها في البرلمانات المتعاقبة وتغييبها عن المشهد الاعلامي والثقافي والتربوي.
إلى ذلك، تقدم شاب يحمل لقب شوشان، وهو في الثامنة والعشرين من عمره، ويعيش في الجنوب التونسي، بطلب تغيير لقبه منذ نحو خمس سنوات، وما زال ينتظر الموافقة. لم يكن يعرف ما يعنيه لقب شوشان، قبل أن يكتشف أنه يُطلق على العبد. يقول: "واهم من يظن أنه ليس هناك عنصرية في تونس. فحتى مجرد لقب أسند إلينا ولا ذنب لنا فيه، يكون بمثابة وصمة عار".
من جهته، يقول الباحث في علم الاجتماع طارق بلحاج محمد لـ "العربي الجديد" إن "تونس عرفت العبودية في العصرين البونيقي والروماني، في حين أن ظاهرة العبيد السود لم تظهر إلا في العهد الحفصي أي في القرن 15. وبخلاف العبودية في الولايات المتحدة، كان العبيد في تونس يعملون في منازل الأثرياء. ففي جزيرة جربة في الجنوب التونسي، يطلقون عليهم كنية طالب". يضيف: "ما زالت هناك عنصرية في اللغة كونها أداة تواصل. ويظهر ذلك من خلال بعض الألفاظ أو الأوصاف، على غرار "الوصيف" و"شوشان" و"العبد" و"السوداني" و"الصمباك". وفي منطقة جربة وبعض مدن الجنوب، يقال "فلان بن فلان عقيق فلان". يضيف أنه "لا يوجد وزير أو سفير أو مسؤول أسمر البشرة".
اقرأ أيضاً: تونس: معاقبة تلاميذ تضامنوا مع زميلهم ضد العنصرية