يبحث أمازيغ تونس عن تشكيل حزبٍ سياسي تحت اسم "آكال"، سيكون بمثابة الحاضنة السياسية للأمازيغية، التي ظهرت كحركة ثقافية ناشطة بعيد الثورة، لتختار مع اقتراب الانتخابات التحول إلى حركة سياسية.
وأسس أمازيغ تونس حركة "آكال"، بعدما تحرر التونسيون وتعززت فسحة الحراك المجتمعي والسياسي بفضل إطلاق الحريات العامة على غرار حرية التظاهر والتنظم وتكوين الأحزاب والجمعيات، والتي كانت قبل 14 كانون الأول/ يناير 2011 تخضع لشروط صارمة، تكاد تكون مستحيلة.
ولم يطرح قبل الثورة ولا بعدها أي تمييز بين التونسيين على أساس عرقي أو إثني أو ديني، بل كانت تونس دائماً نموذجاً لتعايش الأديان والحضارات والأقليات، حتى برز بعد الثورة المكون الأمازيغي كأقلية تطالب بحقها في الاعتراف باللغة الأمازيغية، وبضرورة النصّ عليها في الدستور، إلى جانب ضمان حقوق البربر، السكان الأصليين في تونس، في الوجود كمكون أساسي في منظومة الحكم.
وبالرغم من أن عددهم يقدر بنحو 500 ألف، يبحث أمازيغ تونس اليوم عن التنظم في حزب سياسي، بعدما تموقعوا كحركة ثقافية سابقاً في حركة "آكال"، وفي الجمعية التونسية للثقافة الأمازيغية، التي برز منها نشطاء أمازيغ نادوا الى إعادة المكانة للهوية الأمازيعية، وإعادة كتابة تاريخ تونس بشكل يرجع الاعتبار إلى سكانها الأصليين.
ولم يحصل حزب "آكال" الأمازيغي على التأشيرة القانونية للنشاط، بحسب ما أكدته المصالح الحكومية في الوزارة المكلفة بالعلاقة مع الأحزاب وبالمجتمع المدني، ما يعني أن السلطات التونسية لم تدرس بعد الملف القانوني لهذا الحزب الجديد، برغم دعوته إلى عقد ندوة صحافية غداً الاثنين للإعلان بشكل رسمي عن ميلاده من قبل مؤسسيه.
وقال عضو المكتب السياسي لحركة "آكال" فادي منصري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه سيتم الإعلان رسمياً عن الحركة يوم الإثنين، مشيراً إلى أنها حركة سياسية تونسية تنتمي إلى العائلة الاجتماعية الديمقراطية التقدمية، وتنهل من التاريخ التونسي والإنساني المتنوع، وستكون الأمازيغية مرجعيتها الرئيسية.
وبيّن منصري أن الحركة "تتجاوز المفهوم العرقي والإثني والقومي الضيق، فهي لا تقتصر على تجميع أمازيغ تونس، بقدر ما ترمي إلى توحيد التونسيين، بعدما فشلت الرؤى اليمينية واليسارية في توحيدهم، بل إن التصورات السياسية والحزبية الحالية أصبحت مهترئة، وعمقت الهوة بين التونسيين وزادت في فرقتهم"، بحسب تقديره.
ولفت منصري الى أن قرار حركة "آكال" التحول من العمل الثقافي الى النشاط الحزبي والسياسي "مرده عدم قدرتها على التغيير، حيث اقتصرت الأنشطة على التعريف بالأمازيغية والنشاط صلب تنظيم المهرجانات والعمل على صيانة وحماية الآثار الآمازيغية".
وشدد على أن السلطات منذ المجلس التأسيسي (أول برلمان بعد الثورة الذي صاغ الدستور) لم يصغ الى مطالب أمازيغ تونس من دسترة اللغة الأمازيغية وتعليمها في المؤسسات التربويّة، وإنشاء مركز وطني للتاريخ الأمازيغي، وإحداث مسالك أكاديمية جامعية في هذا المجال، وغيرها من المطالب، رغم توصيات الأمم المتحدة في هذا الشأن.
ورأى المنصري أن "إهمال السلطات التونسية لفئة أصيلة من الشعب التونسي دفعتنا الى خوض التجربة السياسية، محركها وتصوراتها مبنية على العمق الأمازيغي، وستعمل على تغيير الدستور والقوانين التي كرست التفرقة بين التونسيين على أساس اللغة والدين، وهمشت جزءاً مهماً من الشعب ومواطنين لهم حقوق وواجبات في هذا البلد"، بحسب قوله.
وشدد على أن "الأمازيغ تونسيون ليسوا أجانب ولا أغراباً عن هذا البلد، بل هم متأصلون في الجسم التونسي، غير محاولات طمس هوية البلاد وتاريخها وحتى ينسى التونسيون أصولهم البربرية وتاريخهم العريق".
ويرى مراقبون أن نوايا تشكيل حزبٍ ذي خلفية إثنية أو عرقية، قد يعيد الصراع حول الهوية من جديد، بعدما كان حسم بعد جدل طويل وأزمات وانقسامات، انتهت الى توافق في الحوار الوطني وحول الدستور الذي ينص في توطئته على "تمسك الشعب الشعب بتعاليم الإسلام ومقاصده..المستندة إلى مقومات الهوية العربية الإسلامية"، كما حسم الدستور في أول بنوده بأن تونس "دولة حرّة، مستقلّة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها"، مؤكداً أن هذا البند لا يمكن تعديله.
ويعتبر مراقبون أن مرجعية هذا الحزب الأمازيغي وبرامجه قد تتعارض مع مرسوم الأحزاب في بنده الرابع، الذي يحجر على الأحزاب السياسية أن تعتمد في نظامها الأساسي أو في بياناتها أو في برامجها أو في نشاطها، الدعوة إلى التعصب والتمييز على أسس دينية أو فئوية أو جنسية أو جهوية.