بعد غياب دام خمسة عشر عاماً، عاد الفنان المغترب كريم تجاني إلى منطقة "قربار" الواقعة شرق الجزائر. تلك المنطقة المصنفة في خانة المحمية الطبيعية والتي تعتبر من أهم المناطق الرطبة في أفريقيا وفقاً لاتفاقية "رمسار الدولية"، والتي ظلت مصدر إلهامه لسنوات طويلة، قبل أن يكتشف حجم الدمار الذي ألحقه التلوث، والاغتصاب الذي تعرضت له بعدما تحولت إلى مكب للنفايات والأكياس البلاستيكية، ثم إلى مساحة لإقامة مشروع وحدة صناعية تابعة لشركة سوناطراك.
هذا الواقع دفع كريم تجاني إلى التخلي عن الموسيقى وخوض معركة ضد الصناعات الملوثة، ليتحول بعد 5 سنوات إلى أشهر ناشط في مجال الدفاع عن البيئة، من خلال موقع "نوارة" الإلكتروني الذي أطلقه عام 2009، ونجح في استقطاب الآلاف من المتابعين والمناضلين في مجال حماية البيئة وتوقيف بعض المشاريع الصناعية الملوثة.
أزمة بيئية حادة
هذا وتشهد الجزائر، حسب كريم، أزمة بيئية حادة، حيث يشير إلى أن خطر التلوث الصناعي في تطور مستمر، رغم أن الجزائر لا تعتبر دولة صناعية كبرى، "إلا أن هذا التلوث يعود بالدرجة الأولى إلى غياب وعي المواطن من جهة، وإهمال الدولة من جهة أخرى".
فقد "تحول التلوث البيئي إلى مغتصب فعلي لأحد الحقوق الأساسية للإنسان الذي يواجه اليوم تحديات عالمية خطيرة، كونه يتعلق بمستقبل الأجيال"، وفق ما يؤكده رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان حسين زهوان.
ويقول لـ"العربي الجديد": "اغتصب أصحاب القوة والمال والنفوذ حق الجزائريين في بيئة نظيفة، أمام عجز الإدارة وتورط المسؤولين عن طريق مشاريع اقتصادية ملوثة وسرقة الرمال وتحويل الوديان إلى خراب".
ويشير إلى أن الأمر تطور بسبب غياب أجهزة خاصة للدفاع عن البيئة في الجزائر، موضحاً أنه على مستوى الرابطة، نعاني بشكل كبير، بسبب غياب الإمكانيات اللازمة لمواجهة تحدي بهذه الخطورة.
وتظهر خطورة هذا التلوث في مجال الصحة، حيث تدفع الجزائر فاتورة غالية لمواجهة الأمراض، وعلى رأسها سرطان الرئة والقصبة الهوائية الذي يعرف انتشاراً كبيراً، يصل إلى 50 ألف حالة جديدة سنوياً، وفق ما يؤكده الأخصائي في الطب الياس أخاموس، حيث تكلف هذه الأمراض 50% من ميزانية المستشفيات.
يؤكد رئيس المنظمة الوطنية للصيد البحري حسين بلوط، أن شقيقته توفيت منذ أسبوعين بسبب مرض السرطان الناتج عن التلوث الصناعي الذي تخلّفه شركة "سوناطراك" في ولاية سكيكدة. ويقول: "يموت سنوياً آلاف الجزائريين بسبب التلوث الذي تخلّفه شركة سوناطراك، فالأخيرة تهدد حياة السكان بالتلوث الجوي والمائي، وتقضي على عشرات الأنواع من الأسماك نتيجة الفضلات التي يتم تفريغها في البحر". واصفاً الوضع البيئي بالكارثي خاصة في المناطق الساحلية، رغم التعتيم الذي تمارسه وزارة الموارد المائية والبيئة التي ترفض التصريح بحجم التلوث الصناعي الكبير في الجزائر.
اقــرأ أيضاً
حلول مؤقته
في ظل التهديدات البيئية التي يسببها التلوث الصناعي والاتهامات التي واجهتها شركة "سوناطراك" باعتبارها أكبر الشركات البترولية في أفريقيا، وبعد تفجّر العديد من الفضائح عبر وسائل الإعلام وإيفاد لجان وزارية للتحقيق في التلوث الذي تخلفه الشركة في مختلف مناطق الجزائر بناءً على شكاوى المواطنين والمزارعين والجمعيات النشيطة في مجال البيئة، وجدت الشركة نفسها مجبرة على تنظيف مخلفاتها في الأحواض البترولية والأودية، وإنشاء مراكز تصفية، واتخاذ تدابير من أجل التقليل من التلوث وتحسين صورتها لدى المواطنين.
فقد "أعلنت الشركة منذ سنتين العمل على تأسيس أول مركز على المستوى الوطني لمراقبة البيئة عام 2017 في منطقة سكيكدة، وذلك لضمان مراقبة انبعاث الغازات من الوحدات الإنتاجية والحد من مسببات التلوث في المنطقة الصناعية وجميع المواد الملوثة في الجو أو الأرض والبحر"، بحسب المدير العام للمنطقة الصناعية سوناطراك عبد الحفيظ جمعي. بالإضافة إلى سحب الوحدات القديمة وإنجاز أخرى بمواصفات صديقة للبيئة، للحد من انتشار الغازات الملوثة للغلاف الجوي والمؤثرة سلباً على طبقة الأوزون من بينها.
وكانت الشركة قد أقرت تخصيص ميزانية تفوق 120 ألف دولار من أجل الاستثمار في مجال حماية المحيط.
وكان وزير الموارد المائية والبيئة الجزائري عبد الوهاب نوري، قد وقع في بداية الشهر الحالي، اتفاقية مع فرنسا لحماية البيئة، وصرح بأن الجزائر ملزمة بحماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث وفقاً لاتفاقية برشلونة. وأنه تم تشغيل 49 محطة جديدة لتصفية المياه المستعملة مع تخصيص ما يقارب 3 ملايين دولار لتحقيق وحدة الفرز لمعالجة النفايات. فيما أكد المدير العام للشركة الوطنية للكهرباء والغاز نور الدين بوطرفة، في وقت سابق، أن الجزائر خصصت 60 مليار دولار للطاقات المتجددة حتى العام 2030، من أجل التقليل من التلوث الصناعي.
فشل في البرامج
ويؤكد عبد اللطيف داهية، صحافي وناشط في مجال البيئة، أن الحس البيئي منعدم عند المسؤولين الجزائريين، ويقول لـ"العربي الجديد": "كل البرامج الموجهة لحماية البيئة فشلت في التنفيذ، بسبب غياب الدعم المادي والتمويل من قبل المؤسسات المسؤولة". ويلفت داهية إلى فشل برنامج تجهيز 5000 فضاء لحماية البيئة تابع للمؤسسات التعليمية، بغرض التربية البيئية الذي وضعته وزارة البيئة مع وزارة التربية.
أما أحمد طيباوي، دكتور وأستاذ بجامعة البليدة في الجزائر، فيقول لـ"العربي الجديد": "إن حماية البيئة من التلوث الصناعي تندرج ضمن المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات بشكل عام وذلك وفقاً لما يسمى بمؤسسة المواطنة التي تساهم في التنمية وحماية البيئة في عملياتها ومخرجاتها، وكذا في أغلفة منتجاتها وفي استخدامها لمصادر طاقة نظيفة".
وبحسب طيباوي، فإن هناك ثلاثة فاعلين أساسيين بإمكانهم التأثير على المؤسسة لتوجيه سياستها لجعل منتجاتها وممارساتها الصناعية أقل إضراراً بالبيئة، وهم المساهم، السياسي، والمستهلك، موضحاً أن "السياسي هو الأكثر تأثيراً، نظراً لامتلاكه السلطة الجبرية، أما المساهم فلا يؤدي حتى الآن دوراً محورياً، رغم تبني مؤسسات كثيرة ما يسمى بالاستثمارات المسؤولة اجتماعياً، أما المستهلك فقد ارتبط لديه ولوقت طويل، مفهوم المنتج البيئي بقيد مزدوج: سعر مرتفع، مع أداء أقل".
اقــرأ أيضاً
ويشير إلى أن هناك ثلاث طرق للتدخل من أجل التحكّم والتقليل من الانبعاثات، موضحاً أن الاعتماد على وضع تشريعات، وفرض الضرائب، أو نظام سوق الرخص، أي تسقيف الانبعاثات المرخصة، يقلل من الانبعاثات".
وتقدّر كلفة التدهور البيئي في الجزائر سنوياً، حسب تقرير البنك الدولي، بنحو 52 مليون دولار جراء المخلفات والنفايات، و541 مليون دولار من تدهور الأراضي، و446 مليون دولار نتيجة تلوث الهواء، و367 مليون دولار نتيجة تلوث المياه، وبصفة إجمالية فالاقتصاد الوطني يفقد 1.2% من إجمالي الناتج المحلي نتيجة التلوث سنوياً. بالإضافة إلى فقدان فرص مميزة قد يخلقها التوجه نحو الاقتصاد الأخضر، منها توفير ما يقارب 1.4 مليون منصب شغل في أفاق العام 2025 في قطاعات الطاقات المتجددة ومعالجة النفايات وتدويرها والخدمات المرتبطة بالبيئة، حسب دراسة الوكالة الوطنية للتعاون من أجل التنمية.
وفق إحصاءات البنك الدولي المتعلقة بقياس نسب انبعاثات الغازات الدفيئة، فإن الجزائر تحتل المرتبة 115 عالمياً من أصل 176 دولة لعام 2015، والتي تعتبر مرتبة متدنية مقارنة مع بالأداء والنسيج الصناعي الضعيف للجزائر، حسب الباحث في اقتصاديات الطاقة وأستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة سطيف، إسماعيل أحمد زحوط. ويعد قطاع الطاقة أكبر قطاع مساهم في هذه الانبعاثات، يليه قطاع النقل والصناعة. كما تصنّف الجزائر أيضاً في المرتبة 46 عالمياً من أصل 176 دولة من حيث وصول مياه الشرب للسكان، أي أن ما نسبته 84% من السكان يشربون مياهً صالحة للشرب. كما تحتل المرتبة 96 عالمياً في استهلاك الطاقة والمرتبة 92 من أصل 178 دولة بخصوص الأداء البيئي لعام 2014 والمرتبة 45 من أصل 58 دولة في مؤشر حوكمة الموارد الطبيعية. والمرتبة 49 من أصل 58 في مؤشر الأداء المتعلق بتغيّر المناخ لعام 2004.
يؤكد الباحث إسماعيل أحمد زحوط، أن الجزائر مطالبة اليوم بتنويع الاقتصاد الوطني والانطلاق في برامج وطنية لترشيد استهلاك الطاقة وترقية استخدامات الطاقات الجديدة والمتجددة وتقليص الاعتماد على المحروقات، وتطوير القطاعات الصناعية المبتكرة وإدماج المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتقليص انبعاثات الكربون من خلال تقنيات حجز وتخزين ثاني أكسيد الكربون، وتحديث مكانة قطاعي التكوين والتعليم العالي وربطهما أكثر بحاجات السوق الوطنية ووضع آليات للرقابة والمتابعة.
وعن استدامة الاقتصاد الوطني، يقول زحوط: "يعتبر الاقتصاد الجزائري تقليدياً من حيث أنماط الإنتاج والاستهلاك رغم الإصلاحات والالتزامات والمبادرات القائمة على تشجيع استخدام الطاقات المتجددة والقوانين المتعلقة بتحسين وحماية البيئة التي ما زالت لا تستجيب لواقع ورهانات الاستدامة". ويضيف: "يرجح القطاع الخاص منطق الربح على الاستدامة، وهو ما نلاحظه في أغلب المؤسسات الصناعية في الجزائر، إذ تكتفي بالحصول على بعض المطابقات والمواصفات البيئية من معايير الأيزو السهلة التدابير وتتجنب وضع استراتيجيات حقيقية للمسؤولية الاجتماعية والبيئية". ويشير إلى أن وجود حد أمثل للتلوث في اقتصادات البيئة يخضع للتشريعات والقوانين، منها القانون 03/10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، والقانون 01/19 المتعلق بتسيير النفايات ومراقبتها وإزالتها، والقانون 02/02 المتعلق بحماية الساحل وتثمينه، والقانون 04-/20 المتعلق بالوقاية من الأخطار الكبرى وتسيير الكوارث.
وبالرغم من أن الجزائر تعتمد على استهلاك الغاز الطبيعي الذي يعد من الموارد التقليدية الأقل تلوثاً، فالتزامها أخيراً باتفاقية قمة المناخ في باريس لتخفيض درجة حرارة الأرض أضاف ثقلاً على السياسات والبرامج التنموية الجديدة بسبب هيمنة الطاقات الأحفورية الملوثة، وتشكيلها نسبة 95.2% من الإيرادات المالية للجزائر. ومع انخفاض أسعار الطاقة العالمية، أصبح التوجه نحو الطاقات المتجددة وفق أسس التنمية المستدامة ضرورة ملحة.
هذا الواقع دفع كريم تجاني إلى التخلي عن الموسيقى وخوض معركة ضد الصناعات الملوثة، ليتحول بعد 5 سنوات إلى أشهر ناشط في مجال الدفاع عن البيئة، من خلال موقع "نوارة" الإلكتروني الذي أطلقه عام 2009، ونجح في استقطاب الآلاف من المتابعين والمناضلين في مجال حماية البيئة وتوقيف بعض المشاريع الصناعية الملوثة.
أزمة بيئية حادة
هذا وتشهد الجزائر، حسب كريم، أزمة بيئية حادة، حيث يشير إلى أن خطر التلوث الصناعي في تطور مستمر، رغم أن الجزائر لا تعتبر دولة صناعية كبرى، "إلا أن هذا التلوث يعود بالدرجة الأولى إلى غياب وعي المواطن من جهة، وإهمال الدولة من جهة أخرى".
فقد "تحول التلوث البيئي إلى مغتصب فعلي لأحد الحقوق الأساسية للإنسان الذي يواجه اليوم تحديات عالمية خطيرة، كونه يتعلق بمستقبل الأجيال"، وفق ما يؤكده رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان حسين زهوان.
ويقول لـ"العربي الجديد": "اغتصب أصحاب القوة والمال والنفوذ حق الجزائريين في بيئة نظيفة، أمام عجز الإدارة وتورط المسؤولين عن طريق مشاريع اقتصادية ملوثة وسرقة الرمال وتحويل الوديان إلى خراب".
ويشير إلى أن الأمر تطور بسبب غياب أجهزة خاصة للدفاع عن البيئة في الجزائر، موضحاً أنه على مستوى الرابطة، نعاني بشكل كبير، بسبب غياب الإمكانيات اللازمة لمواجهة تحدي بهذه الخطورة.
يؤكد رئيس المنظمة الوطنية للصيد البحري حسين بلوط، أن شقيقته توفيت منذ أسبوعين بسبب مرض السرطان الناتج عن التلوث الصناعي الذي تخلّفه شركة "سوناطراك" في ولاية سكيكدة. ويقول: "يموت سنوياً آلاف الجزائريين بسبب التلوث الذي تخلّفه شركة سوناطراك، فالأخيرة تهدد حياة السكان بالتلوث الجوي والمائي، وتقضي على عشرات الأنواع من الأسماك نتيجة الفضلات التي يتم تفريغها في البحر". واصفاً الوضع البيئي بالكارثي خاصة في المناطق الساحلية، رغم التعتيم الذي تمارسه وزارة الموارد المائية والبيئة التي ترفض التصريح بحجم التلوث الصناعي الكبير في الجزائر.
حلول مؤقته
في ظل التهديدات البيئية التي يسببها التلوث الصناعي والاتهامات التي واجهتها شركة "سوناطراك" باعتبارها أكبر الشركات البترولية في أفريقيا، وبعد تفجّر العديد من الفضائح عبر وسائل الإعلام وإيفاد لجان وزارية للتحقيق في التلوث الذي تخلفه الشركة في مختلف مناطق الجزائر بناءً على شكاوى المواطنين والمزارعين والجمعيات النشيطة في مجال البيئة، وجدت الشركة نفسها مجبرة على تنظيف مخلفاتها في الأحواض البترولية والأودية، وإنشاء مراكز تصفية، واتخاذ تدابير من أجل التقليل من التلوث وتحسين صورتها لدى المواطنين.
فقد "أعلنت الشركة منذ سنتين العمل على تأسيس أول مركز على المستوى الوطني لمراقبة البيئة عام 2017 في منطقة سكيكدة، وذلك لضمان مراقبة انبعاث الغازات من الوحدات الإنتاجية والحد من مسببات التلوث في المنطقة الصناعية وجميع المواد الملوثة في الجو أو الأرض والبحر"، بحسب المدير العام للمنطقة الصناعية سوناطراك عبد الحفيظ جمعي. بالإضافة إلى سحب الوحدات القديمة وإنجاز أخرى بمواصفات صديقة للبيئة، للحد من انتشار الغازات الملوثة للغلاف الجوي والمؤثرة سلباً على طبقة الأوزون من بينها.
وكان وزير الموارد المائية والبيئة الجزائري عبد الوهاب نوري، قد وقع في بداية الشهر الحالي، اتفاقية مع فرنسا لحماية البيئة، وصرح بأن الجزائر ملزمة بحماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث وفقاً لاتفاقية برشلونة. وأنه تم تشغيل 49 محطة جديدة لتصفية المياه المستعملة مع تخصيص ما يقارب 3 ملايين دولار لتحقيق وحدة الفرز لمعالجة النفايات. فيما أكد المدير العام للشركة الوطنية للكهرباء والغاز نور الدين بوطرفة، في وقت سابق، أن الجزائر خصصت 60 مليار دولار للطاقات المتجددة حتى العام 2030، من أجل التقليل من التلوث الصناعي.
فشل في البرامج
ويؤكد عبد اللطيف داهية، صحافي وناشط في مجال البيئة، أن الحس البيئي منعدم عند المسؤولين الجزائريين، ويقول لـ"العربي الجديد": "كل البرامج الموجهة لحماية البيئة فشلت في التنفيذ، بسبب غياب الدعم المادي والتمويل من قبل المؤسسات المسؤولة". ويلفت داهية إلى فشل برنامج تجهيز 5000 فضاء لحماية البيئة تابع للمؤسسات التعليمية، بغرض التربية البيئية الذي وضعته وزارة البيئة مع وزارة التربية.
أما أحمد طيباوي، دكتور وأستاذ بجامعة البليدة في الجزائر، فيقول لـ"العربي الجديد": "إن حماية البيئة من التلوث الصناعي تندرج ضمن المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات بشكل عام وذلك وفقاً لما يسمى بمؤسسة المواطنة التي تساهم في التنمية وحماية البيئة في عملياتها ومخرجاتها، وكذا في أغلفة منتجاتها وفي استخدامها لمصادر طاقة نظيفة".
وبحسب طيباوي، فإن هناك ثلاثة فاعلين أساسيين بإمكانهم التأثير على المؤسسة لتوجيه سياستها لجعل منتجاتها وممارساتها الصناعية أقل إضراراً بالبيئة، وهم المساهم، السياسي، والمستهلك، موضحاً أن "السياسي هو الأكثر تأثيراً، نظراً لامتلاكه السلطة الجبرية، أما المساهم فلا يؤدي حتى الآن دوراً محورياً، رغم تبني مؤسسات كثيرة ما يسمى بالاستثمارات المسؤولة اجتماعياً، أما المستهلك فقد ارتبط لديه ولوقت طويل، مفهوم المنتج البيئي بقيد مزدوج: سعر مرتفع، مع أداء أقل".
ويشير إلى أن هناك ثلاث طرق للتدخل من أجل التحكّم والتقليل من الانبعاثات، موضحاً أن الاعتماد على وضع تشريعات، وفرض الضرائب، أو نظام سوق الرخص، أي تسقيف الانبعاثات المرخصة، يقلل من الانبعاثات".
وتقدّر كلفة التدهور البيئي في الجزائر سنوياً، حسب تقرير البنك الدولي، بنحو 52 مليون دولار جراء المخلفات والنفايات، و541 مليون دولار من تدهور الأراضي، و446 مليون دولار نتيجة تلوث الهواء، و367 مليون دولار نتيجة تلوث المياه، وبصفة إجمالية فالاقتصاد الوطني يفقد 1.2% من إجمالي الناتج المحلي نتيجة التلوث سنوياً. بالإضافة إلى فقدان فرص مميزة قد يخلقها التوجه نحو الاقتصاد الأخضر، منها توفير ما يقارب 1.4 مليون منصب شغل في أفاق العام 2025 في قطاعات الطاقات المتجددة ومعالجة النفايات وتدويرها والخدمات المرتبطة بالبيئة، حسب دراسة الوكالة الوطنية للتعاون من أجل التنمية.
وفق إحصاءات البنك الدولي المتعلقة بقياس نسب انبعاثات الغازات الدفيئة، فإن الجزائر تحتل المرتبة 115 عالمياً من أصل 176 دولة لعام 2015، والتي تعتبر مرتبة متدنية مقارنة مع بالأداء والنسيج الصناعي الضعيف للجزائر، حسب الباحث في اقتصاديات الطاقة وأستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة سطيف، إسماعيل أحمد زحوط. ويعد قطاع الطاقة أكبر قطاع مساهم في هذه الانبعاثات، يليه قطاع النقل والصناعة. كما تصنّف الجزائر أيضاً في المرتبة 46 عالمياً من أصل 176 دولة من حيث وصول مياه الشرب للسكان، أي أن ما نسبته 84% من السكان يشربون مياهً صالحة للشرب. كما تحتل المرتبة 96 عالمياً في استهلاك الطاقة والمرتبة 92 من أصل 178 دولة بخصوص الأداء البيئي لعام 2014 والمرتبة 45 من أصل 58 دولة في مؤشر حوكمة الموارد الطبيعية. والمرتبة 49 من أصل 58 في مؤشر الأداء المتعلق بتغيّر المناخ لعام 2004.
يؤكد الباحث إسماعيل أحمد زحوط، أن الجزائر مطالبة اليوم بتنويع الاقتصاد الوطني والانطلاق في برامج وطنية لترشيد استهلاك الطاقة وترقية استخدامات الطاقات الجديدة والمتجددة وتقليص الاعتماد على المحروقات، وتطوير القطاعات الصناعية المبتكرة وإدماج المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتقليص انبعاثات الكربون من خلال تقنيات حجز وتخزين ثاني أكسيد الكربون، وتحديث مكانة قطاعي التكوين والتعليم العالي وربطهما أكثر بحاجات السوق الوطنية ووضع آليات للرقابة والمتابعة.
وعن استدامة الاقتصاد الوطني، يقول زحوط: "يعتبر الاقتصاد الجزائري تقليدياً من حيث أنماط الإنتاج والاستهلاك رغم الإصلاحات والالتزامات والمبادرات القائمة على تشجيع استخدام الطاقات المتجددة والقوانين المتعلقة بتحسين وحماية البيئة التي ما زالت لا تستجيب لواقع ورهانات الاستدامة". ويضيف: "يرجح القطاع الخاص منطق الربح على الاستدامة، وهو ما نلاحظه في أغلب المؤسسات الصناعية في الجزائر، إذ تكتفي بالحصول على بعض المطابقات والمواصفات البيئية من معايير الأيزو السهلة التدابير وتتجنب وضع استراتيجيات حقيقية للمسؤولية الاجتماعية والبيئية". ويشير إلى أن وجود حد أمثل للتلوث في اقتصادات البيئة يخضع للتشريعات والقوانين، منها القانون 03/10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، والقانون 01/19 المتعلق بتسيير النفايات ومراقبتها وإزالتها، والقانون 02/02 المتعلق بحماية الساحل وتثمينه، والقانون 04-/20 المتعلق بالوقاية من الأخطار الكبرى وتسيير الكوارث.
وبالرغم من أن الجزائر تعتمد على استهلاك الغاز الطبيعي الذي يعد من الموارد التقليدية الأقل تلوثاً، فالتزامها أخيراً باتفاقية قمة المناخ في باريس لتخفيض درجة حرارة الأرض أضاف ثقلاً على السياسات والبرامج التنموية الجديدة بسبب هيمنة الطاقات الأحفورية الملوثة، وتشكيلها نسبة 95.2% من الإيرادات المالية للجزائر. ومع انخفاض أسعار الطاقة العالمية، أصبح التوجه نحو الطاقات المتجددة وفق أسس التنمية المستدامة ضرورة ملحة.