02 نوفمبر 2024
أميركا ترامب دولةٌ مارقة
بينما أدّى وعد بلفور البريطاني (1917) إلى نشوب حرب 1948 وقيام الدولة الإسرائيلية على أرض فلسطين، فإن وعد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بتسمية القدس عاصمة لدولة الاحتلال، يمثل استكمالا لحرب عام 1967 وشرعنة أميركية للاستيلاء الإسرائيلي على المدينة الفلسطينية المقدسة. وعليه، فإن من الخطأ تصور هذا القرار محض اجتهاد أو سوء فهم سياسي، فالإدارة الأميركية تعرف أن قرارات الشرعية الدولية وأحكام القانون الدولي لا تجيزان مثل هذه الشرعنة، غير أن الأطراف النافذة في الإدارة قرّرت تخطي ذلك كله، والقيام بخطوةٍ عدوانيةٍ تجاه الفلسطينيين والعرب وملايين المسلمين والمسيحيين في العالم، استنادا إلى حساباتٍ مفادها بأن الفلسطينيين ضعفاء، وأن العرب باتوا في وارد التطبيع مع الدولة العبرية، لا مواجهتها، وأنه يمكن استثمار التحدّي الإيراني للمنطقة، لبناء أرضية مشتركة عربية إسرائيلية.
كان ساكن البيت الأبيض، خلال الأسبوع الماضي، يصم أذنيه عن ردود الفعل الساخطة، وينهمك في متابعة انتخاب عضو واحد لمجلس الشيوخ عن ولاية ألاباما، بالإضافة إلى نفي اتهاماتٍ للرئيس بالتحرّش، ومتابعة التحقيقات بشأن تدخلاتٍ روسيةٍ مفترضة في الانتخابات الرئاسية. ولم يبد أي رد فعل على الأصداء بالغة السلبية لقراره الأخرق، بينما كانت مندوبته إلى مجلس الأمن، نيكي هيلي، تُصرّح: "إنه لم يحدث شيء بعد صدور القرار، وها قد مرت ثلاثة أيام، ولم تقع السماء على الأرض".
وما بدا أنه عزلة شبه تامة للولايات المتحدة على المسرح الدولي، إذ لم يُجار أحد القرار الأميركي، فإن المسؤولين في واشنطن لم يحرّكوا ساكنا تجاه هذا التطور، وأظهروا بلادة استثنائية في إدارة الظهر للعالم بأسره، وإزاء التفاعلات التي أظهرها حلفاؤهم العرب. وبهذا، فإن النخب السياسية النافذة في واشنطن باتت تضع العالم كله في كفة، والاحتلال الإسرائيلي في كفةٍ أخرى، مع رجحان الكفة الثانية في المنظور الأميركي الضيق الذي يمثل نموذجا صارخا للاعقلانية، حين يتعلق الأمر بالصراع العربي الإسرائيلي. وهذا المنظور، وخصوصا لدى الأطراف المحافظة (الجمهوريون) وبعض الجماعات الدينية، يجيز لأصحابه التمسك بعدوانيةٍ دائمة ومنهجية، تجاه الحقوق الفلسطينية والعربية، وتجاه المقدسات الإسلامية، وحتى المسيحية.
مع الأخذ في الاعتبار أن قيادات ديمقراطية وليبرالية، مثل بيل كلينتون وباراك أوباما، هم أقل تطابقا مع دولة الاحتلال، وأكثر حرصا على المصالح الأميركية، وعلى صورة أميركا في العالم.
وبما أن الأمر يتعدّى هذه المرة مجرد خلاف سياسي، فإن الاكتفاء بإجراء المحادثات السياسية مع واشنطن لا يجدي نفعا، فإدارة ترامب تتموضع شريكة للاحتلال، ومعنيّة في تثبيت نتائجه، و"صفقة القرن" التي يكثر الحديث عنها ترمي إلى تعبيد الطريق أمام اختراق إسرائيلي للمنطقة العربية، وليس إبرام تسوية وفق المرجعيات الدولية، علما أن قرار ترامب قوّض مشروع الصفقة، إذ إن فرط الهوس بمكافأة الاحتلال وإرضائه قد أدّيا إلى تخريب المشروع المشبوه في مهده، وإسقاط دور الوسيط الذي كانت الإدارة الحالية تسعى إلى أدائه.
أمام ذلك، فإن التمسك العربي والفلسطيني الحازم بإلغاء القرار، أو استبداله بقرار آخر يعترف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، يمثل نقطة البداية الوحيدة الصالحة للتعامل مع واشنطن بخصوص مستقبل التسوية، ومن أجل إعادة العقل الى رؤوس الأميركيين، كي يمكن الإصغاء لهم بشأن ملف السلام. ويؤخذ هنا في الاعتبار ما تسعى به واشنطن حاليا إلى الالتفاف حول المسألة بالقول إنها لم تضع حدوداً للقدس في القرار، وهو ما يستحق الرد عليه بأنه يمكن التقدّم فوراً لوضع هذه الحدود بتسمية القدس الغربية عاصمة للدولة العبرية، وتسمية القدس الشرقية بحدودها في العام 1967، وبما يتصل بها من أحياء وقرى وبلدات عاصمة لدولة فلسطين.
سبق لدولة الاحتلال في يوليو/ تموز 1980 أن سمّت القدس المحتلة عاصمة لها، من دون أن يغير ذلك شيئا في الوضع السياسي والقانوني للمدينة، وقرار ترامب لن يغيّر شيئا من وضع المدينة، وكل ما في الأمر أن القرار يبرهن على عجز الإدارة الحالية عن احترام المواثيق والقرارات الدولية، وعلى أنها تتصرف بهذا الشأن كما تفعل الدول المارقة التي تدير الظهر لأحكام القانون الدولي، وللإجماع الدولي.
من المفيد، بطبيعة الحال، ومن الضروري، مطاردة واشنطن في كل المحافل الدولية، لإبطال قرارها الشائن، ابتداء من مجلس الأمن وليس انتهاء به، غير أن هذه المواجهة الدبلوماسية الواجبة لا بد أن تقترن بإجراءاتٍ إضافية لتطويق التغول الإسرائيلي، وحيث يراهنون، في كل من تل أبيب وواشنطن، على أن الانفعالات العربية والإسلامية سوف تهدأ مع مضي الوقت، ويفوز الإسرائيليون بـ "الغنيمة"، وفقا للمأثور العربي "أشبعتهم شتماً وفازوا بالإبل". وأول هذه الإجراءات توفير حماية دولية، لأبناء الضفة الغربية المحتلة، وتمكين السلطة الفلسطينية من بناء قوة أمنية ذاتية قادرة على الدفاع عن أبناء شعبها في مواجهة قطعان اللصوص المسلحين من المستوطنين الغزاة، وجنود الاحتلال.
وقد رأى العالم بأسره صورة عشرات الجنود الإسرائيليين في الخليل، وهم يطوّقون فتى فلسطينياً واحداً معصوب العينين ويقتادونه، في استعراضٍ عسكري مقزّز. وثمة عشرات من هذه الوقائع تجري يومياً، على أيدي لصوص الأرض المسلحين، ممن لم يجدوا أحداً في العالم يوقفهم، ومن يُخضعهم للمساءلة. وعلى الشاكلة نفسها، يقوم متطرّفون يهود يوميا، برعاية بنيامين نتنياهو، باستباحة المسجد الأقصى تحت أنظار العالم وسمعه، من دون أن يجد
الفلسطينيون أية حماية لهم، ما يشحن المعتدين بمزيد من الرعونة العدوانية.
تثبيت ثلاثة ملايين فلسطيني على أرضهم في الضفة الغربية وقطاع غزة هدف يستحق دعمه وتكريسه، بمنحهم أسباب الصمود، وبتمكين السلطة الفلسطينية من الولاية على الأرض والشعب، وهو ما يتطلب التمسك بمطلب تأمين حماية دولية جدّية، ومنع لصوص الأرض من الاستيلاء على مزيدٍ منها.
وفي نهاية الأمر، يتم كسر المشروع الإسرائيلي التوسعي على أرض الضفة الغربية، وفي القلب منها القدس، وليس في أي مكان آخر. وفي وسع الرئيس دونالد ترامب منح غلاة الاسرائيليين اللصوص، وفي مقدّمهم نتنياهو، فرصة إقامة مستوطنات صهيونية في القارة الأميركية الشمالية الشاسعة، وليس على أرض فلسطين التي تنتظر عودة أبنائها المهجّرين إليها، ففلسطين هي مفتاح السلام ومفتاح العدل، ما يستدعي التوقف عن البلطجة السياسية والعسكرية المشينة التي تخطت كل الحدود، والإسراع بحماية الشعب الباسل المستضعف هناك.
كان ساكن البيت الأبيض، خلال الأسبوع الماضي، يصم أذنيه عن ردود الفعل الساخطة، وينهمك في متابعة انتخاب عضو واحد لمجلس الشيوخ عن ولاية ألاباما، بالإضافة إلى نفي اتهاماتٍ للرئيس بالتحرّش، ومتابعة التحقيقات بشأن تدخلاتٍ روسيةٍ مفترضة في الانتخابات الرئاسية. ولم يبد أي رد فعل على الأصداء بالغة السلبية لقراره الأخرق، بينما كانت مندوبته إلى مجلس الأمن، نيكي هيلي، تُصرّح: "إنه لم يحدث شيء بعد صدور القرار، وها قد مرت ثلاثة أيام، ولم تقع السماء على الأرض".
وما بدا أنه عزلة شبه تامة للولايات المتحدة على المسرح الدولي، إذ لم يُجار أحد القرار الأميركي، فإن المسؤولين في واشنطن لم يحرّكوا ساكنا تجاه هذا التطور، وأظهروا بلادة استثنائية في إدارة الظهر للعالم بأسره، وإزاء التفاعلات التي أظهرها حلفاؤهم العرب. وبهذا، فإن النخب السياسية النافذة في واشنطن باتت تضع العالم كله في كفة، والاحتلال الإسرائيلي في كفةٍ أخرى، مع رجحان الكفة الثانية في المنظور الأميركي الضيق الذي يمثل نموذجا صارخا للاعقلانية، حين يتعلق الأمر بالصراع العربي الإسرائيلي. وهذا المنظور، وخصوصا لدى الأطراف المحافظة (الجمهوريون) وبعض الجماعات الدينية، يجيز لأصحابه التمسك بعدوانيةٍ دائمة ومنهجية، تجاه الحقوق الفلسطينية والعربية، وتجاه المقدسات الإسلامية، وحتى المسيحية.
وبما أن الأمر يتعدّى هذه المرة مجرد خلاف سياسي، فإن الاكتفاء بإجراء المحادثات السياسية مع واشنطن لا يجدي نفعا، فإدارة ترامب تتموضع شريكة للاحتلال، ومعنيّة في تثبيت نتائجه، و"صفقة القرن" التي يكثر الحديث عنها ترمي إلى تعبيد الطريق أمام اختراق إسرائيلي للمنطقة العربية، وليس إبرام تسوية وفق المرجعيات الدولية، علما أن قرار ترامب قوّض مشروع الصفقة، إذ إن فرط الهوس بمكافأة الاحتلال وإرضائه قد أدّيا إلى تخريب المشروع المشبوه في مهده، وإسقاط دور الوسيط الذي كانت الإدارة الحالية تسعى إلى أدائه.
أمام ذلك، فإن التمسك العربي والفلسطيني الحازم بإلغاء القرار، أو استبداله بقرار آخر يعترف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، يمثل نقطة البداية الوحيدة الصالحة للتعامل مع واشنطن بخصوص مستقبل التسوية، ومن أجل إعادة العقل الى رؤوس الأميركيين، كي يمكن الإصغاء لهم بشأن ملف السلام. ويؤخذ هنا في الاعتبار ما تسعى به واشنطن حاليا إلى الالتفاف حول المسألة بالقول إنها لم تضع حدوداً للقدس في القرار، وهو ما يستحق الرد عليه بأنه يمكن التقدّم فوراً لوضع هذه الحدود بتسمية القدس الغربية عاصمة للدولة العبرية، وتسمية القدس الشرقية بحدودها في العام 1967، وبما يتصل بها من أحياء وقرى وبلدات عاصمة لدولة فلسطين.
سبق لدولة الاحتلال في يوليو/ تموز 1980 أن سمّت القدس المحتلة عاصمة لها، من دون أن يغير ذلك شيئا في الوضع السياسي والقانوني للمدينة، وقرار ترامب لن يغيّر شيئا من وضع المدينة، وكل ما في الأمر أن القرار يبرهن على عجز الإدارة الحالية عن احترام المواثيق والقرارات الدولية، وعلى أنها تتصرف بهذا الشأن كما تفعل الدول المارقة التي تدير الظهر لأحكام القانون الدولي، وللإجماع الدولي.
من المفيد، بطبيعة الحال، ومن الضروري، مطاردة واشنطن في كل المحافل الدولية، لإبطال قرارها الشائن، ابتداء من مجلس الأمن وليس انتهاء به، غير أن هذه المواجهة الدبلوماسية الواجبة لا بد أن تقترن بإجراءاتٍ إضافية لتطويق التغول الإسرائيلي، وحيث يراهنون، في كل من تل أبيب وواشنطن، على أن الانفعالات العربية والإسلامية سوف تهدأ مع مضي الوقت، ويفوز الإسرائيليون بـ "الغنيمة"، وفقا للمأثور العربي "أشبعتهم شتماً وفازوا بالإبل". وأول هذه الإجراءات توفير حماية دولية، لأبناء الضفة الغربية المحتلة، وتمكين السلطة الفلسطينية من بناء قوة أمنية ذاتية قادرة على الدفاع عن أبناء شعبها في مواجهة قطعان اللصوص المسلحين من المستوطنين الغزاة، وجنود الاحتلال.
وقد رأى العالم بأسره صورة عشرات الجنود الإسرائيليين في الخليل، وهم يطوّقون فتى فلسطينياً واحداً معصوب العينين ويقتادونه، في استعراضٍ عسكري مقزّز. وثمة عشرات من هذه الوقائع تجري يومياً، على أيدي لصوص الأرض المسلحين، ممن لم يجدوا أحداً في العالم يوقفهم، ومن يُخضعهم للمساءلة. وعلى الشاكلة نفسها، يقوم متطرّفون يهود يوميا، برعاية بنيامين نتنياهو، باستباحة المسجد الأقصى تحت أنظار العالم وسمعه، من دون أن يجد
تثبيت ثلاثة ملايين فلسطيني على أرضهم في الضفة الغربية وقطاع غزة هدف يستحق دعمه وتكريسه، بمنحهم أسباب الصمود، وبتمكين السلطة الفلسطينية من الولاية على الأرض والشعب، وهو ما يتطلب التمسك بمطلب تأمين حماية دولية جدّية، ومنع لصوص الأرض من الاستيلاء على مزيدٍ منها.
وفي نهاية الأمر، يتم كسر المشروع الإسرائيلي التوسعي على أرض الضفة الغربية، وفي القلب منها القدس، وليس في أي مكان آخر. وفي وسع الرئيس دونالد ترامب منح غلاة الاسرائيليين اللصوص، وفي مقدّمهم نتنياهو، فرصة إقامة مستوطنات صهيونية في القارة الأميركية الشمالية الشاسعة، وليس على أرض فلسطين التي تنتظر عودة أبنائها المهجّرين إليها، ففلسطين هي مفتاح السلام ومفتاح العدل، ما يستدعي التوقف عن البلطجة السياسية والعسكرية المشينة التي تخطت كل الحدود، والإسراع بحماية الشعب الباسل المستضعف هناك.