27 ديسمبر 2020
أنا وأمي وسيرتي الذاتية
كلما تمر أيام آذار تمر في ذاكرتي أيام أمي الراحلة، وذكريات الصداقة التي ربطتني بها لأربع وثلاثين عاماً، وكيف كانت تشاركني قهوتي بفنجان قهوتها الذي يزيد السكر فيه عن القهوة..
أمي لم تكن من النساء اللواتي يبدأن نهارهن بفنجان قهوة مر، كانت تعتدل في جلستها وتضحك وتقول لي: ضعي ملعقة سكر قبل أن تسكبي القهوة، ثم تتناول الفنجان وكأنه واجب من واجباتها لتنهيه بأقصى ما يقدمه الوقت من سرعة، أمي كانت تريدني أنا لا القهوة، وكانت لذتها في مشاركتي لحظة تدرك تماما عشقي لها.
وكنت أنا دائما ممتنة لفنجانها ولجلستها، ولضحكتها على أحاديثي التي لم يكن يزعجها أنها لم تفهمها، بقدر سعادتها بأن ابنتها تتحدث مثل اللواتي في التلفاز، كما كانت تخبرني.
أمي كانت سعيدة بي بمقدار حزني الآن على فراقها، وكنت أنتقي الموضوعات التي أحدثها بها كي لا أرى خجلها أمامي من جهل كتبه القدر عليها، وأنا كنت أعتبر أن رأي أمي أهم من آراء الأكاديميين الذين منحتهم الصدف الاجتماعية منبراً وظروفاً ليكونوا ما هم الآن.
بعد تخرجي من الجامعة وإنهائي مرحلة دبلوم الدراسات العليا بدأت مسيرة البحث عن عمل، وبدأت بإعداد سيرة ذاتية، وكنت وأمي الجميلة وقهوتنا والقلم، وشكوت لأمي قلقي وحيرتي بشأن السيرة، نصحتني تلك المرأة العظيمة بأن أكتب كل ما مررت به من تعب حتى لحظة كتابة سيرتي الذاتية، ضحكت وقتها وقبلت رأسها، وكتبت سيرة ذاتية تقليدية لم أستفد منها شيئاً.
مضى على رحيل أمي عشر سنوات، ومضيت أنا في حياتي، ترافقني سيرة ذاتية جامدة مملوءة بأرقام وأحداث لا تمت لحياتي و مراحلها بأي صلة! كانت أمي على حق، لماذا لا نكتب في سيرتنا الذاتية عن كل المطبات، والهنات، والصدمات التي واجهناها في حياتنا؟ والتي تجاوزناها بصبر أيوب، وإيمان يعقوب، ونجاة نوح؟
أمي لم تكن من النساء اللواتي يبدأن نهارهن بفنجان قهوة مر، كانت تعتدل في جلستها وتضحك وتقول لي: ضعي ملعقة سكر قبل أن تسكبي القهوة، ثم تتناول الفنجان وكأنه واجب من واجباتها لتنهيه بأقصى ما يقدمه الوقت من سرعة، أمي كانت تريدني أنا لا القهوة، وكانت لذتها في مشاركتي لحظة تدرك تماما عشقي لها.
وكنت أنا دائما ممتنة لفنجانها ولجلستها، ولضحكتها على أحاديثي التي لم يكن يزعجها أنها لم تفهمها، بقدر سعادتها بأن ابنتها تتحدث مثل اللواتي في التلفاز، كما كانت تخبرني.
أمي كانت سعيدة بي بمقدار حزني الآن على فراقها، وكنت أنتقي الموضوعات التي أحدثها بها كي لا أرى خجلها أمامي من جهل كتبه القدر عليها، وأنا كنت أعتبر أن رأي أمي أهم من آراء الأكاديميين الذين منحتهم الصدف الاجتماعية منبراً وظروفاً ليكونوا ما هم الآن.
بعد تخرجي من الجامعة وإنهائي مرحلة دبلوم الدراسات العليا بدأت مسيرة البحث عن عمل، وبدأت بإعداد سيرة ذاتية، وكنت وأمي الجميلة وقهوتنا والقلم، وشكوت لأمي قلقي وحيرتي بشأن السيرة، نصحتني تلك المرأة العظيمة بأن أكتب كل ما مررت به من تعب حتى لحظة كتابة سيرتي الذاتية، ضحكت وقتها وقبلت رأسها، وكتبت سيرة ذاتية تقليدية لم أستفد منها شيئاً.
مضى على رحيل أمي عشر سنوات، ومضيت أنا في حياتي، ترافقني سيرة ذاتية جامدة مملوءة بأرقام وأحداث لا تمت لحياتي و مراحلها بأي صلة! كانت أمي على حق، لماذا لا نكتب في سيرتنا الذاتية عن كل المطبات، والهنات، والصدمات التي واجهناها في حياتنا؟ والتي تجاوزناها بصبر أيوب، وإيمان يعقوب، ونجاة نوح؟
لماذا لا نشرح في سيرتنا الذاتية أسباب انهزامنا وانتصارنا؟ ونتكلم عن خيباتنا الاجتماعية، وصراع المنافسة اللاأخلاقية التي ظلمتنا؟ ولماذا لا ندون في سيرتنا تلك أرقام الدموع ونسبها الزمنية في حياتنا؟ وكيف جففناها بنهوض مستمر؟ وتحديات وبدايات صفرية تم بعدها الكثير من الإنجازات؟
قرأت مرة للكاتب والناقد عبدالله الغذامي مقولة: "كلما تعلم المرء زادت ثقته بنفسه، وزاد إيمانه برأيه. حتى لتصبح الخيارات الذاتية بمقام القول شبه المعصوم"، وأدركت مع مرور الأيام عمق هذه المقولة!
فخبراتنا الاجتماعية والعملية أصدق بكثير من شهادات الخبرة التي تمنحها إيانا دور العلم عن خمسة أو سبعة أيام عربون حضور دورة، أو كورس تعليمي عابر، والصلابة والقوة التي تغمرنا إياها مواجهة معيقات العمل أصدق بكثير من كل تعليمات التنمية البشرية!..
أمي كانت على حق: في سيرنا الذاتية، يجب أن نكتب مطبات الروح التي نهضنا بعدها بكل ما امتلكناه من إرادة وعشق لذواتنا، ولنقلها بصدق: يجب أن نكتب في سيرنا الذاتية نحن أبناء أي نوع من الأمهات، فنحن دون أن نقصد سنكون أمهاتنا، وسنصلي في محاريبهن كلما واجهتنا الحياة بتحدياتها.