صورة نمطية في كل مطارات الدول العربية. شباب يحمل ما تيسر من متاع بسيط، مثقل بالخيبات، ومسكون بهاجس الهروب من وطن لم يترك له فرصة العيش على أرضه. بين معاناة الفقر والبطالة والخوف من إهدار عمر لا يعوض، يقبل العشرات من آلاف الشباب العربي على الهجرة من أوطان صارت تنفر مواطنيها بعد أن شحت عليهم لقمة عيش. فارس، واحد من هؤلاء اللاهثين خلف الخبز المر، يقول لـ "العربي الجديد": "إن الغربة بجميع عيوبها تبقى أهون ألف مرة من العيش عاطلاً أو جائعاً على أرض الوطن، فبلادي تصلح للزيارة لا للإقامة".
لم تكن ظاهرة الهجرة العربية البينية وليدة الحروب أو الأزمات السياسية فحسب، بل لعبت الظروف الاقتصادية الصعبة في عدد من الدول العربية دوراً أساسياً في تشجيع ظاهرة الهجرة من دول عربية "منفرة" إلى أخرى "جاذبة". وقد أصدرت إدارة السياسات السكانية والمغتربين والهجرة التابعة لجامعة الدول العربية، دراسة تحت عنوان "التقرير الإقليمي للهجرة الدولية العربية الهجرة الدولية والتنمية" نهاية العام 2014، تناولت من خلاله مختلف التفاصيل الخاصة بالمهاجرين العرب على الصعيد الكمي والنوعي واتجاهات الهجرة وأسبابها.
وقد قسم التقرير المذكور المنطقة العربية إلى أقاليم جاذبة كانت بالأساس دول الخليج العربي الست وليبيا قبل الحرب الأهلية عام 2011، وأقاليم منفرة شملت دول المغرب العربي، ومصر وسورية ولبنان والأردن والعراق وفلسطين المحتلة واليمن.
هجرة مستمرة
وقد بلغ عدد المهاجرين العرب إلى دول الخليج العربي حتى عام 2014، نحو 4.7 ملايين مهاجر بمعدل نمو سنوي ناهز %4.3. ويعتبر المصريون أكبر جالية عربية مهاجرة إلى الخليج، حيث بلغ عددهم عام 2014 حوالي مليوني ونصف المليون نسمة، ثم اليمنيون بـنحو 773 ألف نسمة، ويتبعهم السودانيون بـنحو 483 ألفاً، ثم الأردنيون بنحو400 ألف نسمة. أما باقي الجنسيات العربية فقد توزعت بين السوريين، الذين بلغ عددهم 234 ألف نسمة قبل الحرب، والفلسطينيين بنحو 200 ألف، واللبنانيين بنحو 96 ألفاً، والصوماليين المقدر عددهم بنحو 45 ألفاً، والمغاربة بنحو 34 ألفاً، والتونسيين، أخيراً، بنحو 21 ألف مهاجر في مختلف دول مجلس التعاون الخليجي.
وقد تصدرت المملكة العربية السعودية قائمة الدول الجاذبة، بنحو مليوني مهاجر من مختلف الدول العربية، وعلى رأسهم المصريون البالغ عددهم في المملكة، ما يفوق مليوناً ومائتي ألف نسمة، تليها الإمارات بنحو 700 ألف مهاجرعربي ثم الكويت وقطر.
يعلق الباحث الاقتصادي مالك سراي: "إن اكتشاف الاحتياطيات الهائلة من النفط والغاز الطبيعي، في مطلع القرن العشرين، في دول الخليج العربي، إضافة إلى قلة عدد السكان المحليين، مثل العامل الرئيس في موجات الهجرة الكبرى نحو دول مجلس التعاون الخليجي". مشيراً إلى أن النمو الاقتصادي المتواصل لتلك الدول أدى بدوره إلى تزايد الحاجة إلى القوة العاملة.
أما بخصوص كثافة الهجرة العربية نحو دول الخليج، فيقول الخبير سراي: "إن سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي شهدت أكبر موجات الهجرة العربية نحو دول الخليج العربي، لتشكل الجالية العربية حوالي 70% من القوة العاملة في حين شكل الآسيويون نحو 20%. لكن هذا الوضع تغير منذ العقد الماضي، لتنقلب الآية، وتتحول العمالة العربية إلى أقلية لا تتجاوز 30% مقارنة بنظيرتها الآسيوية، حيث بلغ عدد المهاجرين إلى الخليج العربي من غير العرب نحو 11 مليون نسمة عام 2014".
يشير التقرير الصادر عن إدارة السياسات السكانية والمغتربين والهجرة إلى أن أكبر دافع لهجرة الشباب العربي يعود بالأساس إلى معضلة البطالة التي تسجل مستويات مرتفعة في الدول المنفرة. وهو ما يؤكده الباحث الاقتصادي، عماد بن سليمان، الذي يشير إلى أن عدم قدرة الدول المصدرة للمهاجرين على استيعاب اليد العاملة النشيطة، يعتبر السبب الرئيس وراء موجات الهجرة نحو دول الخليج التي كانت، حتى وقت قريب، قادرة على توفير ما يناهز مليون فرصة عمل سنوياً. ويضيف بن سليمان: "إن معدل بطالة الشباب من ذوي الشهادات العليا في الدول العربية يبلغ ضعف المعدل العالمي ليناهز 26% في تونس، و28% في مصر، و24% في سورية والأردن.
ويؤكد بن سليمان أن انهيار القطاع العام في تلك الدول، أدى إلى عجز الحكومات عن توظيف خريجي الجامعات وطالبي العمل الذين يتزايد عددهم سنوياً بمعدلات تتراوح بين 5% و9% في دول شمال أفريقيا والمشرق العربي، في حين تسجل نسب النمو الاقتصادي في نفس المنطقة معدلات سلبية أو نسقاً بطيئاً لا يتجاوز في تونس على سبيل المثال 2.1% أو في مصر 2.3%.
ويحذر بن سليمان من أن موجات الهجرة سواء نحو الدول العربية الجاذبة أو الدول الأخرى، تتسبب في انتشار ظاهرة خطيرة على مستقبل الدول المنفرة، وهي هجرة العقول والكفاءات. حيث يشير هذا الأخير إلى أن تقارير منظمة العمل الدولية كشفت أن نسبة الكفاءات المهاجرة من لبنان تقدر بنحو 40% من عدد المهاجرين.
وقد تفاقمت هجرة الكفاءات منذ التسعينيات، إذ بموازاة الأزمة وقلة فرص التشغيل وتقدم النظام التعليمي، كان للظروف الأمنية دور في تحفيز خريجي الجامعات على الهجرة. أما في الجزائر، فقد مثل الأطباء والمهندسون 44% تقريباً من إجمالي المهاجرين بين الأعوام 2009 و2013.
ويختم: "أصبحت الدول الجاذبة تعي أهمية هذه الفئة من المهاجرين، لذلك شرعت في وضع شروط تضمن لها انتقاء أفضل الكفاءات الوافدة، خصوصاً مع تراجع الحاجة إلى اليد العاملة متدنية التكوين من الدول العربية وتعويضها بالعمالة الآسيوية".
لم تكن ظاهرة الهجرة العربية البينية وليدة الحروب أو الأزمات السياسية فحسب، بل لعبت الظروف الاقتصادية الصعبة في عدد من الدول العربية دوراً أساسياً في تشجيع ظاهرة الهجرة من دول عربية "منفرة" إلى أخرى "جاذبة". وقد أصدرت إدارة السياسات السكانية والمغتربين والهجرة التابعة لجامعة الدول العربية، دراسة تحت عنوان "التقرير الإقليمي للهجرة الدولية العربية الهجرة الدولية والتنمية" نهاية العام 2014، تناولت من خلاله مختلف التفاصيل الخاصة بالمهاجرين العرب على الصعيد الكمي والنوعي واتجاهات الهجرة وأسبابها.
وقد قسم التقرير المذكور المنطقة العربية إلى أقاليم جاذبة كانت بالأساس دول الخليج العربي الست وليبيا قبل الحرب الأهلية عام 2011، وأقاليم منفرة شملت دول المغرب العربي، ومصر وسورية ولبنان والأردن والعراق وفلسطين المحتلة واليمن.
هجرة مستمرة
وقد بلغ عدد المهاجرين العرب إلى دول الخليج العربي حتى عام 2014، نحو 4.7 ملايين مهاجر بمعدل نمو سنوي ناهز %4.3. ويعتبر المصريون أكبر جالية عربية مهاجرة إلى الخليج، حيث بلغ عددهم عام 2014 حوالي مليوني ونصف المليون نسمة، ثم اليمنيون بـنحو 773 ألف نسمة، ويتبعهم السودانيون بـنحو 483 ألفاً، ثم الأردنيون بنحو400 ألف نسمة. أما باقي الجنسيات العربية فقد توزعت بين السوريين، الذين بلغ عددهم 234 ألف نسمة قبل الحرب، والفلسطينيين بنحو 200 ألف، واللبنانيين بنحو 96 ألفاً، والصوماليين المقدر عددهم بنحو 45 ألفاً، والمغاربة بنحو 34 ألفاً، والتونسيين، أخيراً، بنحو 21 ألف مهاجر في مختلف دول مجلس التعاون الخليجي.
وقد تصدرت المملكة العربية السعودية قائمة الدول الجاذبة، بنحو مليوني مهاجر من مختلف الدول العربية، وعلى رأسهم المصريون البالغ عددهم في المملكة، ما يفوق مليوناً ومائتي ألف نسمة، تليها الإمارات بنحو 700 ألف مهاجرعربي ثم الكويت وقطر.
يعلق الباحث الاقتصادي مالك سراي: "إن اكتشاف الاحتياطيات الهائلة من النفط والغاز الطبيعي، في مطلع القرن العشرين، في دول الخليج العربي، إضافة إلى قلة عدد السكان المحليين، مثل العامل الرئيس في موجات الهجرة الكبرى نحو دول مجلس التعاون الخليجي". مشيراً إلى أن النمو الاقتصادي المتواصل لتلك الدول أدى بدوره إلى تزايد الحاجة إلى القوة العاملة.
أما بخصوص كثافة الهجرة العربية نحو دول الخليج، فيقول الخبير سراي: "إن سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي شهدت أكبر موجات الهجرة العربية نحو دول الخليج العربي، لتشكل الجالية العربية حوالي 70% من القوة العاملة في حين شكل الآسيويون نحو 20%. لكن هذا الوضع تغير منذ العقد الماضي، لتنقلب الآية، وتتحول العمالة العربية إلى أقلية لا تتجاوز 30% مقارنة بنظيرتها الآسيوية، حيث بلغ عدد المهاجرين إلى الخليج العربي من غير العرب نحو 11 مليون نسمة عام 2014".
يشير التقرير الصادر عن إدارة السياسات السكانية والمغتربين والهجرة إلى أن أكبر دافع لهجرة الشباب العربي يعود بالأساس إلى معضلة البطالة التي تسجل مستويات مرتفعة في الدول المنفرة. وهو ما يؤكده الباحث الاقتصادي، عماد بن سليمان، الذي يشير إلى أن عدم قدرة الدول المصدرة للمهاجرين على استيعاب اليد العاملة النشيطة، يعتبر السبب الرئيس وراء موجات الهجرة نحو دول الخليج التي كانت، حتى وقت قريب، قادرة على توفير ما يناهز مليون فرصة عمل سنوياً. ويضيف بن سليمان: "إن معدل بطالة الشباب من ذوي الشهادات العليا في الدول العربية يبلغ ضعف المعدل العالمي ليناهز 26% في تونس، و28% في مصر، و24% في سورية والأردن.
ويؤكد بن سليمان أن انهيار القطاع العام في تلك الدول، أدى إلى عجز الحكومات عن توظيف خريجي الجامعات وطالبي العمل الذين يتزايد عددهم سنوياً بمعدلات تتراوح بين 5% و9% في دول شمال أفريقيا والمشرق العربي، في حين تسجل نسب النمو الاقتصادي في نفس المنطقة معدلات سلبية أو نسقاً بطيئاً لا يتجاوز في تونس على سبيل المثال 2.1% أو في مصر 2.3%.
ويحذر بن سليمان من أن موجات الهجرة سواء نحو الدول العربية الجاذبة أو الدول الأخرى، تتسبب في انتشار ظاهرة خطيرة على مستقبل الدول المنفرة، وهي هجرة العقول والكفاءات. حيث يشير هذا الأخير إلى أن تقارير منظمة العمل الدولية كشفت أن نسبة الكفاءات المهاجرة من لبنان تقدر بنحو 40% من عدد المهاجرين.
وقد تفاقمت هجرة الكفاءات منذ التسعينيات، إذ بموازاة الأزمة وقلة فرص التشغيل وتقدم النظام التعليمي، كان للظروف الأمنية دور في تحفيز خريجي الجامعات على الهجرة. أما في الجزائر، فقد مثل الأطباء والمهندسون 44% تقريباً من إجمالي المهاجرين بين الأعوام 2009 و2013.
ويختم: "أصبحت الدول الجاذبة تعي أهمية هذه الفئة من المهاجرين، لذلك شرعت في وضع شروط تضمن لها انتقاء أفضل الكفاءات الوافدة، خصوصاً مع تراجع الحاجة إلى اليد العاملة متدنية التكوين من الدول العربية وتعويضها بالعمالة الآسيوية".