تاريخياً، يقترن اسم البرازيل بالرياضة بشكل عام، وكرة القدم بشكل خاص. تاريخياً أيضاً، يرتبط اسم البلاد بالفساد السياسي والمالي، وبعصابات المخدرات التي تتخذ من "الفافيلاس" (العشوائيات المحيطة بالمدن) معاقل لها. في ظلّ هذا المزيج من المحطات التاريخية، المعطوفة على أسوأ أزمة سياسية ـ دستورية في البلاد منذ انتهاء الحكم العسكري (1964 ـ 1985)، انطلقت دورة الألعاب الأولمبية الصيفية الـ31 في مدينة ريو دي جانيرو، بين 5 أغسطس/ آب الحالي و26 منه.
قبل أيام من انطلاق الدورة رسمياً، اشتبكت الشرطة البرازيلية مع عصابات المخدرات في "فافيلا" أليماو، التي يسكن فيها نحو 70 ألف شخص. الاشتباكات تحصل بصورة دورية في كل مناطق "الفافيلاس". "فافيلا" أليماو نفسها شهدت اشتباكات مماثلة العام الماضي، لم تخرج إلى الضوء، على اعتبار أنه في ذلك الحين "كان الأمر محلياً لدرجة عدم اكتراث العالم به". أما في الواقع، فإن اشتباكات "الفافيلاس" تكشف دائماً الوجه المظلم لدولة البرازيل ومدى قوة العنصرية والطبقية فيها، لا سيما أن 68.4 في المائة من سكان "الفافيلاس" هم من السود الأفارقة الأصل، أو من باردو (خليط من البيض الأوروبيين والسود الأفارقة والسكان الأصليين للبرازيل، الذين أطلق عليهم خطأ تسمية الهنود).
بدأت المعارك هذه المرة بعد نشر الشرطة 450 ضابطاً في أليماو، على رأسهم اللبناني الأصل، فيليبي كوري (خوري). وقد سعت الشرطة عبر نشر العناصر لتأمين "الأمن الاستباقي" للألعاب الأولمبية، إلى تطويق أي محاولة لبيع المخدرات أثناء الدورة أو شنّ هجمات إرهابية غير مرتبطة بعقائد أو أفكار أيديولوجية.
أصيب كوري أثناء العملية، ما دفع الشرطة إلى تعزيز تواجدها على تخوم "الفافيلا"، وسط مطالبات بانتشار الجيش فيها. مع العلم أن رئيس الجمهورية وحده يحقّ له الاستعانة بالجيش، وفي حال استعان الرئيس المؤقت، اللبناني الأصل، ميشال تامر، بالجيش، فستندلع حرب دستورية حول صلاحية دعوته. بالتالي فإن الأمر بات متروكاً للشرطة، التي تملك بعض وحداتها المنتشرة في مختلف مناطق "الفافيلاس"، قوة وتدريباً أكثر احترافية من بعض وحدات الجيش. وللدلالة على الخشية من اختراقات أمنية، تمّ تخصيص عناصر أمنية، أكثر من العادة، لمواكبة الرياضيين المشاركين في الدورة.
اقــرأ أيضاً
معارك "الفافيلاس" ليست جديدة، لا هي ولا تشعّباتها. فقد شهدت مدينة ساو باولو في عام 2006، وعلى فترتين زمنيتين، الأولى بين 12 مايو/ أيار و17 منه، والثانية بين 12 يوليو/ تموز و17 منه، اشتباكات عنيفة واعتداءات من العصابات على الشرطة. سقط في هذه العمليات 141 قتيلاً، بينهم 79 من العصابات، والباقي من الشرطة والمدنيين. ما دفع السلطات، من ضمن خطتها الأمنية، إلى تخصيص "قوات حفظ سلام" في "الفافيلاس". حاولت "فافيلا" أليماو التمرّد على هذه الخطة بين 21 نوفمبر/ تشرين الثاني و28 منه في عام 2010، لكنها جوبهت بردّ عنيفٍ من الشرطة، وقُتل 39 عنصراً من العصابات.
في البرازيل 69 "فافيلا" موزّعة على خمس ولايات: برنامبوكو (12 فافيلا)، وساو باولو (16 فافيلا)، وريو دي جانيرو (37 فافيلا)، وميناس جيرايس (3 فافيلاس)، وباهيا (فافيلا واحدة). أشرسها في ريو دي جانيرو. يسكن في "الفافيلاس" 11.4 مليون نسمة، من أصل نحو 206 ملايين نسمة في البرازيل.
ومع أن الوضع الأمني سيبقى مهيمناً حتى نهاية الألعاب الأولمبية، إلا أن تكرار مشهدية التظاهرات المضادة للاحتفال الرياضي، التي تكبّده مبالغ طائلة، مع استمرار تردّي الوضع الاقتصادي ـ الاجتماعي، يعيد إلى الواجهة التظاهرات التي رافقت كأس العالم لكرة القدم 2014، في البرازيل أيضاً. انتهت البطولة في حينه، وتحوّلت الملاعب والمنشآت إلى مدن أشباح، من دون جدوى اقتصادية أو اجتماعية. كذلك يخشى المعارضون من مصير مماثل لمنشآت الدورة الحالية.
الواقع الأمني المتردّي، ينثبق أصلاً من سلطة متردية، بعد تهاوي أركان أساسية في الدولة بفعل فضيحة "غسيل السيارات" المتعلقة بشركة "بتروبراس" النفطية. ووردت أسماء عدة في الفضيحة التي ظهرت بشكل فاقع في صيف العام الماضي، ومنها الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا "لولا"، والرئيسة المُقالة ديلما روسيف، عدا عن شخصيات عدة في مختلف المراكز في السلطة. وكان لافتاً أن جزءاً من الفضيحة متعلق ببناء المنشآت الرياضية، التي وُزّعت فيها عمولات هائلة في المناقصات وفي البناء على حدّ سواء. أما تامر، فإنه لن يكون حلاً نهائياً للأزمة السياسية العاصفة في البلاد، فوفقاً للدستور، سيبقى رئيساً موقتاً لستة أشهر. وقد بدأ عهده في 12 مايو/ أيار الماضي، على أن ينتهي في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
كشف تتالي الدورات الرياضية في البرازيل، مدى جهل العالم بأكبر دولة في أميركا الجنوبية، وغياب التأثير البرتغالي عنها، رغم الاستعمار التاريخي. كما كشف مدى تغلغل الفساد في المنظومتين الاقتصادية والسياسية في البلاد، مع أنه مرّ على انتهاء الحكم العسكري 31 عاماً، غير أنه لم تتمّ معالجة مسألة الفساد. قد تنتهي الدورة الأولمبية بسلام، لكن البرازيل تنزلق أكثر فأكثر نحو أكبر أزمة في تاريخ ما بعد الحرب العالمية الثانية.
قبل أيام من انطلاق الدورة رسمياً، اشتبكت الشرطة البرازيلية مع عصابات المخدرات في "فافيلا" أليماو، التي يسكن فيها نحو 70 ألف شخص. الاشتباكات تحصل بصورة دورية في كل مناطق "الفافيلاس". "فافيلا" أليماو نفسها شهدت اشتباكات مماثلة العام الماضي، لم تخرج إلى الضوء، على اعتبار أنه في ذلك الحين "كان الأمر محلياً لدرجة عدم اكتراث العالم به". أما في الواقع، فإن اشتباكات "الفافيلاس" تكشف دائماً الوجه المظلم لدولة البرازيل ومدى قوة العنصرية والطبقية فيها، لا سيما أن 68.4 في المائة من سكان "الفافيلاس" هم من السود الأفارقة الأصل، أو من باردو (خليط من البيض الأوروبيين والسود الأفارقة والسكان الأصليين للبرازيل، الذين أطلق عليهم خطأ تسمية الهنود).
أصيب كوري أثناء العملية، ما دفع الشرطة إلى تعزيز تواجدها على تخوم "الفافيلا"، وسط مطالبات بانتشار الجيش فيها. مع العلم أن رئيس الجمهورية وحده يحقّ له الاستعانة بالجيش، وفي حال استعان الرئيس المؤقت، اللبناني الأصل، ميشال تامر، بالجيش، فستندلع حرب دستورية حول صلاحية دعوته. بالتالي فإن الأمر بات متروكاً للشرطة، التي تملك بعض وحداتها المنتشرة في مختلف مناطق "الفافيلاس"، قوة وتدريباً أكثر احترافية من بعض وحدات الجيش. وللدلالة على الخشية من اختراقات أمنية، تمّ تخصيص عناصر أمنية، أكثر من العادة، لمواكبة الرياضيين المشاركين في الدورة.
معارك "الفافيلاس" ليست جديدة، لا هي ولا تشعّباتها. فقد شهدت مدينة ساو باولو في عام 2006، وعلى فترتين زمنيتين، الأولى بين 12 مايو/ أيار و17 منه، والثانية بين 12 يوليو/ تموز و17 منه، اشتباكات عنيفة واعتداءات من العصابات على الشرطة. سقط في هذه العمليات 141 قتيلاً، بينهم 79 من العصابات، والباقي من الشرطة والمدنيين. ما دفع السلطات، من ضمن خطتها الأمنية، إلى تخصيص "قوات حفظ سلام" في "الفافيلاس". حاولت "فافيلا" أليماو التمرّد على هذه الخطة بين 21 نوفمبر/ تشرين الثاني و28 منه في عام 2010، لكنها جوبهت بردّ عنيفٍ من الشرطة، وقُتل 39 عنصراً من العصابات.
في البرازيل 69 "فافيلا" موزّعة على خمس ولايات: برنامبوكو (12 فافيلا)، وساو باولو (16 فافيلا)، وريو دي جانيرو (37 فافيلا)، وميناس جيرايس (3 فافيلاس)، وباهيا (فافيلا واحدة). أشرسها في ريو دي جانيرو. يسكن في "الفافيلاس" 11.4 مليون نسمة، من أصل نحو 206 ملايين نسمة في البرازيل.
ومع أن الوضع الأمني سيبقى مهيمناً حتى نهاية الألعاب الأولمبية، إلا أن تكرار مشهدية التظاهرات المضادة للاحتفال الرياضي، التي تكبّده مبالغ طائلة، مع استمرار تردّي الوضع الاقتصادي ـ الاجتماعي، يعيد إلى الواجهة التظاهرات التي رافقت كأس العالم لكرة القدم 2014، في البرازيل أيضاً. انتهت البطولة في حينه، وتحوّلت الملاعب والمنشآت إلى مدن أشباح، من دون جدوى اقتصادية أو اجتماعية. كذلك يخشى المعارضون من مصير مماثل لمنشآت الدورة الحالية.
كشف تتالي الدورات الرياضية في البرازيل، مدى جهل العالم بأكبر دولة في أميركا الجنوبية، وغياب التأثير البرتغالي عنها، رغم الاستعمار التاريخي. كما كشف مدى تغلغل الفساد في المنظومتين الاقتصادية والسياسية في البلاد، مع أنه مرّ على انتهاء الحكم العسكري 31 عاماً، غير أنه لم تتمّ معالجة مسألة الفساد. قد تنتهي الدورة الأولمبية بسلام، لكن البرازيل تنزلق أكثر فأكثر نحو أكبر أزمة في تاريخ ما بعد الحرب العالمية الثانية.