16 نوفمبر 2024
إبادة السوريين طريقاً لمجد روسيا
تمثل الحرب على الغوطة الشرقية قرب العاصمة دمشق ذروة جديدة من ذرى حرب الإبادة التي تنشط بها روسيا وإيران ومنظماتها الطائفية، العراقية واللبنانية والأفغانية والباكستانية، إضافة إلى النظام. وتدل خبرة هذه الحرب على أن هذه الأطراف تعتبر المدنيين المحاصرين أو النازحين، والمرافق المدنية على تواضعها، وبالذات المراكز الطبية أو ما تبقى منها، أهدافا عسكرية سهلة المنال، ويؤدي إلحاق الضرر البليغ بها إلى نتائج "ممتازة" في الحرب. ولهذا، طغت أخبار استهداف الأحياء السكنية والخدمية والتجارية بالصواريخ والبراميل الحارقة وقذائف المدفعية الثقيلة، وصور القتلى والمصابين تحت الأنقاض، ومشاهد النساء والأطفال المذعورين الذين لا يجدون ملاذا، أو فرصة للنجاة.
وسبق للسيد سيرغي لافروف، رئيس الدبلوماسية الروسية، أن صرح بأن سيناريو حلب قابل للتكرار في الغوطة الشرقية، وكانت روسيا قد استخدمت أسلحة متطورة مخصصة لاستهداف التحصينات في قصف المدنيين المحاصرين في حلب الغربية، وأدى ذلك القصف إلى قتل وجرح مئات من المدنيين، وتشريد نحو 36 ألفا تمت مطاردة كثيرين منهم بالطائرات، لإغلاق سبل النجاة أمامهم. وقد تزامن إسقاط حلب في أواسط ديسمبر/ كانون الأول 2016 مع انسحاب قواتٍ روسيةٍ من مدينة تدمر وسيطرة "داعش" على هذه المدينة الأثرية، في رسالةٍ فُهم منها أن المعركة لم تكن ولن تكون مع "داعش" الإرهابية، بل مع المدنيين السوريين الذين قد يشكلون حاضنةً شعبيةً للمعارضة الوطنية. وإثر انتهاء معركة حلب، وخروج المقاتلين منها، بعد إلحاق أكبر دمارٍ بها، تباهى مسؤولون روس بأن الأسلحة التي تم استخدامها ضد الأحياء السكنية قد لفتت الأنظار، واجتذبت عروضا جديدة لشراء السلاح الروسي، حيث تعتبر صناعة الأسلحة وتجارتها عصبا للاقتصاد الروسي، وبدون منتجاتٍ مدنية تذكر، سوى في بعض القطاعات الطبية الموروثة عن العهد السوفييتي.
تضم الغوطة نحو ثماني مدن، أهمها دوما وزملكا، وقد تراجع عدد سكانها من نحو مليوني
نسمة إلى أربعمائة ألف، نتيجة تعرّض المنطقة للحصار الخانق، عقابا لهم على وقوفهم مع الثورة.
مثل إيران، تجد روسيا أن من مصلحتها القضاء على الثورة، وعلى كل حل سياسي، مهما كان الثمن، ومهما لحق بسورية (غير المفيدة) وبالسوريين من دمار وكوارث، ويشارك سلاحها الجوي بكثافةٍ في تدمير المدن والبلدات والأرياف. وترى موسكو على الدوام أن وقف إطلاق النار غير واقعي. وترتضي أحيانا بهدنة لساعات فقط. وبدلاً من اعتماد وقف إطلاق النار، ابتدعت موسكو ما سمي خفض التصعيد، وهو أسلوب استخدمته هي وحلفاؤها لمضاعفة التصعيد. والغوطة الشرقية، شأن إدلب، مشمولةٌ بخفض التصعيد المبتدع روسياً، والذي دأبت موسكو على نقضه، متمتعةً بامتياز استهداف المراكز الطبية والعلاجية، وإخراجها من الخدمة، جنبا إلى جنب مع استهداف مراكز الدفاع المدني، وهو سلوكٌ أقل ما يقال فيه إنه يندرج ضمن جرائم الحرب. ولم تكتف موسكو بتشديد ضرباتها على مراكز الدفاع المدني، بل شنت حربا إعلاميةً ضد الأشرطة السينمائية التي تتناول جهد الدفاع المدني في أعمال الإغاثة، ووصل "الإبداع" الروسي إلى درجة اتهام الدفاع المدني بالارتباط بالقاعدة (!).
لا تستوقف النتائج الكارثية المروّعة الدبلوماسية الروسية التي تفطنت، الأربعاء الماضي، لأهمية استخدام سلاح النفي، فخرج ناطقٌ باسم الرئاسة للقول إنها اتهاماتٌ بلا أساس، فيما يعرف كل طفل في سورية أن الطيران الذي يطير فوق مناطق المعارضة هو طيران روسي، مع مشاركة جزئية لطيران النظام. وفي مجلس الأمن كان المندوب الروسي غير المعني (كما هي عقيدة إدارة بلاده بالمدنيين) وبحرمة الحياة البشرية، خرج "يتهم" المعارضة بأنها رفضت الاستسلام. وفي واقع الأمر، يريد الأصدقاء الروس للسوريين كلهم أن يستسلموا لهم، من أجل ضمان المصالح الروسية طويلة الأمد في سورية، حتى لو أدى ذلك إلى أن تغدو سورية بلا سوريين، فالمهم أن يتم بأي ثمن بناء المجد الروسي خارج الحدود، وأن تتم منافسة أميركا والغرب، حتى لو أدى ذلك، وهو يؤدي، إلى إبادة شعوب.
وقد جرى في الأثناء مشاغلة تركيا بمدينة عفرين التي تسيطر عليها قوات الحماية الكردية، تماما كما حدث في انشغال تركيا بالمعركة ضد مدينة الباب، قبيل سقوط حلب تحت أنظار القوات التركية. وعلى هذا النحو، تم الفصل بين عفرين وما عداها، بحيث يكون الشاغل الوحيد لأنقرة في سورية هو الحزب الكردي المسلح هنا وهناك. أما أميركا ترامب، فإنها لا ترى في الغوطة، كما في إدلب سوى معارك تستنزف خصومها، حتى لو سقط آلاف القتلى من المدنيين، وحتى لو أدى ذلك إلى تقوية النفوذ الإيراني لاحقاً في سورية، فلكل وقتٍ وقته!
وكما أن تركيا لا ترى سوى الحركة الكردية المسلحة، كذلك فإن أميركا لا ترى سوى "داعش" الذي خسر حقا نقطة تمركزه في الرقة، لكنه حقق انتشارا في بقية المناطق، من دون أن تتم مطاردته أميركيا حيث انتشر.
وجاءت معركة روسيا ضد الغوطة وأهلها متزامنة ومتساوقة مع الحملة الروسية على ريف
إدلب، حيث تتفنن القوات الروسية في الإيقاع بالنازحين البؤساء، وكل تجمع سكني وتجاري، وذلك كله باسم مكافحة جبهة النصرة، فتحت هذه الراية تندفع القوات الروسية إلى قتل كل مظاهر الحياة والعمران.
وسبق لموسكو أن قالت إنها تدخلت في سورية لمحاربة "داعش"، وقد دلت الوقائع المضطردة منذ سبتمبر/ أيلول 2015، ويوماً عن يوم، أن "داعش" هو في آخر قائمة الاستهداف الروسي، الذي يتركز على المدنيين والمرافق المدنية والمعارضة المعتدلة.
لنا أن نستذكر هنا أن الغوطة سبق أن شهدت في أغسطس/ آب 2013 مذبحة الكيماوي التي قضى فيها 1300 مدني خلال ساعة. ومنذ ذلك التاريخ، توطدت علاقة موسكو بدمشق، وسخرت من كل التقارير الدولية التي تدين النظام باستخدام أسلحة محرمة ضد شعبه، ومنها الاستخدام اللاحق لهذه الأسلحة في خان شيخون في ريف إدلب، في مطلع إبريل/ نيسان 2017 الذي أودى بنحو مائة مدني، جلهم من الأطفال، وقد قادت "الحنكة" الروسية، بعدئذٍ، إلى جعل خان شيخون المنكوبة هدفا مفضلاً لهجمات القوات الروسية!
جرى الحديث هنا عن روسيا التي لا تكتفي بالحرب المريعة ضد المدنيين، لكنها تنشط سياسيا ودبلوماسيا وإعلاميا في قيادة هذه المعركة، خلافا لإيران ومليشياتها التي تكتفي بحربٍ "مقدسة" ضد "أحفاد يزيد"، وهم أكثرية الشعب السوري، وتنشغل بوضع الخرائط والمشاريع، للسيطرة على كل ما تمكن السيطرة عليه من الثروات الطبيعية في سورية، لتعويض خسائرها المالية في شن الحرب على السوريين، كما كشف ذلك أخيرا مستشار المرشد علي خامئني، يحيى رحيم صفوي.
وسبق للسيد سيرغي لافروف، رئيس الدبلوماسية الروسية، أن صرح بأن سيناريو حلب قابل للتكرار في الغوطة الشرقية، وكانت روسيا قد استخدمت أسلحة متطورة مخصصة لاستهداف التحصينات في قصف المدنيين المحاصرين في حلب الغربية، وأدى ذلك القصف إلى قتل وجرح مئات من المدنيين، وتشريد نحو 36 ألفا تمت مطاردة كثيرين منهم بالطائرات، لإغلاق سبل النجاة أمامهم. وقد تزامن إسقاط حلب في أواسط ديسمبر/ كانون الأول 2016 مع انسحاب قواتٍ روسيةٍ من مدينة تدمر وسيطرة "داعش" على هذه المدينة الأثرية، في رسالةٍ فُهم منها أن المعركة لم تكن ولن تكون مع "داعش" الإرهابية، بل مع المدنيين السوريين الذين قد يشكلون حاضنةً شعبيةً للمعارضة الوطنية. وإثر انتهاء معركة حلب، وخروج المقاتلين منها، بعد إلحاق أكبر دمارٍ بها، تباهى مسؤولون روس بأن الأسلحة التي تم استخدامها ضد الأحياء السكنية قد لفتت الأنظار، واجتذبت عروضا جديدة لشراء السلاح الروسي، حيث تعتبر صناعة الأسلحة وتجارتها عصبا للاقتصاد الروسي، وبدون منتجاتٍ مدنية تذكر، سوى في بعض القطاعات الطبية الموروثة عن العهد السوفييتي.
تضم الغوطة نحو ثماني مدن، أهمها دوما وزملكا، وقد تراجع عدد سكانها من نحو مليوني
مثل إيران، تجد روسيا أن من مصلحتها القضاء على الثورة، وعلى كل حل سياسي، مهما كان الثمن، ومهما لحق بسورية (غير المفيدة) وبالسوريين من دمار وكوارث، ويشارك سلاحها الجوي بكثافةٍ في تدمير المدن والبلدات والأرياف. وترى موسكو على الدوام أن وقف إطلاق النار غير واقعي. وترتضي أحيانا بهدنة لساعات فقط. وبدلاً من اعتماد وقف إطلاق النار، ابتدعت موسكو ما سمي خفض التصعيد، وهو أسلوب استخدمته هي وحلفاؤها لمضاعفة التصعيد. والغوطة الشرقية، شأن إدلب، مشمولةٌ بخفض التصعيد المبتدع روسياً، والذي دأبت موسكو على نقضه، متمتعةً بامتياز استهداف المراكز الطبية والعلاجية، وإخراجها من الخدمة، جنبا إلى جنب مع استهداف مراكز الدفاع المدني، وهو سلوكٌ أقل ما يقال فيه إنه يندرج ضمن جرائم الحرب. ولم تكتف موسكو بتشديد ضرباتها على مراكز الدفاع المدني، بل شنت حربا إعلاميةً ضد الأشرطة السينمائية التي تتناول جهد الدفاع المدني في أعمال الإغاثة، ووصل "الإبداع" الروسي إلى درجة اتهام الدفاع المدني بالارتباط بالقاعدة (!).
لا تستوقف النتائج الكارثية المروّعة الدبلوماسية الروسية التي تفطنت، الأربعاء الماضي، لأهمية استخدام سلاح النفي، فخرج ناطقٌ باسم الرئاسة للقول إنها اتهاماتٌ بلا أساس، فيما يعرف كل طفل في سورية أن الطيران الذي يطير فوق مناطق المعارضة هو طيران روسي، مع مشاركة جزئية لطيران النظام. وفي مجلس الأمن كان المندوب الروسي غير المعني (كما هي عقيدة إدارة بلاده بالمدنيين) وبحرمة الحياة البشرية، خرج "يتهم" المعارضة بأنها رفضت الاستسلام. وفي واقع الأمر، يريد الأصدقاء الروس للسوريين كلهم أن يستسلموا لهم، من أجل ضمان المصالح الروسية طويلة الأمد في سورية، حتى لو أدى ذلك إلى أن تغدو سورية بلا سوريين، فالمهم أن يتم بأي ثمن بناء المجد الروسي خارج الحدود، وأن تتم منافسة أميركا والغرب، حتى لو أدى ذلك، وهو يؤدي، إلى إبادة شعوب.
وقد جرى في الأثناء مشاغلة تركيا بمدينة عفرين التي تسيطر عليها قوات الحماية الكردية، تماما كما حدث في انشغال تركيا بالمعركة ضد مدينة الباب، قبيل سقوط حلب تحت أنظار القوات التركية. وعلى هذا النحو، تم الفصل بين عفرين وما عداها، بحيث يكون الشاغل الوحيد لأنقرة في سورية هو الحزب الكردي المسلح هنا وهناك. أما أميركا ترامب، فإنها لا ترى في الغوطة، كما في إدلب سوى معارك تستنزف خصومها، حتى لو سقط آلاف القتلى من المدنيين، وحتى لو أدى ذلك إلى تقوية النفوذ الإيراني لاحقاً في سورية، فلكل وقتٍ وقته!
وكما أن تركيا لا ترى سوى الحركة الكردية المسلحة، كذلك فإن أميركا لا ترى سوى "داعش" الذي خسر حقا نقطة تمركزه في الرقة، لكنه حقق انتشارا في بقية المناطق، من دون أن تتم مطاردته أميركيا حيث انتشر.
وجاءت معركة روسيا ضد الغوطة وأهلها متزامنة ومتساوقة مع الحملة الروسية على ريف
وسبق لموسكو أن قالت إنها تدخلت في سورية لمحاربة "داعش"، وقد دلت الوقائع المضطردة منذ سبتمبر/ أيلول 2015، ويوماً عن يوم، أن "داعش" هو في آخر قائمة الاستهداف الروسي، الذي يتركز على المدنيين والمرافق المدنية والمعارضة المعتدلة.
لنا أن نستذكر هنا أن الغوطة سبق أن شهدت في أغسطس/ آب 2013 مذبحة الكيماوي التي قضى فيها 1300 مدني خلال ساعة. ومنذ ذلك التاريخ، توطدت علاقة موسكو بدمشق، وسخرت من كل التقارير الدولية التي تدين النظام باستخدام أسلحة محرمة ضد شعبه، ومنها الاستخدام اللاحق لهذه الأسلحة في خان شيخون في ريف إدلب، في مطلع إبريل/ نيسان 2017 الذي أودى بنحو مائة مدني، جلهم من الأطفال، وقد قادت "الحنكة" الروسية، بعدئذٍ، إلى جعل خان شيخون المنكوبة هدفا مفضلاً لهجمات القوات الروسية!
جرى الحديث هنا عن روسيا التي لا تكتفي بالحرب المريعة ضد المدنيين، لكنها تنشط سياسيا ودبلوماسيا وإعلاميا في قيادة هذه المعركة، خلافا لإيران ومليشياتها التي تكتفي بحربٍ "مقدسة" ضد "أحفاد يزيد"، وهم أكثرية الشعب السوري، وتنشغل بوضع الخرائط والمشاريع، للسيطرة على كل ما تمكن السيطرة عليه من الثروات الطبيعية في سورية، لتعويض خسائرها المالية في شن الحرب على السوريين، كما كشف ذلك أخيرا مستشار المرشد علي خامئني، يحيى رحيم صفوي.