إخوان الأردن بين الجمعية والجماعة
ومع دخول نسائم الربيع العربي، وتولّي الإسلاميين الحكم في تونس ومصر، ومشاركتهم في صنع القرار في ليبيا، والانتصارات المتتالية لحركة المقاومة الإسلامية - حماس في غزة على جيش الاحتلال الإسرائيلي، كانت جماعة إخوان الأردن تبحث عن نفسها، وترسم سياساتها المستقبلية التي كان أهمها إجراء تغيير سلمي في الأردن، يغيّر من علاقتها مع الحكومة، ويخضع الحكومة لرغباتها، فكان شعارهم الإصلاحي عندما نزلوا إلى الشارع "الشعب يريد إصلاح النظام"، إلا أن الحكومة كانت على مستوى عالٍ من الوعي السياسي الذي جعلها تتجاوز الأزمة، وتردّ الصاع صاعين، خصوصاً بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي.
عمدت الحكومة الأردنية إلى أساليب متعدّدة لصدع البيت الإخواني، فاستعانت بشخصيات إخوانية منفتحة من تيار الحمائم الذي يشهد تهميشاً وإقصاء من تيار الصقور، الأكثر مصارحة بمعارضة النظام، وتحدياً له، فكانت مبادرة زمزم الأولى من نوعها للانشقاق عن الجماعة، وتفتيت بنائها الداخلي، فكانت تجربة الانشقاق مفترق طرق جديد، يمزق النسيج الداخلي للجماعة. وبعد الانشقاق الأول، حصل الانشقاق الأصعب والأشد على الجماعة.
الأزمة الكبيرة التي تشهدها الجماعة، بسبب توجّه قيادات سابقة إلى ترخيص جمعية الإخوان المسلمين من وزارة التنمية السياسية، بحجة عدم تكرار ما حصل في مصر وفقدان الهوية والإقصاء والتهميش، اتهمت بإشعال شرارة الفتنة وتفكيك الجماعة، فيما شهد وجود كيانين للجماعة رفضاً قوياً وشديد اللهجة من الجماعة الأم التي تعتبر نفسها الشرعية التي جاءت عبر صناديق الاقتراع، لكن الجمعية التي تعتبر الشرعية في نظر الحكومة الأردنية، وأنشئ لها مكتب تنفيذي وهيئة انتقالية مؤقتة، نصبت من المراقب العام السابق، عبد المجيد ذنيبات، مراقباً عاماً لها. وبذلك، تكون الجمعية المستساغة حكومياً هي الجهة المفوّضة بأموال الإخوان وأملاكهم في الأردن، ما يضعف دور الجماعة الأم.
تكشف هذه الأزمة النقاب عن عدة أمور، أهمها أن الصقور في الجماعة متهمون بالاهتمام بالشأن الفلسطيني أكثر من الشأن الأردني، ما أجبر تيار الحمائم الشرق أردني على أن يغرد بسرب آخر يدعو إلى الانشقاق، على عكس ما كانت تنادي به الجماعة سابقاً، بأن الهوية أمر عابر لا يؤثر في سياستها. لكن، ما يحدث، اليوم، في الجماعة يظهر أن أزمة الأصول والمنابت امتدت إلى الإخوان الحصن المنيع.