إدوار فيليب ولوران فوكييز: حين يكتشفُ الفرنسيون يَمينَيْن غير قابلَيْن للتصالح

28 سبتمبر 2018
نقاش جادّ وحادّ بين سياسيَين كانا ينتميان لحزب واحد(Getty)
+ الخط -
في حضوره الثاني في "البرنامج السياسي"، على القناة الثانية الفرنسية، مساء أمس الخميس، كشف رئيس الحكومة الفرنسية إدوار فيليب، عن محدودية الدور المناط به، في وقت كانت هناك فرصة لنقاش جادّ وحادّ مع لوران فوكييز، رئيس حزب "الجمهوريون" اليميني، الضيف الآخر في البرنامج.

وكشف فيليب خلال اللقاء عن محدودية الحرية التي تتوفر له، حين أعلن، غير ما مرة، عن صميم عمله كمنفّذ لوُعود وبرنامج الرئيس إيمانويل ماكرون.

وهو تأكيد لما قاله صباح يوم أمس، الخميس، عند استقباله رؤساء جهات ومناطق فرنسية، من كل الاتجاهات السياسية، غاضبين من تقلص هامش الحرية الذي يمتلكونه في تصريف شؤون مناطقهم، والذي ينقص، باستمرار، والذين غالبا ما يجدون أنفسهم مرغمين على تنفيذ قرارات حكومية، خاصة ما يتعلق بتقديم المساعدات الاجتماعية وبالمشاركة في خطة مكافحة الفقر المُكلفة، تهوي بميزانياتهم وتؤزم من وضعياتهم الاقتصادية الهشة، من أن الحكومة تُطبّق سياسات وافق عليها الفرنسيون، من خلال انتخاب الرئيس ماكرون ومنحه الأغلبية البرلمانية.

ولم يستطع المشاهدون الذين تابعوا هذا البرنامج، وكانوا في حدود مليوني شخص، أي أقل من رقم 3 ملايين شخص، الذي سجل عندما حلّ رئيس الحكومة، بُعيد تنصيبه في وظيفته، ضيفا على البرنامج لأول مرة، قبل سنة، أن يخرجوا بقرارات مهمة وجديدة.


إجابات حذرة

فقد حرص إدوار فيليب على أن يكون حذرًا في إجاباته، التي اقتربت أحيانًا من لغة خشبية، غالبًا ما يُقسمُ بأنّه لا يتقنها ولا يحبذها.

ولعل الفقرة المهمة التي انتظرها الكثيرون، وكانت في مستوى الانتظار، كانت وصول ضيف البرنامج، وهو لوران فوكييز، رئيس حزب "الجمهوريون" اليميني. فقد كانت فرصة لنقاش جادّ وحادّ بين سياسيَين كانا، قبل سنة، ينتميان إلى حزب سياسي واحد "الجمهوريون"، قبل أن يمرّ إيمانويل ماكرون، من هنا، ويفعل فعله، ويشقه شقين، غير متصالحين، كما يجزم أكثر من سياسي يميني وأكثر من معلق سياسي.      

والحقيقة أن لوران فوكييز يحمل في قلبه ما هو أكثر من الاحتقار لهؤلاء الذين كانوا رفاق الأمس فأصبحوا "خَوَنة"، في نظره ونظر مساعديه، يجب مقاومتهم.

وقد استطاع المشاهدون اكتشاف مدى الشرخ الذي يفصل بين السياسيَين وبين خطّيهما السياسيين، في مواضيع عديدة، منها الهجرة والاتحاد الأوروبي.

وقد جاء لوران فوكييز في البرنامج بفقرات ونصوص من مشروعه الانتخابي، الذي يأمُل في تطبيقه في حال وصل اليمين إلى السلطة، وعلى رأسها، الأمل في التصويت على قانون في البرلمان ينص على وضع حصص للإقامة في فرنسا كلّ سنة، وأيضا تقليص المساعدة الطبية للحالات المستعجلة فقط، لمن لا يملك أوراقَ إقامة في فرنسا، وأخيرا، تغيير "قانون الأرض".

وكانت إجابات رئيس الحكومة، إدوار فيليب، منسجمة مع مواقف قيادات يمينية فضّلت اعتزال القيادة اليمينية الحالية، ومن بينها ألان جوبيه، عمدة بوردو، ومنسجمة، أيضا، مع مواقف الرئيس إيمانويل ماكرون، من حيث استحالة تطبيق هذه المقترحات ومن حيث تعقيدها.

وليس غريبا أن قضية الهجرة تحتل مكاناً رئيساً في برنامج اليمين الفرنسي، ومن هنا كان كل شيء يتعلق بهذا الأمر صالحا لتوظيفه من قبل رئيس حزب "الجمهوريون"، الذي استغل قضية سفينة أكواريوس، منتقدًا تساهل الرئيس ماكرون معها، وهو ما اعتبره رئيس الحكومة مُجانِباً للحقيقة، حيث إن الرئيس ماكرون وأعضاء حكومته رفضوا استقبال أكواريوس، وإن كانوا قبلوا استقبال بعض ركابها.

وتجدر الإشارة، بهذا الصدد، إلى أنّ نحو 74 في المائة من الفرنسيين أيدوا، في استطلاع للرأي، موقف الرئيس ماكرون الرافض للسماح لسفينة أكواريوس الرسو في ميناء مارسيليا.

وحاول رئيس الحكومة تكذيب ما يروجه حزب "الجمهوريون" من تساهل الحكومة مع المهاجرين غير الشرعيين في فرنسا، بالتأكيد على أن أفضل الحلول الممكنة تكمُن في "العمل مع البلدان التي يتحدر منها هؤلاء المهاجرون، وأيضا مع بلدان العبور"، وكذلك في "تعزيز الحدود الأوروبية"، وأخيرا: "ترحيل الأشخاص الذين يتواجدون في فرنسا في وضعية غير قانونية إلى بلدانهم".


طلاق نهائي

لم يتفق رئيس الحكومة إدوار فيليب، ورئيس "الجمهوريون" لوران فوكييز، في شيء. كان الحقد والتوتر واضحَيْن في محيّاهما، وهو ما كان يعني أن الطلاق نهائيٌّ، ليس فقط بين الرجلين، ولكن، أيضًا، بين خطّين سياسيين غير قابلين للتصالح. ولعلّ الأمر كان شبيهًا بمقولة شهيرة تفوه بها مانويل فالس رئيس الوزراء الفرنسي السابق، وهو يتحدث عن اختلاف توجهه الليبرالي عن التوجه الاجتماعي الديمقراطي لرفاقه السابقين في الحزب الاشتراكي.

تقترب الانتخابات الأوروبية، 2019 والبلدية، 2020، ولا تتوقف محاولات الرئيس ماكرون ورئيس حكومته لشقّ اليمين، أكثر وأكثر، واستمالة قيادات مؤثرة فيه، من بينها ألان جوبيه، في بوردو، وكريستيان إستروزي، في نيس وكزافيي برتران، في الشمال.

ولا يبدو أن تقارب لوران فوكييز المعلن مع فكتور أوربان، الشعبوي المتطرف، والذي عبّر عنه بقوله: "أوربان له مكانه في الحزب الشعبي الأوروبي"، سيساعده في مسعاه ليحتل منصب رئيس المعارضة القوي للحكومة، فالكثير من أعضاء حزبه يرفضون هذه الانعطافة المتشددة، ولا يريدون أن يظهر حزبهم بمظهر من ينافس حزب "التجمع الوطني" (الجبهة الوطنية سابقا) في تطرفه وانعزاليته وشعبويته وحقده على كل ما هو أوروبي.


التقدّمية في وجه الشعبوية

يُشهرُ الرئيس إيمانويل ماكرون شعار "التقدمية" في وجه شعارات "الشعبوية" والإيغال في المحافَظَة، ويبدو أنّ هذا الشعار يستهوي ويستميل شرائح واسعة من اليمين أكثر من شعارات الانطواء والشعبوية.

هذه الشرائح التي لا تزال تستحضر مقولة السياسي العجوز مارين لوبان، مؤسس حزب "الجبهة الوطنية"، وهو يراقب محاولات اليمين، عبر ساركوزي وآخَرين، الاستحواذ على أفكاره المتطرّفة: "الفرنسيون سيفضلون، في نهاية الأمر، النسخةَ الأصلية"، وهو ما تؤكّده استطلاعات الرأي، التي تكشف عن تصدّر حزبي الرئيس ماكرون و"التجمع الوطني"، المشهد السياسي في أفق الانتخابات البرلمانية.

ولا يأتي حزب "الجمهوريون" إلا ثالثا. وهو ربما ما يفسّر خطاب فوكييز الهجومي والغاضب، الذي يبدو أنه لم يقنع سوى ناخبيه، المقتنعين، أصلا، بهذا الخطاب المتشدد. ​