في زاوية "إصدارات.. نظرة أولى" نقف على آخر ما تصدره أبرز دور النشر والجامعات ومراكز الدراسات في العالم العربي وبعض اللغات الأجنبية ضمن مجالات متعدّدة تتنوّع بين الفكر والأدب والتاريخ، ومنفتحة على جميع الأجناس، سواء الصادرة بالعربية أو المترجمة إليها.
هي تناولٌ أوّل لإصدارات نقترحها على القارئ العربي بعيداً عن دعاية الناشرين أو توجيهات النقّاد. قراءة أولى تمنح مفاتيح للعبور إلى النصوص.
مختارات هذا الأسبوع تتوزّع بين الدراسات التاريخية والنقدية والشعر والتحليل النقسي والسياسة والعمارة والمراسلات وعلم الاجتماع.
■ ■ ■
صدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "أسباب الانقلاب العثماني وتركيا الفتاة" للكاتب والدبلوماسي الفلسطيني محمد روحي الخالدي (1864 – 1913)، الذي حققه وقدّم له الباحث والأكاديمي اللبناني خالد زيادة. يستعرض الكتاب التاريخ السياسي للدولة العثمانية، خصوصاً في فترة التنظيمات وعهد السلطان عبد الحميد الثاني، كما يستعرض بالتفصيل ظهور الحركات المعارضة، ولا سيما "جمعية تركيا الفتاة" و"حزب الاتحاد والترقي"؛ وبذلك يشكّل وثيقةً فريدة صدرت بعد أسابيع قليلة من الانقلاب الدستوري في عام 1908.
"لا حرب في طروادة.. كلمات هوميروس الأخيرة" عنوان المجموعة الشعرية الجديدة للشاعر السوري نوري الجراح التي صدرت عن "منشورات المتوسط". تتعمّق في هذا العمل مقاربة صاحب "حدائق هاملت" التراجيدية لثورة شعبه بحسية تاريخية وأداء شعري حار يأخذ بالأنفاس، تمتزج فيه أصوات الميثولوجيا الإغريقية بمصائر شعب في مهب القتل والحرية. يمكن ضمّ هذا العمل إلى أعمال الجراح التي كتبت بعد 2011: "قارب إلى ليسبوس" و"يأس نوح". من الأعمال الشعرية الأخرى للشاعر: "مجاراة الصوت" (1988)، و"صعود أبريل" (1996)، و"حدائق هاملت" (2003).
"الاغتراب في روايات نجيب محفوظ" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً للباحثة منى بركات عن "الهيئة المصرية العامة للكتاب". تناقش المؤلّفة ظاهرة الاغتراب السياسي في نماذج من روايات الكاتب المصري (1911 - 2006)، التي تبرز عنده بمظاهرها المتعددة بصورة واضحة على مستوى الشخصية والفكرة والرؤية، وقد اختارت للدرس عدة روايات مثل "كفاح طيبة" و"القاهرة الجديدة" و"السكرية" و"اللص والكلاب" و"أفراح القبّة" لترصد العلاقة مع السلطة بتمثلاتها المختلفة، وتشكّل العلاقات الاجتماعية وتطوّرها في مراحل متتالية من تاريخ مصر المعاصرة.
"حالات من الراديكالية" عنوان كتاب جماعي أشرف عليه المحلّل النفسي التونسي المقيم بفرنسا فتحي بن سلامة، وصدر أخيراً ضمن سلسلة "النوع البشري" التي تقدّمها منشورات "سوي" الفرنسية. شارك في العمل تسعون باحثاً، معظمهم شارك في علاج شباب انتموا سابقاً لجماعات متشددة، أو ساهموا في تأهيل سجناء على خلفية القيام أو المشاركة في جرائم إرهابية، وحاولوا من خلالهم فهم انتشار ظاهرة التشدد الديني من منطلقات نفسية بعيداً عن المقولات المتعلقة بالهوية والصدّ الاجتماعي الذي يجده الشباب ذوو الأصول العربية في المجتمع الفرنسي.
صدر حديثاً عن "مركز دراسات الوحدة العربية" كتاب "تونس: فرادة عربية" للباحث صفوان المصري الذي يستكشف العوامل التي كوّنت التجربة الخاصة للبلاد، إذ يتتبع تاريخ الإصلاح في تونس في مجالات التعليم وحقوق المرأة، ويجادل في أن بذور المجتمع الليبرالي والديمقراطي زُرِعت قبل مدة طويلة تصل إلى منتصف القرن التاسع عشر، ويجادل في أن تونس ليست نموذجاً يمكن تكراره في بلدان عربية أخرى، إذ إن تاريخها في العمل الإصلاحي وضَعَها على مسار منفصل عن سائر المنطقة، كما يناقش قضايا تتعلق بالهوية والعلاقة بين الإسلام والمجتمع.
عن "دار الرافدين" صدر حديثاً كتاب "الحضارة المصرية" للباحث العراقي خزعل الماجدي. يقوم الكتاب على تعداد خصوصيات الحضارة المصرية القديمة مثل كونها واحدة من حضارتين أصليتين لا سابق لهما مع الحضارة السومرية، حيث لا يمكن إضفاء مصطلح الحضارة على دول سبقتهما، إضافة إلى كون مصر القديمة مثّلت مصهراً لثقافات كثيرة بفضل موقعها الجغرافي بين قارات أفريقيا وآسيا وأوروبا، كما أنها أصبحت منطقة إشعاع معرفي امتدّ إلى ما بعد سقوط الأسر الفرعونية حيث أثّر العِلم المصري في حضارات لاحقة كالإغريقية والرومانية.
عن دار "بي 42"، صدر أخيراً كتاب "عمارة الثورة المضادة" للمؤرخة المعمارية الجزائرية المقيمة في سويسرا سامية حِنّي، وهو عمل تعود فيه إلى تفكيك الأنماط المعمارية التي اعتمدها الاستعمار الفرنسي بعد اندلاع الثورة الجزائرية في 1954، حيث تبيّن دورها في ما اصطلح على تسميته في فرنسا بـ"حرب الجزائر" مبرزة الخيارات العسكرية التي تقف وراء التصميم المعماري للمباني والساحات العامة. يذكر أن الكتاب سبق أن صدر بصيغة مختلفة بالإنكليزية سنة 2017، وقد دعمته حنّي - في الطبعة الفرنسية - بوثائق أرشيفية وتخطيطات معمارية.
"الرسائل بين الأدباء العرب في العصر الحديث" عنوان دراسة صدرت أخيراً عن منشورات "زينب" للباحث التونسي شفيع بالزين. يشير المؤلف إلى ضرورة اعتماد منهجيات حديثة في مقاربة الرسائل بين الكتّاب العرب لأهمية هذه الأخيرة في توضيح سياقات أعمال أصحابها أو فهم مواقفهم من الحياة والمجتمع، وهو هنا يعتمد على منهجيات متنوّعة أبرزها: تحليل الخطاب وخصوصاً المنهج التداولي. يعتبر بالزين أن الرسائل تمثّل عملاً أدبياً على الرغم من عدم توصيفها كذلك، حيث يقف على مقوّماتها الأسلوبية وتقاطعاتها مع كتابات مؤلفيها الأخرى.
عن "منشورات جامعة برينستون"، صدر حديثاً كتاب "موسيقى الوقت: الشعر في القرن العشرين" للشاعر الاسكتلندي جون برنسايد. يقدّم المؤلّف قراءة في تجارب عدد من الشعراء الذين شكّلوا الذاكرة الجماعية للبشرية خلال القرن الماضي، وارتبطت أعمالهم بأحداث ومحطّات سياسية واجتماعية كبرى، وبمعارضتهم لتوحّش الرأسمالية وهيمنة الآلة، مستعيراً عنوان كتابه من مقولة للشاعر الروسي أوسيب ماندلشتام حول قدرة القصيدة على تحويل ضجيج الوقت إلى موسيقى، بدءاً من راينر ماريا ريلكه ومروراً بديلان توماس وليس انتهاءً بلوسي بروك-برويدو.
بترجمة أنجزها يوسف تيبس، صدر أخيراً مع العدد الأخير من "مجلة الدوحة"، كتاب "في الجماليات" للمفكر الفرنسي إدغار موران. العمل هو أحد المؤلفات الأخيرة لموران حيث صدر في 2016، وقد جمع فيه محاضرات تناولت الفنون ألقاها على مدى ثلاثة عقود، وقد كانت مناسبة لكي يعيد شرح مقارباته في علم الاجتماع والأنثربولوجيا، وخصوصاً تطبيق منهجيته حول الواقع المركّب. يرى موران أنه خلال تحرير هذه المحاضرات كان يعترف لنفسه بأن الأصول العميقة لثقافته كانت موسيقية وأدبية، على الرغم من أن منجزه الفكري كان أقرب للعلم والسياسة.