إغلاق الأمن المصري قناة سوريّة يفتح جرح إعلام الثورة

16 ابريل 2015
يهربون من قصف النظام في حلب (زين الرفاعي/فرانس برس)
+ الخط -
فجّر إغلاق الأمن المصري أخيراً، للمحطة التلفزيونية السورية المعارضة "سوريا الغد"، مواجع السوريين، "حتى لجهة عدم وجود إعلام معارض يرقى لمستوى تضحيات السوريين وتسويق عدالة مطالبهم"، بحسب الصحافي حسين الزعبي، الذي عمل سابقاً في القناة. فمعظم الوسائل الإعلامية بعد عام 2011، إنما تأسست لدور وظيفي، في الغالب بُنيَ وفق اعتبار سقوط النظام بعد أشهر وعلى اعتبارات، في الغالب غير مهنية، كستها الخطابية والشعاراتية، بسبب غربة القائمين عليها، عن التخصص الإعلامي.

ويقول الزعبي: "لا أعتقد أنّ لموضوع إغلاق المصريين للقناة خلفيات سياسية، كما روّج الإعلام المصري، فالمحطة عملت في فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، وكذلك في فترة عبد الفتاح السيسي ولم تتعرض لأي ضغوطات، بحسب معلوماتي، أو خلال عملي فيها. أما ما قاله الإعلام المصري من أن القناة تمثل تهديداً للأمن القومي المصري، فأعتقد أنه يجافي الصواب، فالمحطة لم تتطرق للشأن المصري لا من قريب ولا من بعيد وكانت معنية بشكل كامل بالشأن السوري".

ويضيف الزعبي، لـ"العربي الجديد": "عندما حدثت التغييرات السياسية في مصر، كانت المحطة حريصة جداً على عدم الاقتراب نهائياً من الشأن المصري، على اعتبار أن ما يحدث هو شأن داخلي. وما حدث أنّ الأمن قام بمداهمة المحطة وصادر المعدات تنفيذاً لحكم قضائي لدعوى مرفوعة على المحطة، ولم تفصح الإدارة عن تسميتها. وهنا لا نعلم إن كانت إحدى الجهات المؤيدة للنظام السوري هي من رفعت الدعوى على المحطة مستغلة عدم وجود ترخيص للقناة والعمل تحت مسمى شركة انتاج. كما تم اعتقال أحد العاملين في قسم الهندسة وهو مصري الجنسية، وتم الإفراج عنه لاحقاً".

وأشار الصحافي الزعبي إلى ضرورة وجود وسائل إعلام فاعلة تعبّر عن حال السوريين، وهو ما تحتاجه الثورة السورية أكثر من غيره. وقال: "لا أعتقد أن الجهات السياسية المحسوبة على الثورة (كتل، أحزاب، أفراد)، استطاعت أن تنتج حالة إعلامية ترتقي إلى مستوى المحنة السورية، والمؤسسات الإعلامية التي واكبت الثورة، ومنها "سوريا الغد"، فهي إن ملكت حسن النية للثورة، فهي لم تجد الإدارة القادرة على تحويل النوايا والرغبات إلى حالة إعلامية مهنية تجاري الإعلام السوري أو اللبناني الذي يدور في فلك الأسد".

وكان الائتلاف السوري المعارض قد دعا، الشهر الفائت، مَن سمّاهم خبراء إعلاميين سوريين من مختلف بلدان الشتات، خلال ورشة لمدة ثلاثة أيام، إلى مناقشة كيفية النهوض بإعلام المعارضة وإمكانية تأسيس وكالة أنباء أو محطة تلفزيونية لتسويق الثورة وفضح جرائم الأسد، إثر التشويه الذي شابها ومحاولات إعادة إنتاج نظام الأسد وإجراء تلفزات عالمية حوارات معه.
وهو ما وصفه الإعلامي ومقدم البرامج السياسية، سمير متيني، "بالحاجة الملحة"، بعد عدم قدرة ما وصفها بدكاكين الإعلام مواكبة الثورة ومواءمة الأحداث وعكسها بطريقة مهنية بعيدة عن التوصيف والشكائية وبالشكل الذي يتناسب مع المتلقي غير السوري.

وحول ما شاع أخيراً حول إقدام بعض رجال الأعمال السوريين على تأسيس محطة تلفزيونية بمواصفات عالمية، يقول متيني، لـ"العربي الجديد": "تواصلت معي منذ أسبوع مجموعة من رجال الأعمال السوريين. وطلبوا مني التعاون معهم وتقديم دراسة متكاملة لتأسيس قناة سورية شاملة تخاطب كل السوريين، لتقديم إعلام سوري رصين ومتوازن، وتتبنى الخطاب الوطني الجامع، ضمن استراتيجية إعلامية وطنية وحرة. قدمت لهم الاستشارات والدراسات المطلوبة بهذا الخصوص، ونتمنى أن يلاقي المشروع طريقه للواقع".

إقرأ أيضاً: الناشطون الإعلاميون: الحرية غصباً عن داعش والأسد

ويضيف متيني: "نحن بحاجة لقناة سورية تعبّر عن تطلعات الشعب السوري وتتبنى فكره وتلبي طموحاته وآماله وأحلامه، لا لقناة معارضة تعمل وفق مزاج وفكر مالكها ومموّلها".
ومرّ إعلام المعارضة السورية بمفترقات ومطبات، سقطت خلالها معظم وسائله، إن بسبب نقص التمويل أو لأن القائمين على إدارة الوسائل الإعلامية لم يكونوا من "أولاد الكار".

ويقول الصحافي علي عيد، الذي عايش وعمل في غير وسيلة إعلامية، منها قناة "سوريا الغد": "في عام 2012، كنت أحد القادمين للعمل في قناة "سوريا الغد"، المرمية على مسافة 25 كلم على طريق الإسكندرية الصحراوي وبين مبانٍ مبعثرة، منها معامل أسمدة ومواد كيماوية وحظائر للماشية. كان غريباً بالنسبة لي أن تعمل قناة تلفزيونية من منطقة "أبو رواش" غير الآمنة بالمطلق، فيما تعمل عشرات القنوات العربية، كثير منها يعمل لصالح المعارضات من ليبيا إلى العراق، من مدينة الإنتاج الإعلامي في منطقة أكتوبر القريبة، والمفارقة أن قنوات تموّلها إيران تعمل من المكان ذاته".

ويسرد الصحافي عيد، لـ"العربي الجديد"، قصة عمله وإغلاق المحطة التفلزيونية: عملت "سوريا الغد" على قاعدة "غض البصر"، وهو ما بدا غريباً في ظل حكم الرئيس محمد مرسي، حيث يفترض تسهيل الترخيص لقناة تعمل من أجل ثورة السوريين اليتيمة. نقلت القناة مقرها إلى أحد أحياء مدينة 6 أكتوبر، وفي السابع من نيسان/ أبريل الجاري، عمدت السلطات المصرية إلى إغلاقها بعد مصادرة الأجهزة والأرشيف واعتقال موظفيها، وغالبيتهم من المصريين، والحجة هي أن أحدهم عمل سابقاً في قناة تلفزيونية لمصلحة "الإخوان". لم تحصل "سوريا الغد" على شروط الحياة والاستمرار منذ إنشائها لعدة أسباب، أولها الظروف المادية وضعف الإمكانات، وثانيها وجود إدارة غير محترفة، الأمر الذي انعكس على الرسالة والمضامين التي كانت تراوح بين "الانفعالي" و"الارتجالي".

إقرأ أيضاً: النظام السوري يخترق راديو "روزنة" المعارض؟

ويقول عيد عن أداء إعلام الثورة السورية: "لم يختلف أداء "سوريا الغد" عن باقي القنوات التي تعمل في إطار الثورة بالمجمل، ولعل "أورينت" نجحت في استقطاب إعلاميين سوريين محترفين بشروط عمل موضوعية، إلا أنها كأخواتها ظلت حبيسة خطاب ارتجالي بسبب ضعف مؤسسات الثورة السياسية وحالة الارتباك في تفكيك التداخلات الحاصلة بين القوى المسلحة العاملة على الأرض مع ظهور "داعش" وانحرافات النصرة، وحدوث عمليات اندماج وتفكك لدرجة أن الكثيرين لم يعودوا قادرين على معرفة حقيقة ما يجري على الأرض.

وظهرت إلى جانب "سوريا الغد" قنوات تلفزيونية كظهير للثورة بعد آذار/ مارس 2011، منها "سوريا الكرامة"، التي حملت لاحقاً اسم "سوريا 18 آذار"، و"سوريا الشعب" و"شذى الحرية" و"شامنا" و"دير الزور" و"حلب"، وقنوات كانت تعمل مسبقاً بينها "أورينت" و"وصال" و"بردى"، وجميع تلك القنوات كانت محكومة بخلل مزدوج في جهة التمويل والإدارة، وجهة المضمون والرسالة، وكلا المسألتين بدتا متداخلتين. إذ يغلب تحكّم المموّل بمضمون الرسالة، فبعض القنوات اعتمدت خطاب الـ"توك شو" بغير وعي، كظاهرة الشيخ عدنان العرعور، فيما ظلت أخرى حبيسة رسالة "الناشط الصحافي" التي استغنت عنها قنوات عربية لمصلحة مراسلين وكاميرات باتت تبث من قلب الحدث، والملمح المشترك لجميع تلك القنوات هي أنها، وإن حاولت في بعض الأحيان تقديم رسالة تخدم قضية السوريين في مواجهة نظام مستبد، فإنها لم تمتلك النَّفَس الطويل.

إقرأ أيضاً: فيديو: الثوار يرفعون العلم السوري في حلب
المساهمون