عندما سألت صديقتي الباكستانية صبا لماذا لا تنهي باكستان والهند الخلاف بينهما وتعيشان كجارتين بسلام وهدوء، أجابتني بصيغة مباشرة: "وهل يستطيع الفلسطينيون نسيان ما فعله الإسرائيليون والعيش بسلام معهم؟".
ولتأكيد وجهة نظرها أصرّت على اصطحابي في جولة لحضور مراسم إنزال العلمين الهندي والباكستاني على حدود واكه، والتي تبعد 15 كيلومتراً عن مدينة لاهور، وهي الحدود التي تفصل منطقة البنجاب إلى جانبين؛ باكستاني وهندي. هناك ترتفع الشعارات من الجانبين، الهندي والباكستاني، لتأكيد سيادة كل من الطرفين على أراضيه.
وبينما يصعب فهم الشعارات لغير الناطقين باللغات المحكية هناك، سواء الأوردو أو الهندية، يبقى من السهل إدراك معنى الهتافات الباكستانية، فحالما ينادي الجندي الباكستاني "باكستان كا مطلب كيا؟ (ماذا تعني باكستان؟) يأتي جواب الجمهور "لا إله إلا الله"، ويشارك في هتافه جمهور عربي قليل متواجد هناك أيضاً.
في منتصف الثلاثينيات جاء العلامة محمد إقبال بفكرة إقامة دولة للمسلمين المضطهدين من قبل الهندوس، وصاغ لهم فلسفة ذاتية في كتابه "أسرار معرفة الذات"، بهدف إخراجهم من حالة الكسل واليأس التي كانوا بها. وفي محاولة لإعادة العلوم الإسلامية القديمة إلى المسلمين، استطاع إقبال أن يقنع محمد جناح الذي كان قد فقد الأمل بإصلاح حال المسلمين، وبعدها بسنوات، كما نعلم، تأسست باكستان عام 1947. بيد أن إقبال توفي وهو متألم لحال المسلمين والعرب، ففي كتابه المشهور "ضرب الكليم"، بقي ينادي على الشام وفلسطين: مرحى لحانات الفرنج فقد ملأت زجاجها حلب/ إن في فلسطين اليهود رجت فليأخذن إسبانيا العرب/ للإنكليز مقاصد خفيت ما إن يراد الشهد والرطب. كذلك ما فتئ إقبال يناشد العرب بأن لا ينسوا ماضيهم المزدهر ويحثهم على إصلاح شأن الأمة الإسلامية، ثم بكى حالهم في قصيدته "أي روح محمد": أرى الملة البيضاء بُدد نظمها، فمسلمك انظر حاله، أين يذهب؟ وبالطبع لم يكن إقبال الوحيد من المسلمين من غير العرب الذي انشغل بحال الأمة الإسلامية والعرب، فهناك محمد خان والأفغاني وكثير غيرهما.
في مقابل هذا الحشد من المسلمين المهمومين بالعرب والإسلام، هناك فريق يشير إلى تطور ما يصفونه بـ"إمبريالية ثقافية عربية"، أي محاولة العرب إدراج الأمم المسلمة تحت القيادة العربية، والتقليل من شأنهم في ما يخص فهمهم للإسلام بسبب جهلهم باللغة العربية، بحسب حملة هذا الرأي. هل نضع في هذا الفريق رئيس الوزراء الماليزي الأسبق مهاتير محمد الذي قال يوماً ما إن العرب لم يعودوا قادرين على حمل رسالة الإسلام في العالم الحديث "لأنهم لم يألفوا التعددية في فضاءاتهم"؟
ما يعزز ذلك الشعور عن المسلمين غير العرب هو الصور النمطية المترسخة بيننا عن بلدان مثل باكستان أو ماليزيا وغيرها، مع العلم أن هذه البلدان المسلمة تحتل منزلة أعظم من الدول العربية اليوم وأكبر مثال على ذلك تركيا. ويندرج في ذلك أيضاً تجاهلنا المستمر كعرب لما يحدث من نزاع على كشمير بين باكستان والهند، على الرغم من متابعتنا الحريصة للأفلام الهندية التي تغزوا عوالمنا العربية، حتى إننا خصصنا قناة لها،متباهين بأهمية حوار الحضارات (في هذه الحالة فقط)، ومع ضعف حركة الترجمة للأعمال الأدبية، بتنا نعرف عن غاندي أكثر من محمد جناح، مؤسس الدولة الباكستانية.
إقبال الذي وُصف بأكثر من مرة بأنه عربي، وهذه عادة العرب لتقبل مبدعين من ثقافات ثانية، بقي يردّد "قد لا يكون صوتي عربياً، ومع ذلك حبي ورسالتي في الحياة عربيان".
يبقى القول إن القصد هنا ليس التقليل من الحضارات والثقافات الأخرى، بل التذكير فقط بمن نسيناهم في خضم انشغالاتنا وخضم تصوراتنا المسبقة عن الآخر، حتى لو كان مسلماً.
ولتأكيد وجهة نظرها أصرّت على اصطحابي في جولة لحضور مراسم إنزال العلمين الهندي والباكستاني على حدود واكه، والتي تبعد 15 كيلومتراً عن مدينة لاهور، وهي الحدود التي تفصل منطقة البنجاب إلى جانبين؛ باكستاني وهندي. هناك ترتفع الشعارات من الجانبين، الهندي والباكستاني، لتأكيد سيادة كل من الطرفين على أراضيه.
وبينما يصعب فهم الشعارات لغير الناطقين باللغات المحكية هناك، سواء الأوردو أو الهندية، يبقى من السهل إدراك معنى الهتافات الباكستانية، فحالما ينادي الجندي الباكستاني "باكستان كا مطلب كيا؟ (ماذا تعني باكستان؟) يأتي جواب الجمهور "لا إله إلا الله"، ويشارك في هتافه جمهور عربي قليل متواجد هناك أيضاً.
في منتصف الثلاثينيات جاء العلامة محمد إقبال بفكرة إقامة دولة للمسلمين المضطهدين من قبل الهندوس، وصاغ لهم فلسفة ذاتية في كتابه "أسرار معرفة الذات"، بهدف إخراجهم من حالة الكسل واليأس التي كانوا بها. وفي محاولة لإعادة العلوم الإسلامية القديمة إلى المسلمين، استطاع إقبال أن يقنع محمد جناح الذي كان قد فقد الأمل بإصلاح حال المسلمين، وبعدها بسنوات، كما نعلم، تأسست باكستان عام 1947. بيد أن إقبال توفي وهو متألم لحال المسلمين والعرب، ففي كتابه المشهور "ضرب الكليم"، بقي ينادي على الشام وفلسطين: مرحى لحانات الفرنج فقد ملأت زجاجها حلب/ إن في فلسطين اليهود رجت فليأخذن إسبانيا العرب/ للإنكليز مقاصد خفيت ما إن يراد الشهد والرطب. كذلك ما فتئ إقبال يناشد العرب بأن لا ينسوا ماضيهم المزدهر ويحثهم على إصلاح شأن الأمة الإسلامية، ثم بكى حالهم في قصيدته "أي روح محمد": أرى الملة البيضاء بُدد نظمها، فمسلمك انظر حاله، أين يذهب؟ وبالطبع لم يكن إقبال الوحيد من المسلمين من غير العرب الذي انشغل بحال الأمة الإسلامية والعرب، فهناك محمد خان والأفغاني وكثير غيرهما.
في مقابل هذا الحشد من المسلمين المهمومين بالعرب والإسلام، هناك فريق يشير إلى تطور ما يصفونه بـ"إمبريالية ثقافية عربية"، أي محاولة العرب إدراج الأمم المسلمة تحت القيادة العربية، والتقليل من شأنهم في ما يخص فهمهم للإسلام بسبب جهلهم باللغة العربية، بحسب حملة هذا الرأي. هل نضع في هذا الفريق رئيس الوزراء الماليزي الأسبق مهاتير محمد الذي قال يوماً ما إن العرب لم يعودوا قادرين على حمل رسالة الإسلام في العالم الحديث "لأنهم لم يألفوا التعددية في فضاءاتهم"؟
ما يعزز ذلك الشعور عن المسلمين غير العرب هو الصور النمطية المترسخة بيننا عن بلدان مثل باكستان أو ماليزيا وغيرها، مع العلم أن هذه البلدان المسلمة تحتل منزلة أعظم من الدول العربية اليوم وأكبر مثال على ذلك تركيا. ويندرج في ذلك أيضاً تجاهلنا المستمر كعرب لما يحدث من نزاع على كشمير بين باكستان والهند، على الرغم من متابعتنا الحريصة للأفلام الهندية التي تغزوا عوالمنا العربية، حتى إننا خصصنا قناة لها،متباهين بأهمية حوار الحضارات (في هذه الحالة فقط)، ومع ضعف حركة الترجمة للأعمال الأدبية، بتنا نعرف عن غاندي أكثر من محمد جناح، مؤسس الدولة الباكستانية.
إقبال الذي وُصف بأكثر من مرة بأنه عربي، وهذه عادة العرب لتقبل مبدعين من ثقافات ثانية، بقي يردّد "قد لا يكون صوتي عربياً، ومع ذلك حبي ورسالتي في الحياة عربيان".
يبقى القول إن القصد هنا ليس التقليل من الحضارات والثقافات الأخرى، بل التذكير فقط بمن نسيناهم في خضم انشغالاتنا وخضم تصوراتنا المسبقة عن الآخر، حتى لو كان مسلماً.