إنسانية الدولة
جزء من إنسانية الدولة اللبنانية لم يأت نتيجة مطالبة واضحة، مثل حملة سلامة الغذاء التي يقودها وزير الصحة، وائل أبو فاعور، وانضم إليه وزير الزراعة، أكرم شهيب، أخيراً، فقد مر وقت طويل، منذ أن طولب النواب بواجباتهم! وجزء منها جاء استجابة لمطالب الناس جميعاً، منذ انقسموا شيعاً، فـ"درء الفتنة" لتوقع سفك الدماء مستقبلاً هدف تكرره المراجع السياسية، اليوم، وتعيده على مسامع المواطن، لكي يستوعب الحوارات الجارية. لكن جزءاً كبيراً من إنسانيتها أطل بعد سنوات من الأحداث في سورية. فبعد أن وصل عدد السوريين في لبنان إلى أكثر من مليون ونصف المليون، وتحولت مخيمات اللاجئين في عرسال إلى هدف لحملات الجيش اللبناني، وبعد مؤتمرات صحفية عنصرية، جاء القرار بفرض "سمة دخول" ومعايير جديدة تنظم دخول السوريين إلى لبنان، والإقامة فيه.
الموقف الرسمي اللبناني برره وزير الشؤون الاجتماعية، رشيد درباس، ووزير الداخلية، نهاد المشنوق، بأنه يضبط الوضع، أمنياً واقتصادياً، ويمنع عملية اللجوء، مع الإبقاء على الباب مفتوحاً للسوريين بمبررات، كالعمل أو الزيارة أو الطبابة والتعليم. وبررته وسائل الإعلام، بشكل غير مباشر، بأنه يمنع إذلال السوريين على أبواب الدخول إلى لبنان، كما في السابق، بالإضافة إلى انحسار وجود السوريين في المناطق اللبنانية الداخلية، والتي كانت تشكل احتجاجاً شعبيا مبطناً. وتبدو جميعها أهدافاً إنسانية.
لا يمكن الاحتجاج على قرار كهذا، فأي تنظيم مرحب به، في مقابل الفوضى التي عايشناها في السنوات الأخيرة، على الرغم من أنه يحمل انعكاسات سلبية على لبنان، قد تتبين في الأيام المقبلة، لاسيما بعد احتجاج الجانب السوري على القرار. لكن اللجوء غير المنظم لا يعالج بورقة تبرير، عالجتها الدول باللجوء السياسي، أو الإنساني، من دون أن يشكل خطراً عليها. لماذا لم يكن القرار "سمة دخول" إنسانية؟ وبات معروفاً، بعد سنوات من الأحداث مَن مِن السوريين يحتاج إلى اللجوء!
كما أن القرار اللبناني على الحدود سيسبب أزمة إنسانية، على الجهة المقابلة، ليستهدف آلاف الشباب السوريين المطلوبين للخدمة العسكرية من النظام السوري، ويضغط على المعارضين أو اللاجئين الذين يعيشون خارج المخيمات، للعودة إلى سورية وتسوية أوضاعهم، ما يشكل خطراً عليهم، عدا اللاجئين الهاربين من الدمار والحرب التي تتسع رقعتها يوماً بعد يوم.
الإنسانية، إذن، تبقى ناقصة، وتتحمل مسؤوليتها الدولة نفسها. سينعكس ذلك في جلسات مجلس الوزراء، حيث ستناقش القرارات الأمنية، متجاهلة الإنسان الذي يواجه الموت والبرد في مخيمات لم ترخصها الدولة أو تنظمها، وتصبح لقمة الإنسان وآدميته مسألة خلاف، وجهاً لوجه، بين وزيري الصحة ووزير الاقتصاد والتجارة، بعد جولة المؤتمرات الصحفية الأخيرة التي مهّدت للخلاف.