بالكاد تمكنت الممرضة إنعام من شراء هدية عيد ميلاد زوجها بعد انتهاء دوام عملها في مستشفى المقاصد في العاصمة اللبنانية بيروت. هي اضطرت للعودة إلى المنزل أولاً لإطعام ابنها الرضيع محمد وابنتيها تالا وليا، قبل أن تعود إلى محل الألبسة المقابل للمستشفى لشراء الهدية.
يتكرر مثل هذا السنياريو مع إنعام مذ تزوجت والتحقت بالعمل في مستشفى المقاصد في عام 1999. منذ ذلك الحين، زادت الأعباء الاجتماعية والأسرية عليها، وقد تحوّلت إلى زوجة وأم لثلاثة أطفال. لم تغيّر شهادة التمريض التي حازتها إنعام مجال العمل فقط، بل طالت جوانب حياتها كلها، إذ تقول إن "التمريض أسلوب حياة وليس وظيفة فقط". فعملها يؤهلها لمتابعة أسرتها والجيران أيضاً، على الصعيدين الطبي والدوائي. هي تقدم لهم الإرشادات والنصائح بعد عودتها من الدوام أو عبر الهاتف.
وتحتفل إنعام بيوم الممرضة العالمي مع تحول عمر محمد من أيام إلى أسابيع. تخبر أن موعد ولادة محمد حان في خلال دوام عملها في قسم العناية بالأطفال. فانتقلت سريعاً إلى قسم التوليد بردائها الأبيض المخصص للممرضات، لتضع محمد بعدما أنهت تركيب المصل لأحد الأطفال. أما تالا وليا فولدتا بعد الدوام وليس في خلاله، وإنما في المستشفى نفسه وعلى المسافة نفسها من أطفال كثر تعتني بهم.
زادت الأمومة من تعاطف إنعام مع الأطفال المرضى في المستشفى، فتحوّل التأكد من الأغطية على أسرة الأطفال جميعاً قبل مغادرة الدوام، طقساً من طقوس عملها اليومي "على الرغم من أنه ليس مطلوباً منا. لكن رؤية أحد الأطفال من دون غطاء، يقلقني".
وقد دفعها حبها للأطفال إلى طلب العمل في القسم المخصص لهم، وهي مستمرة في ذلك على الرغم من خيبات الأمل العديدة التي رافقتها مع خسارة صغار، خصوصاً هؤلاء المصابين بالسرطان. وتتذكر عائلة إنعام أياماً كثيرة عادت فيها المرأة الشابة باكية إلى المنزل، بعد وفاة أحدهم.
تؤكد إنعام أنها تحاول جاهدة فصل الضغط النفسي المرافق للعمل عن عائلتها "التي تعاني أصلاً من غيابي الطويل عن المنزل. لكن العمل كممرضة يعني المساومة على بعض الواجبات". وتلك مساومة يومية، تضطر معها إنعام إلى المفاضلة بين واجب وآخر بالتعاون مع زوجها ووالدَيها اللذَين تسكن معهما في المنزل نفسه. وتشكل الأعياد أصعب الفترات، إذا ما تزامنت مع إجازة ممرضة أخرى. فذلك يعني قضاء العيد وحيدة في المستشفى بعيداً عن العائلة والأولاد.
يبدأ نهار إنعام عند الخامسة فجراً، موعد الاستيقاظ لتحضير البنتَين للمدرسة، قبل التوجه إلى المستشفى وتسلم الدوام عند السابعة صباحاً، لغاية الثالثة عصراً. هو دوام مريح بحسب ما تقول، "لكن العمل لساعات إضافية بسبب غياب أحد الزملاء أو الاضطرار إلى العمل مناوبات ليلية، متعبان وظالمان بحق أسرتي". وتلفت هنا إلى أن الممرضات المتزوجات لا يستثنين من دوامات العمل الليلية، "ما يعني ترك الزوج والأطفال لأيام في الأسبوع لتحقيق المداورة العادلة في الدوامات".
ولا تنحصر المعاناة من الدوام في إنعام وحدها، بل يشكل الموضوع محور حديث الممرضات في الصباح الباكر "إذا سمح ضغط العمل باحتساء كوب قهوة والتحدث قبل بدأ الجولة الاعتيادية على الأطفال المرضى". وتقارن الممرضات ما بين إيجابيات الإقامة مع أهل الزوج أو الزوجة وسلبياتها، بالإضافة إلى تبادل طرق إعداد الوجبات بشكل أسرع تفادياً للوقوع في فخ طلب الوجبات السريعة بشكل دائم. هي تضحيات يومية صغيرة تساعد الأسرة في تجاوزها، حتى تتمكن الممرضات من أداء واجبهن الأخلاقي والمهني في العمل، وواجبهن الأسري في المنزل. وتختار كل ممرضة الأولويات وطريقة التعامل معها. بالنسبة إلى إنعام، الأولوية دائماً لراحة أطفالها.
يوم عالميّ للتمريض
يُحتفل باليوم العالمي للممرضة في 12 مايو/أيار من كل عام، وتشكل المناسبة فرصة لطرح المشاكل التي يعاني منها قطاع التمريض. وهذا العام في لبنان، أقامت وزارة الصحة العامة حفلاً في العاصمة بيروت، تخللته مناقشة أبرز العناوين المطلبية المطروحة، ومنها ظاهرة العنف ضد الممرضات والممرضين، وقانون تنظيم المهنة من التعليم الى الممارسة، والقيمة المهنية والاقتصادية والاجتماعية للتمريض.
اقرأ أيضاً: ماما منيرة.. 50 عاماً في القبالة القانونية ولم تملّ