قد تكون الأرقام العامة خادعة. أحياناً تطرح السلطات الرسمية أرقاماً ضخمة عن الاقتصاد الجزائري، يسمعها المواطن العادي فيظن أننا بخير. هذه المعطيات الكلية كافية لتضليل الرأي العام، لكن الأمر لا ينطبق على من لديه ثقافة اقتصادية عامة. إذ بمجرد أن تسمع أن بلداً يصدر ما لا يقل عن 65.92 مليار دولار، ستفترض أن هذا البلد يعد من أغنى البلدان في منطقته، لكنك ستُصدم عندما تعلم أن هذا البلد يستورد 54.85 مليار دولار فيكون الفائض 11.07 مليار دولار فقط لا غير. وستصدم أكثر عندما تعلم أن هذه الصادرات بنسبة كبيرة هي عبارة عن محروقات خام بما يعادل 97.72%.
اقتصاد أو أكثر
إذن، ماذا يصدر هذا البلد خارج إطار المحروقات، وكم يصدر؟
تجيبنا السلطات الرسمية من خلال أرقامها المنشورة أننا نصدر مواد نصف مصنعة بقيمة 1.61 مليار دولار، ومواد غذائية بـ 402 مليون دولار، ومواد خام بـ 109 مليون دولار، ومواد تجهيز صناعي بـ 27 مليون دولار، اضافة إلى مواد استهلاكية غير غذائية بقيمة 17 مليون دولار.
ألا يعتبر هذا الاقتصاد الذي لم يصدر انتاجاً محلياً ولو بمليار دولار واحد، اقتصاداً ضعيفاً؟ هل يمكن أن نتحدث عن إستراتيجية تصديرية فعلية خارج قطاع المحروقات، في اقتصاد ضعيف يعيش أهله بالوهم الحقيقي؟
لنتخيل مثلاً أن ما يصدره هذا البلد كان بيد دولة كتونس أو المغرب، هل ستضيع موارده في الإنفاق على استيراد المواد الاستهلاكية المختلفة من الصين وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة الأميركية؟
لماذا لا يتم استغلال مواردنا المالية الفائضة في تطوير هذا الاقتصاد المتميز بقطاع فلاحي لا يقل عن 40 مليون هكتار من الأراضي؟ وبمقدرات حضارية قد تجعل الجزائر بلداً سياحياً بامتياز؟
سأواصل الأسئلة: لماذا يقولون إنهم وضعوا استراتيجيات لتطوير القطاع الفلاحي والسياحي والصناعي والخدماتي؟ أين هي آثار تلك الإستراتيجيات على الصادرات والواردات؟ لماذا نعجز عن إنتاج غذائنا ودوائنا ولباسنا؟ هل المنتج الصيني أفضل؟ هل يعقل أن إسبانيا في عز أزمتها تصدر للجزائر سنة 2013 ما لا يقل عن 10 مليارات دولار مثلاً؟ لماذا؟
أظن أنني أدرك ما يحدث في اقتصاد بلدي. هذا البلد الذي يُخدع من بعض أبنائه الذين فتحوا مشاريع في الخارج. هؤلاء لديهم مؤسسات تصدير واستيراد من الصين وغيرها من الدول، ولديهم أيضاً في الجزائر مكاتبهم ومؤسساتهم. هؤلاء يقومون بالتصدير لأنفسهم من هذه الدول ويضخمون الفواتير بغية استنزاف العملة الصعبة من البلد وبالسعر الرسمي، فتكون عملية النصب والاحتيال على مستوى عال جداً.
هنا تُهرَّب العملة بطريقة مقوننة، ويدمر الاقتصاد بنفس تلك القوانين التي وضعت من أجل أن تخدم أناساً بحد ذاتهم هم من يسيطرون على ميناء الجزائر والموانئ الجهوية الأخرى. يستوردون أسوأ السلع بأغلى الأثمان، وهدفهم الربح من فارق سعر الصرف في السوق الموازية داخل الجزائر من جهة، وتهريب رؤوس أموالهم للخارج بطرق قانونية من جهة أخرى.
إنها الخيانة الاقتصادية التي جعلت بلداً كالجزائر يستورد ما يفوق 9 مليارات دولار من الغذاء، وهو البلد الذي لديه إمكانات لإنتاج غذاء يكفي إفريقيا كلها، فإذا به يعجز عن تحقيق الاكتفاء الذاتي.
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقوم لنا قائمة إلا إذا تنبهنا لخطر المستوردين الفاسدين ووضعنا لهم حداً، ليتوقفوا عن استنزاف ثروات الأمة. والمؤلم أن ذلك يتم بتغطية قانونية كاملة.
إننا كتلميذ غبي لا يتعلم من دروس الأمس. وأقصد بالذات دروس الثمانينيات، حين دخلنا في دوامة المديونية التي خنقتنا لعقود، وجعلتنا ندفع الثمن غالياً مع صندوق النقد الدولي الذي ابتزنا بالأمس ليغازلنا اليوم لعله يتمكن من الاستيلاء على فوائضنا المالية.
اليوم، أسعار المحروقات تشرع في النزول بعد أن عشنا حلم الارتفاع وحققنا الفوائض المالية. فوائض كان من المفترض أن تتوجه نحو الاستثمار عوض أن توجه للاكتناز. نحن نعيد الكرة. نحن لم نستفد من دروس الأمس.
خبير اقتصادي جزائري
اقتصاد أو أكثر
إذن، ماذا يصدر هذا البلد خارج إطار المحروقات، وكم يصدر؟
تجيبنا السلطات الرسمية من خلال أرقامها المنشورة أننا نصدر مواد نصف مصنعة بقيمة 1.61 مليار دولار، ومواد غذائية بـ 402 مليون دولار، ومواد خام بـ 109 مليون دولار، ومواد تجهيز صناعي بـ 27 مليون دولار، اضافة إلى مواد استهلاكية غير غذائية بقيمة 17 مليون دولار.
ألا يعتبر هذا الاقتصاد الذي لم يصدر انتاجاً محلياً ولو بمليار دولار واحد، اقتصاداً ضعيفاً؟ هل يمكن أن نتحدث عن إستراتيجية تصديرية فعلية خارج قطاع المحروقات، في اقتصاد ضعيف يعيش أهله بالوهم الحقيقي؟
لنتخيل مثلاً أن ما يصدره هذا البلد كان بيد دولة كتونس أو المغرب، هل ستضيع موارده في الإنفاق على استيراد المواد الاستهلاكية المختلفة من الصين وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة الأميركية؟
لماذا لا يتم استغلال مواردنا المالية الفائضة في تطوير هذا الاقتصاد المتميز بقطاع فلاحي لا يقل عن 40 مليون هكتار من الأراضي؟ وبمقدرات حضارية قد تجعل الجزائر بلداً سياحياً بامتياز؟
سأواصل الأسئلة: لماذا يقولون إنهم وضعوا استراتيجيات لتطوير القطاع الفلاحي والسياحي والصناعي والخدماتي؟ أين هي آثار تلك الإستراتيجيات على الصادرات والواردات؟ لماذا نعجز عن إنتاج غذائنا ودوائنا ولباسنا؟ هل المنتج الصيني أفضل؟ هل يعقل أن إسبانيا في عز أزمتها تصدر للجزائر سنة 2013 ما لا يقل عن 10 مليارات دولار مثلاً؟ لماذا؟
أظن أنني أدرك ما يحدث في اقتصاد بلدي. هذا البلد الذي يُخدع من بعض أبنائه الذين فتحوا مشاريع في الخارج. هؤلاء لديهم مؤسسات تصدير واستيراد من الصين وغيرها من الدول، ولديهم أيضاً في الجزائر مكاتبهم ومؤسساتهم. هؤلاء يقومون بالتصدير لأنفسهم من هذه الدول ويضخمون الفواتير بغية استنزاف العملة الصعبة من البلد وبالسعر الرسمي، فتكون عملية النصب والاحتيال على مستوى عال جداً.
هنا تُهرَّب العملة بطريقة مقوننة، ويدمر الاقتصاد بنفس تلك القوانين التي وضعت من أجل أن تخدم أناساً بحد ذاتهم هم من يسيطرون على ميناء الجزائر والموانئ الجهوية الأخرى. يستوردون أسوأ السلع بأغلى الأثمان، وهدفهم الربح من فارق سعر الصرف في السوق الموازية داخل الجزائر من جهة، وتهريب رؤوس أموالهم للخارج بطرق قانونية من جهة أخرى.
إنها الخيانة الاقتصادية التي جعلت بلداً كالجزائر يستورد ما يفوق 9 مليارات دولار من الغذاء، وهو البلد الذي لديه إمكانات لإنتاج غذاء يكفي إفريقيا كلها، فإذا به يعجز عن تحقيق الاكتفاء الذاتي.
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقوم لنا قائمة إلا إذا تنبهنا لخطر المستوردين الفاسدين ووضعنا لهم حداً، ليتوقفوا عن استنزاف ثروات الأمة. والمؤلم أن ذلك يتم بتغطية قانونية كاملة.
إننا كتلميذ غبي لا يتعلم من دروس الأمس. وأقصد بالذات دروس الثمانينيات، حين دخلنا في دوامة المديونية التي خنقتنا لعقود، وجعلتنا ندفع الثمن غالياً مع صندوق النقد الدولي الذي ابتزنا بالأمس ليغازلنا اليوم لعله يتمكن من الاستيلاء على فوائضنا المالية.
اليوم، أسعار المحروقات تشرع في النزول بعد أن عشنا حلم الارتفاع وحققنا الفوائض المالية. فوائض كان من المفترض أن تتوجه نحو الاستثمار عوض أن توجه للاكتناز. نحن نعيد الكرة. نحن لم نستفد من دروس الأمس.
خبير اقتصادي جزائري