13 أكتوبر 2024
إنهاء الوجود الإيراني في سورية أم إدارته؟
حسان الأسود
كاتب ومحامٍ وحقوقي سوري، المديرالسابق للهيئة السورية للعدالة والمحاسبة، مقيم في ألمانيا.
تتباين حدّة المواقف الإسرائيلية من الوجود الإيراني في سورية، حسب عوامل واعتبارات متعدّدة، فتزداد عمليات قصف مواقع الحرس الثوري الإيراني ومليشيات حزب الله في سورية تبعاً لذلك أو تخفّ، فقد أوردت القناة الإسرائيلية الثالثة عشرة، يوم 27 فبراير/شباط الماضي، خبر استهداف الطيران الإسرائيلي سيارة مدنيّة في القنيطرة، كانت تقلّ القيادي ومسؤول العمليات الخارجية في حزب الله، عماد الطويل، ما أدّى إلى مقتله. ونادراً ما كان يصرّح الإسرائيليون عن مثل هذا النوع من عمليات الاستهداف، ويرتبط ذلك، في أحيان كثيرة، بالمنافع التي يمكن جنيها من ذلك.
تدرك مراكز صنع القرار الإسرائيلية، أكثر من غيرها، أهميّة الوجود الإيراني في سورية لكيان إسرائيل، كما للنظام السوري على حدّ سواء، فهي تدرك أنّه يفيد إسرائيل، ولا يضرّها، كما يزعم قادتها باستمرار، فهو لا يمكن أن يشكّل خطراً وجودياً على الكيان الإسرائيلي أبداً، لعدّة اعتبارات، لعلّ أهمها الفرق النوعي الهائل في القدرات التكنولوجية والتطوّر العلمي والقدرات العسكرية من جهة، والحلفاء الدوليين ومجموعات الضغط الفاعلة على الساحة الدولية من جهة ثانية. يُضافُ إلى ذلك كلّه الاستخدام الوظيفي للقضيّة الفلسطينية، منذ وصل الملالي إلى سدّة الحكم في إيران، فالشعارات شيء والتطبيق على أرض الواقع شيء آخر.
تعرف القيادات الإسرائيلية كيف توظّف هذا الوجود، بما يعود عليها بالمنفعة، لا بالضرر. ويمكن تبيان أكبر مجالات المنفعة في رسم صورة المنطقة العربية المحيطة بها عموماً، وحالة الوضع السوري خصوصاً، فبكلّ تأكيد ليس من مصلحة إسرائيل وجود دول قويّة مستقرّة محكومة بأنظمة ديمقراطية في محيطها. وهذا يعني أنّها تفضّل، للحفاظ على وجودها في المنطقة وتطبيع كيانها، وجود أنظمة ديكتاتورية، أو دول فاشلة محكومة بمليشيات متصارعة، مثل الوضع الراهن في سورية. فإذا كان الجواب بالنفي على السؤال عما إذا كان لإسرائيل مصلحة في استقرار سورية، وهو فعلاً كذلك، فإنّ الفائدة تتحقّق في استمرار الوجود الإيراني ووجود مليشيا حزب الله اللبناني وفرعه السوري، لأنّ هذا الوجود يشكّل، بكلّ بساطة، شمّاعة التدخّل الإسرائيلي في الكبيرة والصغيرة في سورية.
بالنسبة لحزب الله والحرس الثوري الإيراني، يختلف الوضع في سورية عنه في لبنان من حيث المبدأ، فهناك توجد بيئة حاضنة ذات مرجعيّة عقديّة ملائمة لهذا الحضور. بينما كانت نسبة
الطائفة الشيعية في سورية لا تتعدّى النصف بالمائة من مجمل عدد السكان، قبل التهجير الممنهج والتغيير الديمغرافي المرسوم بعناية بين الأطراف المتدخّلة في الصراع السوري المُستدام. ولذلك يُعتبر الوجود الإيراني في سورية عموماً، وفي جنوبها خصوصاً، عامل ضغط دائم، وعامل زعزعة استقرار مستمر. لا يمكن لأبناء المنطقة قبول التغييرات الممنهجة في البنية الاجتماعيّة السورية التي يسعى النظام الإيراني إلى إحداثها في المنطقة. كانت عمليات التهجير قائمةً على أسس استراتيجية بعيدة المدى، وهذا ما أدركه السوريون منذ البداية، لكنّهم لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن لم يستطيعوا التغلّب عليه.
من هذا المنطلق، تعمل قوّات الحرس الثوري الإيراني، بالتعاون مع مليشيا حزب الله، المصنّف تنظيما إرهابيا من قبل الكثير من البلدان الغربية والعربية، على زرع خلايا محلّية من أبناء المنطقة للاعتماد عليها في تعزيز وجودها واستدامته. تستغلّ هذه القوّات حالة الفقر وعدم الأمان التي تعيشها أغلب فئات الشعب السوري، بعد تسعة أعوام من الحرب الضروس التي شنّها النظام على السوريين، ثم تستثمر في الفئات الدنيا من الشباب العاثر الطائش، خصوصا الفئات التي كان أفرادها قبل الحرب من أصحاب السوابق الجنائية، فتجنّدهم مقابل إطلاق أيديهم للعبث في مجتمعاتهم المحلية.
يستخدم النظام سيف الملاحقات الأمنية لتعزيز هذا الدافع عند الشباب السوري، فعلى من أراد التخلّص من ملاحقات أجهزة مخابرات الأسد، الالتحاق بإحدى قطعاته العسكرية، مثل الفرقة الرابعة، أو بأحد أجهزة مخابراته، أو بإحدى مليشياته المحلية أو مليشيات حلفائه الإيرانيين أو اللبنانيين أو العراقيين. وهذا كلّه ليس بعيدا عن أنظار أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ورقابتها، بل ما يثير الريبة أكثر وأكثر أنّ طلعاتها الجوّية نادراً ما تستهدف مراكز تجميع قوات الحرس الثوري الإيراني وقوات حزب الله اللبناني المنتشرة بكثافة في مناطق اللجاة وإزرع شرقي درعا، وفي تلّ الحارّة ونوى غربها، وفي مناطق كثيرة جداً من محافظة القنيطرة.
يكاد المرء يجزم بأنّ غضّ الطرف الإسرائيلي هذا لم يأت عن عبث، ولا هو مستغرب أيضاً.
إنّها سياسة مرسومة بعناية شديدة، وهي بمثابة سيفٍ مسلّط على رقاب دول الجوار، ومنها الأردن ودول الخليج العربي، باعتبارها الأقرب إلى الحدود السورية الجنوبية. ولا يمكن تجاهل عمليّات تصدير المخدرات التي تزايدت بشكل مرعب خلال العامين الماضيين، منذ أعادت قوات النظام إحكام سيطرتها على الحدود الجنوبية للبلاد مع الأردن، ولعلّ ما يظهر لنا هو مجرّد رأس جبل الجليد.
كان من أول اشتراطات أميركا على روسيا منع التمدّد الإيراني في الجنوب، مقابل التخلّي الكامل عن دعم قوّات الجبهة الجنوبيّة الممولة من غرفة عمليات الموك. لم تتكّلم أميركا وقت ذاك بلسان حالها فقط، بل كانت تنقل اشتراطات الجانب الإسرائيلي على النظام السوري، للسماح له بالعودة إلى خطوط معاهدة فضّ الاشتباك المبرمة مع حافظ الأسد عام 1974. لماذا إذن تترك قوّات عدوّها المفترض تسرح وتمرح على مقربة هائلة من حدودها؟ وراء الأكمة ما وراءها، وهذا ما يعزّز الافتراض الذي بدأ به كاتب هذه السطور مقاله، إنّ إسرائيل وأميركا لا تحاربان الوجود الإيراني في سورية عامة، وفي الجنوب خاصة، بل تديرانه لتحقيق أكبر قدر ممكن من المنافع المتبادلة بينهما منه.
تعرف القيادات الإسرائيلية كيف توظّف هذا الوجود، بما يعود عليها بالمنفعة، لا بالضرر. ويمكن تبيان أكبر مجالات المنفعة في رسم صورة المنطقة العربية المحيطة بها عموماً، وحالة الوضع السوري خصوصاً، فبكلّ تأكيد ليس من مصلحة إسرائيل وجود دول قويّة مستقرّة محكومة بأنظمة ديمقراطية في محيطها. وهذا يعني أنّها تفضّل، للحفاظ على وجودها في المنطقة وتطبيع كيانها، وجود أنظمة ديكتاتورية، أو دول فاشلة محكومة بمليشيات متصارعة، مثل الوضع الراهن في سورية. فإذا كان الجواب بالنفي على السؤال عما إذا كان لإسرائيل مصلحة في استقرار سورية، وهو فعلاً كذلك، فإنّ الفائدة تتحقّق في استمرار الوجود الإيراني ووجود مليشيا حزب الله اللبناني وفرعه السوري، لأنّ هذا الوجود يشكّل، بكلّ بساطة، شمّاعة التدخّل الإسرائيلي في الكبيرة والصغيرة في سورية.
بالنسبة لحزب الله والحرس الثوري الإيراني، يختلف الوضع في سورية عنه في لبنان من حيث المبدأ، فهناك توجد بيئة حاضنة ذات مرجعيّة عقديّة ملائمة لهذا الحضور. بينما كانت نسبة
من هذا المنطلق، تعمل قوّات الحرس الثوري الإيراني، بالتعاون مع مليشيا حزب الله، المصنّف تنظيما إرهابيا من قبل الكثير من البلدان الغربية والعربية، على زرع خلايا محلّية من أبناء المنطقة للاعتماد عليها في تعزيز وجودها واستدامته. تستغلّ هذه القوّات حالة الفقر وعدم الأمان التي تعيشها أغلب فئات الشعب السوري، بعد تسعة أعوام من الحرب الضروس التي شنّها النظام على السوريين، ثم تستثمر في الفئات الدنيا من الشباب العاثر الطائش، خصوصا الفئات التي كان أفرادها قبل الحرب من أصحاب السوابق الجنائية، فتجنّدهم مقابل إطلاق أيديهم للعبث في مجتمعاتهم المحلية.
يستخدم النظام سيف الملاحقات الأمنية لتعزيز هذا الدافع عند الشباب السوري، فعلى من أراد التخلّص من ملاحقات أجهزة مخابرات الأسد، الالتحاق بإحدى قطعاته العسكرية، مثل الفرقة الرابعة، أو بأحد أجهزة مخابراته، أو بإحدى مليشياته المحلية أو مليشيات حلفائه الإيرانيين أو اللبنانيين أو العراقيين. وهذا كلّه ليس بعيدا عن أنظار أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ورقابتها، بل ما يثير الريبة أكثر وأكثر أنّ طلعاتها الجوّية نادراً ما تستهدف مراكز تجميع قوات الحرس الثوري الإيراني وقوات حزب الله اللبناني المنتشرة بكثافة في مناطق اللجاة وإزرع شرقي درعا، وفي تلّ الحارّة ونوى غربها، وفي مناطق كثيرة جداً من محافظة القنيطرة.
يكاد المرء يجزم بأنّ غضّ الطرف الإسرائيلي هذا لم يأت عن عبث، ولا هو مستغرب أيضاً.
كان من أول اشتراطات أميركا على روسيا منع التمدّد الإيراني في الجنوب، مقابل التخلّي الكامل عن دعم قوّات الجبهة الجنوبيّة الممولة من غرفة عمليات الموك. لم تتكّلم أميركا وقت ذاك بلسان حالها فقط، بل كانت تنقل اشتراطات الجانب الإسرائيلي على النظام السوري، للسماح له بالعودة إلى خطوط معاهدة فضّ الاشتباك المبرمة مع حافظ الأسد عام 1974. لماذا إذن تترك قوّات عدوّها المفترض تسرح وتمرح على مقربة هائلة من حدودها؟ وراء الأكمة ما وراءها، وهذا ما يعزّز الافتراض الذي بدأ به كاتب هذه السطور مقاله، إنّ إسرائيل وأميركا لا تحاربان الوجود الإيراني في سورية عامة، وفي الجنوب خاصة، بل تديرانه لتحقيق أكبر قدر ممكن من المنافع المتبادلة بينهما منه.
حسان الأسود
كاتب ومحامٍ وحقوقي سوري، المديرالسابق للهيئة السورية للعدالة والمحاسبة، مقيم في ألمانيا.
حسان الأسود
مقالات أخرى
13 سبتمبر 2024
23 اغسطس 2024
11 اغسطس 2024