ما أن تخفت حدة الجدال المتواصل بين التيارات السياسية في إيران على قضايا مختلفة حتى تعود وتشتد من جديد، ومن المعروف أنه يوجد اليوم على الساحة السياسية الإيرانية تياران أساسيان وخطابان بارزان، أحدهما ينتمي لتيار الاعتدال الذي يمثله الرئيس الإيراني، حسن روحاني، وهو من يمثل خط الوسط بين الإصلاحيين، والمحافظين، بينما يضم التيار الآخر المحافظين، في وقت ما زال فيه الطرف الثالث وهو التيار الإصلاحي يلملم نفسه بعد سنوات غياب عن الساحة السياسية منذ احتجاجات عام 2009.
وخرج الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أمس الثلاثاء من على منبر جامعة طهران، ليفتتح مراسم بدء السنة الدراسية الجامعية، ولم يحضر معه وزير التعليم العالي رضا فرجي دانا، وفق البروتوكول المعتمد، وهذا ما حدث تماماً العام الماضي أيضاً، والسبب يعود لعزل البرلمان للوزير دانا وحجب الثقة عنه أخيراً.
أما العام الماضي فلم يمنح البرلمان أيضاً الثقة لجعفر ميلي منفرد الذي رشحه روحاني آنذاك لتولي المنصب، ويمثل وزارة التعليم اليوم قائم بأعمالها هو مستشار الرئيس، علي نجفي إلى حين يطرح اسم وزير جديد.
وتعود جذور المشكلة للخلاف بين التيارين إلى مسألة عزل الوزير التي جاءت بعد استدعائه من قبل كتلة محافظة مقربة من الرئيس السابق، أحمدي نجاد، إذ لم تساعد إجابات الوزير على نيله الثقة من النواب الذين ينتمون بمعظمهم للتيار المحافظ.
فقد قدم الوزير دانا مناصب في وازرته وفي الجامعات لشخصيات محسوبة على الإصلاحيين، ووجهت الاتهامات لبعضها بالارتباط باحتجاجات الحركة الخضراء عام 2009، فضلاً عن حديثه عن منح دراسية قدمت لأشخاص لا يستحقونها، وقد اتهم الحكومة السابقة بارتكاب هذا الأمر، وهو ما أدى لعزله كون النواب انتقدوا سياساته واستهجنوا اتهاماته من دون أدلة.
ويقول الرئيس روحاني إن الانتقاد مفيد، ولكن التشدد في التعامل أحياناً لا يصب في مصلحة الجميع، ويطالب بالتحلي بالمسؤولية وبالوضوح والابتعاد عن التملق، وعدم الحكم على أشخاص دون أن يرتكبوا أخطاء تسمح بمحاسبتهم، ويعتبر أن هذا كله يزيد المسافة بين الجميع.
لم يخف روحاني انتقاده الشديد لهذه السياسات، ونقل أنه تعرض لضغوط العام الماضي لعدم ترشيح اسم جعفر ميلي منفرد، ويقول روحاني أيضاً إن خسارة الوزير دانا كبيرة للغاية، ليتطرق لكل تلك الانتقادات وأسباب العزل ويوضح أخيراً "المنح وما أدراك ما المنح؟"، في إشارة إلى ما كشفه وزيره المعزول.
ويحكم الخلاف السياسي العلاقة بين التيارات، ولطالما قال المسؤولون في إيران وعلى رأسهم مسؤولو حكومة روحاني إن الخلافات والانتقادات تبقى طبيعية، ولكنهم في نفس الوقت يرفضون الوقوف بالمرصاد لكل خطوة تقوم بها الحكومة.
ما حدث في الجامعة، يذكر بخطاب ألقاه روحاني شهر أغسطس/آب الماضي، والذي وجه فيه كلامه لمنتقديه من المتشددين بحدة وتوتر عاليين، حيث قال "ما إن نعبّر عن رغبتنا في التفاوض حتى يقولون إننا نرتعد خوفاً..اذهبوا إلى الجحيم..ابحثوا عن مكان آخر دافئ لكم، فالله خلقكم جبناء مرتعشين"، في إشارة منه إلى المتشددين الذين ينتقدونه بشدة كونه يقدم تنازلات للدول الكبرى في المفاوضات النووية.
يرفض هؤلاء سياسة الديبلوماسية مع الغرب، ويقفون بالمطلق ضد أي تفاوض إيراني أميركي، فهم لا يثقون بالنوايا الأميركية والغربية.
ومع استمرار المحادثات النووية، وبعد مشاركة روحاني في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة أخيراً، واستئناف وزير خارجيته محمد جواد ظريف المفاوضات النووية مع الدول الست الكبرى في نيويورك اشتدت الانتقادات من قبل المحافظين.
وركز المتشددون في وسائل الإعلام والصحف التابعة لهم على إطلاق سينمائيين وفنانين إيرانيين لحملة داعمة للتفاوض النووي، وكتبت صحيفة "وطن امروز"، أن الشعار الذي تحدث عنه ظريف في أميركا وتداوله مؤسسو الحملة والذي يقول "أي توافق أفضل من عدم التوافق"، يعتبر شعار ذل وغير مرض، ولا يحقق لإيران ما تريده من برنامجها النووي.
وأضافت "وطن امروز"، أن "الظروف اختلفت الآن عن الوقت الذي بدأت فيه المحادثات، فالولايات المتحدة غير مستقرة وتراكمت المشكلات والأوضاع في المنطقة والتي باتت تقلقها، فواشنطن اليوم بحاجة لطهران أكثر من أي وقت مضى، فما الداعي من تقديم تنازلات من هذا القبيل".
لكن المعتدلين ردوا على الأمر معتبرين أن هذه الحملة أطلقها فنانون إيرانيون عالميون، بدعم من الخارجية كونهم قادرين على التأثير على المجتمع الدولي، فإيران اليوم تتبع سياسة الديبلوماسية والحوار مع الآخرين.
وذكرت صحيفة "إيران"، أن "الحكومة تواجه تحديات في الخارج، وليست بحاجة لوجود منتقدين يقفون بوجه تحقيق المنفعة والمصلحة القومية الإيرانية". ورأت أن "هناك جهوداً داخلية تسعى لتخريب المحادثات النووية، إذ قام هؤلاء بتحريف كلام ظريف الذي قاله في نيويورك عندما أجاب عن سؤال يتعلق بالتبعات الداخلية والخارجية بحال عدم التوصل لاتفاق نووي، فقال إنه "إذا بقيت جهودنا بلا نتيجة فلدى الإيرانيين فرصة بعد 16 شهراً في الانتخابات البرلمانية ليبدوا رأيهم بجهودنا هذه"، فيما نقل المتشددون عن ظريف أنه قال "حتى بحال عدم التوصل لنتيجة فإن أصدقاءنا في البرلمان سيخسرون مقاعدهم".
وتتكرر قصص وانتقادات من هذا النوع بين الطرفين، وكلما اشتد الخلاف يحاول البعض وعلى رأسهم المرشد الأعلى، علي خامنئي الإمساك بالعصا من الوسط، في محاولة للتقريب بين التيارات حتى تحقق إيران ما تريد في الخارج بالدرجة الأولى.
فالتوافق النووي يصب في مصلحة الجميع وفق تصريحات كل المسؤوليين، ولكن يبقى الخلاف على التفاصيل، فعلى الوفد المفاوض أن يحقق العديد من الشروط وفي مقدمتها الاحتفاظ بحق إيران في تخصيب اليورانيوم وعدم التنازل عن امتلاك أجهزة الطرد المركزي، وبحال توصل ظريف وفريقه المفاوض لتوافق مرض للمتشددين في الداخل، فهذا سيكون كفيلاً برأب الصدع ولو نسبياً وتخفيف الحمل الداخلي عن روحاني، رغم أن الخلاف بين التيارات في إيران دائم كونه يقوم على مسائل متعددة داخلية وخارجية.