يعود العبيدي (1953) إلى الجذور الفلسفية لنظرية المكان ما قبل ابن سينا؛ متتبعاً ثلاثة اتجاهات: الأول يذهب إلى إنّ المكان سطح الجسم الخاوي بحسب الكندي والفارابي، وإخوان الصفا، وفلاسفة بغداد، والثاني يرى أنّ المكان بُعداً، كما قال بذلك الرازي، ولكنهم أي اصحاب هذا الاتجاه أقرّوا بوجود الخلاء في العالم، والثالث هو اتجاه ابن الهيثم الذي عارض فيه الاتجاهين السابقين.
يوضح العبيدي أن ابن سينا نظَر إلى المكان بشقيه: المكان الطبيعي (مُلاء) بضم أوله، والمكان المجرد (خلاء)، لافتاً إلى إنّ دراسة ابن سينا للمكان كانت معالجة فلسفية علمية دقيقة، حيث لم تخل دراساته من نطاق الفيزياء والمنطق، غير مغفلٍ الانتقادات التي وُجهت لها، ولكن ما قدّمه في زمنه يؤشر على مدى تطوّر فكره وتجاوزه لمعاصريه.
الكتاب يشير كذلك إلى أنّ كل من الغزالي وأبي البركات البغدادي والفخر الرازي والإيجي قد أخذوا بمنهج ابن سينا في دراسة المكان، وتأثروا ببحوثه ونتائجه، رغم معارضة بعضهم له.
يؤكد أستاذ الفلسفة في "الجامعة المستنصرية" في بغداد، على الأثر البارز التي تركته نظرية المكان عند ابن سينا وإسهاماتها في الثقافة العربية والإسلامية من بعده، إذ مثّلت أفكاره فلسفية في زمانها، وغدت مرجعية للعديد من الفلاسفة العرب والمسلمين.