03 أكتوبر 2024
اتحاد المغرب العربي كياناً وهمياً
يدخل اتحاد المغرب العربي، في شهر فبراير/ شباط الحالي، العقد الرابع من عمره (الإعلان عن التأسيس يوم 17 فبراير/ شباط 1989). وعلى الرغم من وجود رئاسة له، وهياكل رسمية ومواقع إعلامية، إلا أنه من الناحية الواقعية فاقد للفعالية والدور، وغائب تماما عن المشهد الدولي، فهو لا يزيد عن مجرّد كيان شكلي، مثل كل أجهزة العمل العربي المشترك.
كانت فكرة إيجاد كيان يجمع دول المغرب الكبير وشعوبها حلما يراود الجيل الأول في أثناء مرحلة التحرّر من الاحتلال الفرنسي، فقد اجتمع ممثلو الحزب الحر الدستوري التونسي وحزب الاستقلال المغربي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية في 30 إبريل/ نيسان 1958 في طنجة، لوضع خطّة تسمح بإيجاد أشكالٍ من التعاون الاقتصادي والتكامل السياسي، بما يخدم آمال شعوب المنطقة وطموحاتها، إلا أن حسابات الدولة الوطنية ما بعد الاستقلال كان لها توجهات مختلفة، حيث ظهرت حالةٌ من النزاعات الحدودية بين دول المغرب الكبير، ووصل الحال إلى حدوث نزاعاتٍ عسكرية بين الدولتين الأكبر في المنطقة، الجزائر والمغرب، ما عطّل أي إمكانيةٍ للتعاون المشترك، خصوصا بعد ظهور مشكلة الصحراء الغربية، حيث تدعم الجزائر جبهة بوليساريو التي تخوض صراعا ضد المملكة المغربية.
مع إعلان حكام الدول الخمس (ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا) في اجتماع زرالدة
الجزائرية يوم 10 يناير/ كانون الثاني 1988 عن رغبتهم في بناء اتحادٍ يضم هذه الدول، وما لحقه من خطوة تأسيسية لهيكلٍ حمل اسم اتحاد المغرب العربي في شهر فبراير/ شباط من السنة التالية، بدا وكأن حلم شعوب المنطقة في الوحدة قد بدأ بالتحقق، وخصوصا أن الوعود الأولى التي بشّر بها الاتحاد في أهدافه كانت واضحةً، خصوصا في التأكيد على فتح الحدود بين الدول الخمس، لمنح حرية التنقل الكاملة للأفراد والسلع ورؤوس الأموال فيما بينها، وتحديداً السعي إلى نهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إلا أن الأحداث اللاحقة أجهضت هذا الحلم، كما كل المبادرات الوحدوية التي عرفتها المنطقة العربية منذ خروجها من مرحلة الاستعمار المباشر.
على الرغم من أن الأرضية المشتركة التي تجمع شعوب منطقة المغرب الكبير تقدّم الحد الأدنى الضروري لبناء كيان وحدوي متعاون، سواء من حيث الامتداد الجغرافي أو التماثل السكاني ووحدة الهوية، أو حتى تشابه المشكلات الاقتصادية، إلا أن العائق المركزي يظل دوما مرتبطا بالقرار السياسي. لقد فشلت منظومة الحكم في الدول المغاربية الخمس في تفعيل الخطوات الوحدوية الضرورية، وبدء التعاون بين دول المنطقة، بل وعجزت حتى عن تحقيق الأدنى الضروري من التنسيق، أعني السماح بحرية الحركة والتنقل لمواطني المنطقة، بما ينشئ نوعا من الحركية الاقتصادية وسيولة البضائع ورأس المال، وهو ما يقيم نوعا من الوحدة الاقتصادية الضرورية في زمنٍ لم تعد فيه الدول الصغيرة قادرةً على تحقيق نمو اقتصادي خارج محيطها الجغرافي والسياسي.
عمليا، يمكن القول إن اتحاد المغرب العربي هو في حالة تجميد منذ سنة 1995، إثر أزمةٍ
سياسيةٍ حادّة شهدتها العلاقات بين المغرب والجزائر، بعد تفجير فندق سياحي في مراكش، وعلى إثره اتهم المغرب جارته الجزائر بالتورّط في الحادث، وليتم إغلاق الحدود بين البلدين، في 27 أغسطس/ آب 1994. وعلى الرغم من كل التحولات السياسية الحاصلة منذ سنة 2011، إلا أن العلاقة بين الدول المغاربية لم تتحوّل إلى نوعٍ من التنسيق التكاملي، وإنما ظلت في طور المناكفة السياسية. كانت أزمة الثقة بين النخب الحاكمة تزيد في تعقيد العلاقات بين دول اتحاد المغرب العربي. وفشل هذا الكيان الرسمي الذي يجمع بينها في حل الأزمات العالقة بينها. وزاد اختلاف الأوضاع السياسية بين الدول الخمس في توسيع الهوة بينها، فبين حالة الانتقال الديمقراطي في تونس، ووضعية الحرب الأهلية الليبية، والنظام العسكري في موريتانيا، والنظام الملكي في المغرب، وتجاذبات الوضع الجزائري، غابت فكرة الوحدة المغاربية. أمرٌ تجلى في غياب التنسيق إزاء الوضع في ليبيا، على الرغم من أن الميثاق الذي يجمع دول الاتحاد المغاربي ينصّ صراحة على "صيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء، أي اعتداء على دولة من الدول الأعضاء يعتبر اعتداء على كل أعضاء الاتحاد"، ويؤكّد على "تحقيق الوفاق بين الدول الأعضاء، وإقامة تعاون دبلوماسي وثيق بينها يقوم على أساس الحوار"، وهي شعاراتٌ ظلت مجرّد حبر على الورق.
المطلوب الآن، وفي ظل ما تشهده المنطقة من تحولات، ومن ارتفاع أصوات المواطنين المطالبين بتطوير أنظمتهم السياسية، أن تسعى الأنظمة الحاكمة إلى تفعيل الحد الأدنى الضروري من التعاون المغاربي، أعني فتح الحدود وتفعيل اتفاقيات التعاون الاقتصادي، على الرغم من أن المشهد العام ينذر بمزيدٍ من التشرذم في ظل تدخل قوى إقليمية ودولية تحاول فك أواصر الوحدة الجغرافية والسكانية لمنطقة المغرب الكبير، ذات التاريخ المشترك والمصير الواحد.
مع إعلان حكام الدول الخمس (ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا) في اجتماع زرالدة
على الرغم من أن الأرضية المشتركة التي تجمع شعوب منطقة المغرب الكبير تقدّم الحد الأدنى الضروري لبناء كيان وحدوي متعاون، سواء من حيث الامتداد الجغرافي أو التماثل السكاني ووحدة الهوية، أو حتى تشابه المشكلات الاقتصادية، إلا أن العائق المركزي يظل دوما مرتبطا بالقرار السياسي. لقد فشلت منظومة الحكم في الدول المغاربية الخمس في تفعيل الخطوات الوحدوية الضرورية، وبدء التعاون بين دول المنطقة، بل وعجزت حتى عن تحقيق الأدنى الضروري من التنسيق، أعني السماح بحرية الحركة والتنقل لمواطني المنطقة، بما ينشئ نوعا من الحركية الاقتصادية وسيولة البضائع ورأس المال، وهو ما يقيم نوعا من الوحدة الاقتصادية الضرورية في زمنٍ لم تعد فيه الدول الصغيرة قادرةً على تحقيق نمو اقتصادي خارج محيطها الجغرافي والسياسي.
عمليا، يمكن القول إن اتحاد المغرب العربي هو في حالة تجميد منذ سنة 1995، إثر أزمةٍ
المطلوب الآن، وفي ظل ما تشهده المنطقة من تحولات، ومن ارتفاع أصوات المواطنين المطالبين بتطوير أنظمتهم السياسية، أن تسعى الأنظمة الحاكمة إلى تفعيل الحد الأدنى الضروري من التعاون المغاربي، أعني فتح الحدود وتفعيل اتفاقيات التعاون الاقتصادي، على الرغم من أن المشهد العام ينذر بمزيدٍ من التشرذم في ظل تدخل قوى إقليمية ودولية تحاول فك أواصر الوحدة الجغرافية والسكانية لمنطقة المغرب الكبير، ذات التاريخ المشترك والمصير الواحد.